«طوق نجاة ورحمة».. أزواج وأقارب يتبرعون بأعضائهم البشرية لإنقاذ حياة ذويهم
جهد كبير تبذله الدولة المصرية في تطوير منظومة علاج مرض الفشل الكلوي على مستوى الجمهورية، بهدف رعاية المصابين بالمرض، والسيطرة على الأزمة في البلاد، مقارنة بإحصائيات الدول الأخرى، وكذلك توزيع العديد من مراكز الغسيل الكلوي داخل محافظات مصر، والتكفل التام بعلاج المواطنين.
كان هذا الأمر من بين أولويات الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أعلن منذ أيام قليلة عن قراره الجديد، بشأن التوسع في عمليات زراعة الكلى، باعتبارها العلاج الأمثل لمرضى الفشل الكلوي، لرفع المعاناة التي يعيشها أصحاب المرض، وتحسين ظروف الحياة لهم.
وعلى الرغم من صعوبة عمليات التبرع بالأعضاء، إلا أن هناك بعض الملائكة البشرية اختاروا المغامرة بحياتهم لإنقاذ حياة الآخرين، الذين يعانون من خلل طبي معين يعرضهم للموت الحتمي، إذ لم يتبرع لهم أحد من بزراعة أعضاء بشرية معينة، تكون مطابقة لنفس فصيلة الدم.
من هنا اختارت «الدستور» أن تعرض قصص المتبرعين بالكلى لأشخاص آخرين، شعورًا منهم بآلامهم التي عانوا منها سنوات طويلة، ورغبة منهم أيضًا في إنقاذ حياة المرضى، كما تواصلنا مع لجنة زراعة الأعضاء لتوضيح الأمر بشكل كامل.
شاب ثلاثيي : اختبرت الموت لسنوات على جهاز زراعة الكلى وانتظر الزراعة بفارغ الصبر
9 سنوات من الألم، عانى فيهم أحمد ناجي، شاب في الخامسة والثلاثين من عمره، من قصور بالكلى، يروي خلال حديثه مع «الدستور»، تجربته في استخدام العقاقير كمحاولة لإنقاذ نفسه من المرض، وصولًا لتوقف حياته على زراعة عاجلة لكلى يسرى.
يتذكر الشاب بداية مرضه، حين حاول إبعاد نفسه عن الغسيل الكلوي لأن حالته في البداية لم تكن بحاجة إلى ذلك، فاتبع خطة علاج ووقاية في آن واحد، حيث ابتعد عن الأغذية التي تسبب استسقاء أو ارتفاع في ضغط الدم، وأيضًا أقلع عن التدخين لسوء ضرره على الكلى، إلى جانب بعض الوصفات والعقاقير الطبية المنشطة، لكن ذلك لم يدم طويلًا حتى شرع في جلسات الغسيل الكلوي.
يذكر خريج الهندسة آنذاك أن حياته قد توقفت منذ تلك اللحظة، فلم يعد قادرًا على القيام بأعمال معينة تدوم لساعات طويلة، ومباشرة العمال في الموقع لكونه مهندس مدني، خاصة بعد زيادة عدد الجلسات لثلاثة أسبوعيًا.
وكان سبتمبر من عام ٢٠١٨ نقطة مفصلية في حالته، أثناء خضوعه لجلسة تعطلت الماكينة وتبدلت المياة الخاصة بالغسيل، فهو أحد ضحايا الحادث الشهير الخاص بتعطل وحدة الغسيل الكلوي بديرب نجم بالشرقية، واستكمل حديثه مشيرًا إلى متابعة لرفقائه من المرضى، الذين لاقوا حتفهم، وتوقع أن يكون هو التالي، لكن داخل الرعاية الحرجة أخبره الطبيب أن وضعه ساء وأصبح في حاجة ملحة لزراعة كلي.
منذ ذلك الحين يسعى لإيجاد متبرع لندرة فصيلة دمه “A+”، وعندما وجد تعثر تحمل تكلفة، الزراعة، فهو غير خاضع للتأمين الصحي لعمله بشكل حر، لذا هو يأمل حاليًا في قرار رئيس الجمهورية الأخير، وتدخل صندوق “تحيا مصر” للتوسع في الزراعات، كطوَّق نجاة وحياة جديدة.
مصر في المرتبة الـ20 لحالات الوفيات
يبلغ عدد الوفيات الناجمة عن أمراض الكلى فى مصر ٢٠ ألفًا و٤٣٣ حالة سنويًّا، أى ما يعادل ٣٢.٨٨ حالة بين كل ١٠٠ ألف مصرى، لتحتل مصر بذلك المرتبة الـ٢٠ بالنسبة لعدد الوفيات الناتجة عن أمراض الكلى على مستوى العالم.
ووفقًا لإحصائية الجمعية المصرية للكلى، فإن مصر بها ٤٦٠ مركزًا خاصًا وحكوميًا، علما بأن عدد مرضى الفشل الكلوى فى مصر نحو ٥٠ ألفًا، فيما تخضع للفحص أعداد مضاعفة لهذا الرقم، بينما تبلغ تكلفة علاج مريض واحد بالفشل الكلوى سنويًا ٤٠ ألف جنيه.
أمل: نعيش مرضى سويًا أفضل من استكمال حياتي دون زوجي
كان يومًا طبيعيًا استيقظت فيه، أمل محمد،على اتصال زوجها العزيز، الذي مر على زواجهما أكثر من 25 عامًا من المودة والرحمة، ويملكون 6 أحفاد، وليس أبناء فقط، وتفاجأت حينها أن الاتصال وارد من المستشفى لتخبرها أن زوجها تعرض لأزمة صحية مفاجئة في العمل، وتم حجزه في العناية المركزة وعليها الذهاب إليه على الفور.
وقع الخبر على “أمل” كالصاعقة التي ضربت منزلها الصغير، وحياتها الهادئة، وهرعت إلى المستشفى سريعًا تستنجد بالطبيب: “ما خطب زوجي لقد كان في حالة جيدة هذا الصباح؟”.
فيجيب الطبيب بعدما طلب منها الهدوء، موضحًا أن زوجها “معروف” مصاب بقصور حادة في الكلى، لكنها لم تستوعب الأمر بشكل كامل في تلك اللحظة، لتقرر الاتصال بأبنائها لإنقاذ الموقف.
حضروا الأبناء على الفور و مهدوا الأمر للأم، بأنه يستدعي غسيل للكلى بسبب وجود قصور في الكلى اليمنى، وفشل في الكلى اليسرى، تقبلت الزوجة بالأمر الواقع، وتم البدء في جلسات الغسيل الكلوي الصعبة التي تعرض زوجها للموت في كل مرة بما أنه مريض بالقلب، وتم تركيب له بعض الدعامات القلبية التي تزيد من خطورة جلسات الكلى.
توقفت الجلسات لبعض الأيام بعد حوادث ارتفاع ضغط الدم وخطورة مرض القلب مع الغسيل الكلوي وتوقف الكلى اليسرى عن العمل وقصور الكلى اليمنى، ثم انتقل معروف إلى العناية المركزة للمرة الرابعة على التوالي في شهرين فقط فما كان أمام الطبيب إلا أخبارهم عن مدى احتياجه لعملية زراعة أو نقل كلى بشكل ضروري.
لم تفكر أمل مرتين وبدأت بالفحوصات ورفضت تمامًا التدخل من قبل أبنائها، ولم تنتبه لعدم موافقة أحد من أخوته في التبرع لأخيهم بالكلى على الرغم من صغر سنهم وقرابتهم الأولى له، وبعد تحذير الطبيب من تقدم أمل في السن وخطورة العملية عليها وقد تفقد حياتها بعد العملية أو تضطر للغسيل الكلوي مع الوقت وكانت دائمة الإجابة، "نعيش تعبانين إحنا الإتنين أحسن ما يعيش واحد فينا لوحده".
ومرت العملية بصعوبتها، وبعد أسبوع ظل معروف بكلى زوجته، وعاشا معًا في حياة أفضل، وإن كانت هناك بعض العراقيل يواجهونها معًا أفضل من أن يواجه أحدهما الحياة وحيدًا.
لجنة زراعة الأعضاء: خطوة مهمة لإنقاذ حياة آلاف المرضى
تواصلت «الدستور» مع عبد المجيد أباظة، رئيس لجنة زراعة الأعضاء، الذي أعرب عن مدى أهمية القرار الأخير للرئيس السيسي، بشأن زراعة الأعضاء البشرية داخل العديد من المراكز، في إطار إنقاذ حياة آلاف المرضى.
قال: إن “عمليات التبرع بالأعضاء عامةً تخضع لقوانين ولوائح عديدة خاصة زراعة الكلى، كونها الأكثر شهرة والأكثر إجراءًا في مصر، وتصل تكلفتها لـ450 ألف جنية في بعض العمليات، وتجرى أكثر من 300 عملية شهريًا لحوالي 80% من الأقارب والباقي من منتظري التبرع”.
وأضاف أباظة أن هذه العملية لها خطورة أكبر على المتبرع فيكون عرضة للجلطات والاكتئاب، ولا يسمح للمانحين تحت السن القانوني أو مصابي أمراض القلب والنقص الحاد في الوزن.
وتستغرق العملية مدة تتراوح من 12 إلى 13 يوم حتى يتعافى المانح والمريض ثم يقضي فترة نقاهة سليمة، قد تعفي هذه العملية المريض من الغسيل الكلوي وقد تجعل الجلسات أقل خطورة.
واستكمل اباظة حديثه، موضحًا أن القانون المصري ينظم عمليات التبرع بالكلى في مصر بين الأحياء وبين الأقارب فقط، وفي عام 2003 تم السماح التبرع بعضو الكلى إلى غير الأقارب بشرط ألا يكون هذا التبرع مقابل مبلغ مادي، وعليه أن يسجل إقرارًا بالشهر العقاري يفيد هذا، وأي عملية تفيد الزارعة أو التبرع خارج إطار الدولة وقوانينها تعتبر اتجار بالبشر والأعضاء البشرية.