يرسمها بالرمال الملونة.. «وهبة» يوثق يوميات أهل واحة الخارجة بلوحات مجسمة

في رحلة ثرية ومتنوعة ، تأخذك لوحات الفنان أحمد وهبة إلى  تفاصيل ويوميات الحياة في واحة الخارجة،  الملابس والبيوت والدروب، النخل والجمال والغزال، عادات وتقاليد ومواسم أهل الواحة، السوق والنساء اللاتي يحملن البيض والجبن فوق رؤسهن، سيدة تخبز العيش، وأخرى ترعى الكتاكيت في حارة بيتها. 

 هكذا تجد الحياة اليومية في "مدينة الخارجة"، كلها موثقة برمال الواحة نفسها وعلى خشب الشجر المعمر الذي نبت حول عيون المياه القديمة، في لوحات تأخذك مباشرة إلى عالم ألف ليلة وليلة، و لا توجد لوحة موقعة باسم"وهبة" من خارج طبيعة الحياة في الواحات الخارجة، بمحافظة الوادي الجديد، التى تبعد 650 كلم غرب القاهرة، حيث ولد ويعيش فنان الرسم بالرمال،"أحمد وهبة"، فالطبيعة هي مادته ولوحته معا.

 في جناحه في معرض ديارنا الذي تنظمه وزارة التضامن الاجتماعي في مارينا 5 العلمين، بالساحل الشمالي، يضع وهبة أمامه مجموعة من الأحجار الرملية التى يستخدمها بألوانها المختلفة، وبجانبها أكياس من مسحوق كل حجر بلون مميز، ليرى محبو فن الرسم بالرمال كيف يرسم اللوحات، المتراصة في الجناح.

- طبقات الرمال تحكي يوميات أهل الواحة 

تستطيع أن تتلمس خبرة "وهبة" البالغ من العمر 63 عاماً، في طريقة تجسيده ليوميات الناس في الواحة، وكأنه يخرج عملا مسرحيًا على لوحة مجسمة بطبقات الرمال، ليبرز قصة هنا أو يلفت نظرك إلى مشهد في جانب من جوانب اللوحة، أو إلى عمارة بيوتها، ومايدور بين الناس من حكايات وعلاقات.

عمله في هيئة قصور الثقافة، طوال عمره الوظيفي، وتنقله بين الإخراج المسرحي والتمثيل، والإشراف على فرقة الوادي الجديد القومية للفنون الشعبية، وخبرته كخطاط ورسام يمتلك أسرار ألوان الفحم والجواش والأكلريك والباستيل، مكّنته من أن يحوّل رمال جبال الواحة إلى"بصمة فنية" لا تخطئها العين، حتى قبل أن تلحظ توقيعه على اللوحة.

 -استغرقت سنوات حتى توصلت لرسم لوحة متكاملة التفاصيل باستخدام الرمال

 وقال الفنان أحمد وهبة، "مع بداية التسعينات قررت أن أتميّز في نوع مختلف من الرسم وجاء الرمل بالصدفة، حين جذبتنى ألوانه في الجبال، واستغرق الأمر سنوات من التجريب حتى توصلت إلى تقنية رسم لوحة متكاملة التفاصيل باستخدام الرمال، بألوانها الطبيعية من دون استخدام أى صبغات".

ذات يوم، شارك وهبة في رحلة خلوية لأحد جبال الوادي الجديد، واستهوته ألوان الرمال الطبيعية الخلابة، واحتفظ بكميات منها، وفكر في استبدال الرمال بألوانها الطبيعية دون استخدام صبغات كما يفعل البعض، بالزيت والفحم الذين كان يرسم بهما، وقرر أن تكون لوحاته نوعا من التعريف بالثروات المصرية، وتخليدا للتراث والحياة البدوية القديمة بواحاتها.

حين يصعد وهبة إلى جبال ضواحي مدينة الخارجة، لينتقى منها الأحجار الرملية، بألوانها الطبيعية، الأبيض والبني والأصفر والأخضر والأحمر والأسود، يتذكر الآية القرآنية"ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فأخرجنا به ثمرات مختلفًا ألوانها، ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود"، لكن اللون الأزرق أو لون السماء غير متوافر في جبال الواحة، وهنا يلجأ وهبة إلى حيلة للتغلب على عدم وجود هذا اللون" استغني عنه في رسم السماء بتحديد وقت الرسم غروبًا أو شروقًا حين لا يكون لون السماء أزرقًا خالصًا".

لا يختار وهبة الألوان فقط التي يحتاجها من الحجر الرملي، بل يختار –بحكم خبرته- من بين هذه الأحجار ذات الصلابة أو الخشونة المناسبة،" لا تكون رمالها ناعمة فتتعجن مع المادة اللاصقة، ولا تكون خشنة بدرجة عالية، فتبرز بنسبة كبيرة عن سطح اللوحة".

- الرسم على خشب شجرة الدوم

قبل الرسم، يجهز الفنان وهبة حبات الرمل، يفرك الحجر بيده، ويصحنه ويصنفره ويصفيه، لتكون حبيباته متساوية وملساء، ثم يجهز الخشب الذي سيرسم عليه و يختار أنواعا من الخشب الطبيعي، حتى تكون كل مكونات لوحته من الطبيعة، مثل خشب شجر الدوم التى أصبحت نادرة الآن، أو كعب جريد النخل، ونادرا ما يلجأ إلى استخدام الكرتون المضغوط أو"إم دي إف" بكثافات مختلفة، ومادة هينة في تقطيعها ورخيصة الثمن". 

 وأوضح "وهبة"، "خشب شجرة الدوم المعمرة، استخدمه أهالي الواحة قديما في صنع نوافذ وأبواب بيوتهم، وأحيانا سقف وجدران البيوت،"بعض هذه البيوت متهدمة، فاستخدم خشب نوافذها وأبوابها لأرسم عليه لوحاتى، فهو خشب صلب خفيف، ومر، لا يهاجمه السوس، لهذا عاش طوال هذه السنوات من دون أن يتأثر، ويمكنه أن يحفظ الحياة للوحاتى بجودة عالية ولأطول فترة ممكنة" .

لا يحتاج وهبة إلى أدوات كثيرة لرسم لوحاته، فبعد دهن الخشب بالغراء الأبيض، يضع عليه طبقة من الرمل الأبيض بيده، وعندما يجف يضع طبقة أخرى من الغراء وينثر عليها طبقة من الرمل بلون محدد لرسم تفصيلة ما في اللوحة بهذا اللون، وعندما يجف، يطلي اللوحة بالغراء مرة أخرى، ليستخدم لونا آخر لرسم تفصيلة أخرى وهكذا.

 وعن الرسم واستخدام الألوان، قال "لا أضع لونين بجانب بعضهما فى المرة الواحدة حتى لا تختلط الألوان، بل أضع طبقة طبقة، إلا في حالة رسم الشدو والضوء، يمكن أن أستخدم أكثر من لون معا، ولا أنتظر حتى تكتمل اللوحة لأبدأ في رسم غيرها، بل أشتغل في أكثر من لوحة في وقت واحد، لأعطى فرصة لكل واحدة كي تجف، قبل أن أعود إليها مرة أخرى لاضافة التفاصيل".