الإهمال «وحش» يهدد أبنائنا.. مشرفات الحافلات المدرسية «غير مباليات» وأرواح بريئة تدفع الثمن
لم تكن تعلم أم الطفل يحيى محمود وهي تسلم يدا طفلها الصغيرتان إلى مُشرفة سيارة حضانته صباحًا أنها ستسلم طفلها وأعز ما تملكه إلى من يتسبب له في السلب الأبدي من نعمتي القدرة على الحركة، وكذا نعمة البصر ليعيش محرومًا من نعم منحها الله له، ولكن الإهمال أبى أن يتركهما للملاك البرئ.
يحيى ذلك الطفل الذي نسيته المُشرفة داخل الحافلة من الساعة الثامنة صباحًا، وحتى الساعة الحادية عشرة لتحرق شمس الظهيرة رأسه وتُصيبه بغيبوبة لسخونة حرارتها، ومن ثم يتعرض على إثرها لغيبوبة تُصيبه بما أصابته.
والدة الطفل تروي التفاصيل الكاملة للحادث
وكانت سلمى السعدني والدة الطفل يحيى محمود، قد كشفت تفاصيل الحادثة كاملة موضحة أن مشرفة الحضانة نسيت الطفل داخل السيارة الملاكي المسئولة عن توصيله الحضانة، لمدة 3 ساعات داخل السيارة وأبوابها ونوافذها مغلقة، وهو ما أصابه بحالة إغماء، وأن مشرفة الحضانة تذكرت زجاجة الكحول فتوجهت إلى السيارة فرأت الطفل ملقى فى دواسة السيارة وفى حالة إغماء.
وأضافت أن مسئولو الحضانة قاموا بمسح كاميرات الحضانة، ولكنها – الأم- طلبت من المحال التجارية المجاورة للحضانة تفريغ الكاميرات الخاصة بها، واكتشفت أن الطفل لم ينزل من السيارة، وبعد توقيع الكشف الطبي على الطفل تبين أنه فقد البصر، وأنه لا يشعر بشئ نهائي، والأطباء أكدوا أن علاجه عند الله نتيجة درجة الحرارة العالية داخل السيارة.
ليتحول في تلك الواقعة دور مشرفة السيارة من توصيل الأطفال إلى مؤسسات التعليم والرعاية إلى تسليمهم يدًا بيد إلى هول المخاطر وشبحها الذي قد يتوافق مع شبح الموت فيفقد هؤلاء الصغار أرواحهم.
العرض مستمر للإهمال في الحافلات المدرسية
وهذه الواقعة تجعلنا أمام إعادة فتح ملف إهمال الحافلات المدرسية ومشرفاتها للأطفال، والتي تسببت من قبل في وقوع العديد من الضحايا ففي سلسال تلك القضايا لا يجب أن ننسى تلك الواقعة الشهيرة للطفلة مليكة ذات الثلاث أعوام التي تحطمت عظامها أسفل إطارات حافلة المدرسة، وذلك بسبب إهمال كلًا من المشرفة والسائق حيث لم توصلها المشرفة إلى باب منزلها مصطحبة البنت من يدها كما يجب أن يكون لهذه الطفلة الصغيرة، واكتفى السائق بإنزالها على بعد خطوات من المنزل، لتسقط الطفلة على رأسها أرضًا أمام أخيها الصغير وتدهسها حافلة مدرستها مسرعة فتحطم جسدها الصغير، كل ذلك أمام أعين المشرفة التي أهملت مسؤوليتها في حماية طفلة مازالت تتعثر خطوات سيرها على الأرض.
نائبة: المشرفات غير متدربات وهناك سوء اختيار لهم
النائبة ماجدة نصر قالت في حديثها الخاص لـ"الدستور" أن حوادث إهمال الحافلات المدرسية ومشرفاتها للأطفال قد ازدادت في الفترة الأخيرة، وذلك بسبب سوء اختيار إدارات المدرسة لهؤلاء المشرفات فهم في الغالب غير مدربات أو مؤهلات للتعامل مع مسؤولية تحمل طفل وحمايته من الأخطار ويكون ذلك نتيجة اللجوء لمشرفات ذات مرتبات منخفضة من أجل خفض التكلفة المادية عليهم، حتى لو انعكس ذلك بالضرر على روح الأطفال البريئة.
وأوضحت نصر، أن هذا الأمر يتطلب تشديد الرقابة على مشرفات الحافلات المدرسية، وضرورة اختيارهن بعناية شديدة نظرًا لكونهن مسئولات عن ملائكة صغار لا يدركون أبسط خطواتهم، ويحتاجون إلى رعاية شديدة، وهم كذلك أمانة تركها ذويهم في يد هؤلاء المشرفات والعاملين بالمدرسة جميعًا.
كما شددت نصر، على ضرورة وضع تشريعات صارمة لمن يُعرض أطفالنا للإهمال الذي أسمته بالإهمال المتعمد، الذي لا يدمر مستقبل الطفل وحده بل يدمر حياة أسرته جميعًا.
وأضافت النائبة أنه يجب أن نتخذ النموذج الفنلندي نموذجًا يحتذى به في اختيار مشرفات الحافلات المدرسية لمدارس الأطفال، والذين يتم اختيارهن على أعلى المؤهلات الدراسية، بالإضافة إلى العديد من الدورات التدريبية في التعامل مع الأطفال وحمايتهم.
مشرفات الحافلات المدرسية: وظيفتنا بها مسئولية كبيرة أمام الله وأولياء الأمور
من جانب آخر تواصلت "الدستور" مع مشرفات الحافلات المدرسية للاستماع إلى آرائهن فيما نسب إليهن من إهمال فلذات أكباد أمهات تقطعن حُرقة على أطفالهن.
المشرفة سهير أحمد مشرفة حافلة بمدرسة عمر بن عبد العزيز الابتدائية أوضحت أنه لابد أن يكون عمل مشرفات الحافلات المدرسية يتم "بالورقة والقلم" أي أن يتم مراجعة أسماء الأطفال الذين صعدوا إلى الحافلة، والذين نزلوا منه، وذلك قبل التحرك، إلى المدرسة أو منها، ويتم هذا من خلال المناداة باسم كل طفل على حده والتأكد من تواجده، وكذلك يجب معرفة فصل كل طفل، وفي حال عدم تواجده وقت الخروج من المدرسة يجب الصعود إلى فصله، واصطحابه إلى "الباص"، وذلك تفاديًا لحالات نسيان الأطفال سواء داخل الباص أو بالمدرسة.
أما عن حوادث الحافلات فأشارت سهير إلى أنه يجب ألا يتم إنزال الطفل من وراء الحافلة المدرسية لأنه من الوارد أثناء رجوعها تدهس الطفل أو تأتي سيارة أخرى تصدمه كذلك، لذا يجب أن يتم إنزال الطفل من أمام الحافلة وأن تصطحب المشرفة الطفل من يده إلى باب منزله سواء كان سيستلمه ذويه أو لا وكذلك الأمر أمام باب المدرسة.
وأخيرًا أوضحت أنه قد جاءت عليها لحظات أرادت فيها الانسحاب من وظيفتها تلك خوفًا أن تكون سببًا في يوم من الأيام لضياع روح طفل برئ ليس له ذنب، موضحة أنها لا تتحمل مجرد تخيل ذلك إلا أنها تراجعت في هذا الأمر مستعينة بالله على أن يقدرها على تحمل هذه المسئولية، مؤكدة أنها تبذل أقصى ما في وسعها للحفاظ على أمن وصحة الأطفال معتبرة جميعهم أبنائها تخاف عليهم جميعًا.
كذلك أوضحت سميرة ابراهيم مشرفة "باص" بإحدى المدارس الخاصة أن مهنة المشرفة صعبة ومسئولية كبيرة، مشيرة إلى أن أولياء الأمور يأتمنونها على أولادهم فلابد أن تكون على قدر هذه الأمانة.
وتتابع سميرة أنها تحب العمل مع الأطفال وهذا أول ما يجب أن يتوافر في مشرفة الباص، موضحة أنه يجب كذلك أن تكون المشرفة على قدرٍ عالٍ من التركيز مع كل طفل أثناء ركوبه الباص حتى وصوله إلى المدرسة أو البيت.
أما عن يومها فتصفه أنه يبدأ من الصباح الباكر حيث يقف السائق بالأتوبيس أمام المنزل لتنزل منه، وتطرق على الباب مصاحبة الطالب إلى الأوتوبيس.
وتقول: "أنا بنزل بنفسى من الأوتوبيس وأسلم كل طالب في يد ولي أمره،" مشيرة إلى أنه في نهاية اليوم الدراسي تتأكد من أن كل الطلاب قد وصلوا البيت.