ميرال الطحاوي تكشف في «بعيدة برقة عن المرسال» أسباب تقويض بوح النساء بالشعر
تخصص الروائية والأكاديمية ميرال الطحاوي في كتابها "بعيدة برقة على المرسال..أشعار الحب عند نساء البدو" فصلا كاملا تحت عنوان " بوح النساء في البداية" وتذهب فيه إلى سرد رواية عن امرؤ القيس الشاعر العربي الذي تغزل في أجساد النساء، وحقق فحولته الشعرية عبر غزلياته الصريحة التى جاوزت الأعراف والتقاليد. وكان غيورا حتى أنه كلما لد بنت وأدها فلما عرفت نساؤه تلك الخلة غيبن بناتهن عن أحياء العرب، وعندما عرف ذلك، خشي أن تكون له ابنة من صلبه، ركب راحلته وراح يجوب تلك الأحياء، ليقتل من بقي بناته، وكان يتحقق من اببته بأن يسأل الصغيرات: "من تجيز منكن هذا البيت ؟" فإذا نجحت الفتاة في الإجازة، وبارته في شعريته، وتحقق من براعتها أيقن أنها ابنته فيضرب عنقها بالسيف .
وتلفت ميرال الطحاوي إلى أن ثمة تقويض وحظر مورس على المرأة في ممارسة البلاغة إلا في الحدود والأغراض المسموح بها، والتي اقتصرت على تمجيد القبيلة أو الرثاء. وتورد الطحاوي نادرة أخرى أوردها بن القيم الجوزية وهي قصة الحرباء بنت عقيل بن علقمة والتى طلب منها والدها أن تجيز بيتا من الشعر، فقالت بيتا عن الخمر، فأراد والدها أن يقتلها، وكان عقيل بن علقمة غيورا.
تذهب الطحاوي إلى أن تأثيم ممارسة المرأة للبلاغة والأدب كان متجذرا منذ عصور الجاهلية القديمة التي اعتبرت بلاغة المرأة جرما وعارا في حد ذاته، وفضيحة يحاول الذكر محوها ووأدها، لكنه يمتد إلى صعور أحدث؛ لذلك لا نتعجب من قلة المصادر التي دونت شعر النساء في ظل هذا الحظر على المخيلة والبوح.
وتشير الطحاوي: لم تكن البلاغة وحدها جوهر الحظر الذي امتد ليشمل تعلم الكتابة، فالمعرفة بالكتابة في بعض مصادر التراث العربي القديم تقترن أيضا بهذا البعد الجنسوي المرادف للتعري والتكشف، أو بالفحش والتفحش، والإفصاح عن الذات التي تفترض أن تظل محجوبة عن بلاغة النساء.
وقد أثار بن اأي الثناء في مؤلفة "الإصابة فى منع النساء عن الكتابة" جدلا طويلا حول العلاقة بين كتابة المرأة والتفحش.
وتلفت الطحاوي إلى أن الجواري وحدهن من سمح لهن في التاريخ الإسلامي بالكتابة وممارسة البلاغة وغيرها من الفنون، مثل الرقص والموسيقى، وزادت تلك المهارات في قيمتهن؛ أى أن العقل الجماعي العربي تعامل مع التعبير الأدبي باعتباره مهارة مرتبطة باللذة الجنسية وانسحب على الكتابة على ما انسحب على الجسد من شروط اجتماعية تبيح تعريته أو صيانته.
تذهب الطحاوي إلى أن الموت وحده هو من يكسر ذلك الصمت الأنثوي، تتسامح القبيلة في حضور الفقد، مع بعض قوانين خرق الحشمة، فتخرج النساء حاسرات، باكيات معبرات عن مشاعرهن في الفضاء العام .
وتشير الطحاوي إلى أن العزاء في بيت العربان، يأخذ أيام طويلة حافلة بالطقوس النسائية ويصبح بمثابة ساحة لطبول عالية تدق ستة أيام في مقابر القبيلة، الموت الحاضر وحده يسمح لصوت المرأة التي تتفجع بالتعبير عن فقدها شعرا.