بعد تكرار حالات الانتحار بها..
من يحكم فوضى تداول حبوب الغلال السامة في مصر؟
لا يمر بضعة أيام في قرية طامية بمحافظة الفيوم إلا ويسمع حامد.ح، 29 عامًا، أحد أبناء القرية، خبرًا لانتحار أحد باستخدام حبة الغلال أو وفاة طفل نتيجة تناوله تلك الحبة بالخطأ، وبالرغم من ذلك لا يُمنع تداولها في قريته.
يقول: "منذ شهر انتحرت فتاة لم تبلغ سوى 15 عامًا باستخدام حبة الغلال، والتي وجدتها في منزلها ويستخدمتها والدها في حفظ الحبوب الخاصة به ومنع تسوسها، إلا إنها تناولت واحدة فقط وكانت كافية للقضاء على حياتها في الحال".
تلك الفتاة، أصبحت حالة متكررة بشكل شبه يومي في القرى والمحافظات تحديدًا، بسبب سهولة الحصول على حبوب الغلال واستخدامها للتخلص من الحياة، أو تناولها بالخطأ من قبل الأطفال، لاسيما أن أسعارها رخيصة للغاية ويمكن الحصول عليها بسهولة كما كشفت "الدستور" في التقرير التالي.
يوضح حامد، أنه إلى الآن لم تبين التحقيقات ما إذا كانت الفتاة تناولت تلك الحبة بالقصد من أجل التخلص من حياتها، أم إنها تناولتها بالخطأ لصغر سنها: "الحالة دي كل يوم متكررة عندنا في الفيوم ومش بس لشباب سنهم صغير كمان سيدات ورجال كبار".
وبالأمس، أصيب عامل بحالة إعياء شديد وأعراض تسمم، الأحد، عقب تناوله قرص حفظ غلال بطريق الخطأ بدائرة قسم شرطة مدينة طهطا في شمال محافظة سوهاج، ووصل المستشفى العام أحمد.ج مصابًا بحالة إعياء شديد وقيئ ادعاء تناول أقراص مجهولة وتم تحويله إلى مستشفى سوهاج الجامعي.
وتبين من المعاينة والفحص وسؤال شقيقه كامل. ج. أ «34 سنة - عامل»، تناول المذكور «قرص حفظ غلال» بالمنزل عن طريق الخطأ، مما نتج عنه إصابته، ولم يتهم أحدا بالتسبب فـي ذلك، وتحرر بالواقعة المحضر اللازم، وأخطرت النيابة العامة للتصرف.
محمود زكريا، يعمل في إحدى شركات التنمية الزراعية، يوضح أن حبوب الغلال تصنع من المبيد الحشري على هيئة أقراص، يتم وضعها في الحبوب لمنع السوس من الوصول إليها، مبينًا أنها تمثل خطورة شديدة على الإنسان في حال لمسها أو استنشاقها لأنها سامة.
ويشير إلى أن يدخل في صناعة الحبة فوسفيد الألومنيوم وهو مكون سام إلى جانب عدد من المواد الآخرى التي تدخل في صناعة المبيدات الحشرية، موضحًا أنه لا بد من الحذر في التعامل مع تلك الحبوب لتسببها في عمليات انتحار أو تناول بالخطأ خلال الفترة الأخيرة.
يشرح أن الفوسفيد الذي يدخل في صناعة تلك الحبة يتم رش المحاصيل الزراعية به لقتل الحشرات والسوس، ويتفاعل مع مياه الجسم أو أي شيء رطب داخل الجسد لذلك لا يلبث ويقضي على حياة من تناوله بشكل سريع بسبب تفاعله مع سوائل الجسم.
ومن خلال جولة على عدد من صفحات موقع التواصل الاجتماعي، وجدنا عدد من الجروبات المجهولة التي تبيع حبوب الغلال بدون رقابة ولأي شخص يريدها، والتي لا بد من صرفها من قبل الجمعيات الزراعية أو الصيدليات.
وتراوح السعر من 5 جنيهات إلى 3 جنيهات، وأحيانًا يصل إلى جنيه واحد، وهناك علب يصل سعر الواحدة منها إلى 10 جنيهًات، تحتوي على عدد من حبوب الغلال، التي يتم صرفها لكل من يريدها بدون أي رقابة عليها.
وحملت الجروبات أسماء علنية مثل بيع حبوب الغلال، أو تجار الغلال في المحافظات، وكان عليها تفاعل ضخم من قبل أشخاص ذكور وإناث، يسألون عن أسعارها المختلفة من مجموعة إلى آخرى وكذلك عن المطلوب من أجل الحصول عليها.
خميس حامد، فلاح من محافظة أسيوط، يؤكد أن حبوب الغلال أصبحت وسيلة أولى للانتحار خلال الفترة الأخيرة، بسبب انتشارها بين الفلاحين وسهولة الحصول عليها، محذرًا منها لكونها مصنوعة من غاز سام يسمى "الفوسفين".
يوضح أن السم الموجود بها ليس له مضاد في المستشفيات، لذلك من يتناولها يموت في الحال ولا يمكن إنقاذه بطرق التسمم العادية، لأن الفوسفين يتفاعل بشدة مع السوائل في الجسم ويتحول إلى مبيد حشري للقضاء على السوس والحشرات.
يشير إلى أن بعض أهالي المنتحرين بتلك الحبة يقومون بإعطاء من تناولها زيت جوز هند وليس ماء من أجل احتواء تلك الحبة في جوف المعدة، إلى جانب إسعافات أولية آخرى لكنها لا تجدي في كل الحالات، بسبب مرور وقت طويل على تناولها.
في آواخر عام 2019، أصدرت لجنة المبيدات بوزارة الزراعة تقرير أكدت فيه أن مستحضرات فوسفيد الألومنيوم والماغنسيوم (فوسفيد الألومنيوم أو فوسفيد الماغنسيوم) يصل تركيز المادة الفعالة لما يتراوح ما بين 56%، 66% وهي على هيئة أقراص مستديرة أو بلي وزنه 3 جرامات تقريبًا.
وأضافت أنها مواد تتسامى في صورة غاز الفوسفين (فوسفيد الهيدروجين) ومسجلة بالمرجعيات الدولية (وكالة حماية البيئة الأمريكية والمفوضية الأوروبية) كما أنها مسجلة ومتداولة في الدول المنتجة لها المعروفة بحبة الغلال، معلنة عن حزمة من الإجراءات الاحترازية للحفاظ على الأرواح.