عضو لجنة الحريات بالاتحاد الدولي للناشرين
شريف بكر: لدينا 350 مليونًا يتحدثون العربية وهم قوة شرائية غير مستغلة
انطلاق معرض القاهرة الدولي للكتاب كان الأمل الأخير لإنعاش صناعة النشر في مصر والمنطقة العربية بعد أكثر من عام ونصف العام توقفت فيها الصناعة بشكل كامل عن البيع أو المشاركة في المعارض ذات القوة الشرائية الكبيرة، مثل معرض القاهرة الدولي للكتاب، المسألة التي طرحت العديد من الأسئلة عن وضع صناعة النشر مصريا وعربيا، وقدرة تلك الصناعة على مواجهة التحديات العالمية، المرتبطة بحدث طارئ مثل جائحة كورونا.
العديد من الأسئلة نطرحها على عضو لجنة الحريات بالاتحاد الدولي للناشرين، الناشر شريف بكر، المسئول السابق عن لجنة التطوير المهني باتحاد الناشرين المصري، وهو أيضا عضو اللجنة العليا لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورات سابقة، أبرزها دورة اليوبيل الذهبي التي احتفل فيها المعرض بدورته رقم 50.
فإلى نص الحوار:
في البداية ما هي المهام الرئيسية للاتحاد الدولي للناشرين؟
الاتحاد الدولي للناشرين قائم على عمودين أساسين، حماية الملكية الفكرية وحرية النشر، ليس شبيها بالاتحادات المحلية التي تهتم بالبيع والمعارض والتطوير المهني، فهى مسائل على الهامش؛ "الناشرين الدولي" يتكون من كيانات الاتحادات المحلية، من أجل تأمين موضوعات معينة للناشرين، في المقام الأول مسألة الملكية الفكرية بناء على علاقات الاتحادات ببعضها يسير بالتوازي مع ذلك مسألة حرية النشر، لأن هناك العديد من البلاد التي تعاني من ضعف حرية النشر، فيعمل الاتحاد على رفع سقف حرية النشر في تلك البلاد، ليست متساوية بالضرورة لكن يساعد على رفع السقف وحماية الناشرين في تلك البلاد.
التصور العام لدى أغلب العاملين في مجال صناعة النشر أن دول العالم الثالث هى فقط من تعاني من مسألة حرية النشر، فهل معنى حديثك أن هناك دولًا أوروبية وأمريكية تعاني من ضعف حرية النشر؟
بالطبع، حتى بعض الدول الأوروبية تعاني من مشاكل متعلقة بحرية النشر، في أمريكا والنرويج وفرنسا وألمانيا، من مظاهر ذلك منع دور نشر، أو منع موضوع معين من المكتبات، ومهام لجنة الحريات بالاتحاد الدولي بشكل عاما تكون مراقبة حريات النشر وتحاول بشكل عام وضع مظلة آمنة للناشر حتى يعمل دون خوف.
ما هو تقييمك لوضع صناعة النشر في مصر؟
سافرت للمعارض الخارجية منذ 2008، ذهبت إلى 16 دولة على علاقة بالنشر، سواء مشاركة في معارض أو برامج زمالة أو تدريب، أحيانا أقدم محاضرات في تلك البلاد، وتلك مسألة ساهمت في اطلاعي على حالة النشر في الكثير من الدول.. نجد لاعبين كبارا في الصناعة، مثل أمريكا، إنجلترا، ألمانيا، فرنسا، إلى جانب إسبانيا والبرازيل، تلك دول لديها صناعة كبيرة وقاعدة كبيرة من القراء، فيما عدا هذا بقية الأسواق جيدة لكن حجمها صغير بالمقارنة بتلك الدول.
في سياق متصل، يقول البعض إننا في مصر متأخرون عن مسايرة ركب الصناعة عالميا، لكني أرى عكس ذلك، نعم لدينا مشاكل لكن لدينا ما يطلق عليه قدرة رهيبة لم تستغل بعد، بمعنى لديك 350 مليون عربي يتحدثون نفس اللغة، بعض الدول مثل استونيا تعدادها السكاني أقل من مليون، أكبر قدر من البيع حتى لو قرأ الشعب كله فلن يتجاوز رقم المليون، أما في الوطن العربي نسبة 1.5% من 350 مليونا يتحدثون نفس اللغة ستكون أكبر من ذلك بكثير، وقد يزيد العدد مع المتحدثين باللغة العربية خارج الوطن العربي.
المؤشرات المتعلقة بالقراءة في الوطن العربي ومعدلات بيع الكتاب أقل من تلك النسبة بكثير بالتالي هل يكون التعداد السكاني كقوة شرائية غير مصدر قوة للصناعة؟
أتحدث هنا عن السوق المستهدف، سواء يشترون أم لا، لكنهم في النهاية قوة مستهدفة، تمثل مساحة نمو أستطيع التحرك داخلها وهى غير مستغلة.
في الخارج كمثال نجد ألمانيا قد وصلت إلى مرحلة تشبع، في النهاية هناك عدد كتب معين للقراءة في الشهر، واحتمالات النمو غير كبيرة، على عكس السوق العربية، وهى قدرات غير مستغلة عربيا.
هل هناك أمثلة توضح عدم استغلال تلك القوة الشرائية؟
غير معقول أن يكون تعدادنا السكاني 350 مليونا وعدد نسخ الطبعة ألف نسخة فقط، من الأسباب أيضا لعدم استغلال تلك القوة الشرائية مسألة تسهيل توزيع الكتاب على المنافذ في كل مصر.
هل هناك محاولات لتجاوز تلك الأزمات؟
هناك بارقة أمل في مسألة التوزيع كمثال، مع استعداد «أمازون» لدخول سوق التوزيع في المنطقة العربية، تحديدا في مصر والإمارات والسعودية.
لكن البعض أظهر مخاوف من دخول أمازون لمنطقة التوزيع على اعتبار أنهم يحتكرون الأسواق التي يعملون فيها؟
للأسف يخاف الناس من أمازون لأنهم يمارسون طريقة عمل أشبه بالتتار الذين يدخلون مكانا فيحتلونه بالكامل، بالتالي يستطيع المحتكر ممارسة ضغط على الناشرين في مسألة تقليل الربح، لكن حتى مع ذلك فالربح القليل سيقابله معدلات بيع كبيرة.
إلى جانب أن دخول أمازون إلى مجال التوزيع سيعالج العديد من مشاكل في التوزيع التي نقابلها في التعامل مع شركات البريد أو الشحن.. بشكل شخصي كناشر واجهت مشكلة تتعلق بإرسال كتب عن طريق البريد إلى عميل في نهاية الشارع المتواجد فيه مقر المكتبة، نجد صعوبات أحيانا في إرسال كتب في نفس المدينة أو مدينة مجاورة.
هل هناك عقبات أخرى تؤثر على استغلال القوة الشرائية للمنطقة العربية؟
هناك مشاكل أخرى تتعلق بمنع الكتب في بعض الدول، لكن حتى تلك المشكلة أصبح لها حلول، مثل الكتاب الإلكتروني، أو الصوتي؛ تستطيع الحصول عليه متجاوزا مشكلة منع الكتاب الورقي من الإرسال إلى دول معينة.
حديثك عن القوة الشرائية يرد عليه البعض بأن معدلات القراءة في المنطقة العربية قليلة وأن استغلال تلك السوق في بيع الكتاب غير مجدٍ، ما تعقيبك على ذلك؟
حتى مع فرضية عدم وجود بيانات تحدد متوسطات القراءة في مصر أقول إن هناك قوى شرائية كبيرة، قوة تحددها مؤشرات يستطيع أي إنسان مشاهدتها بالعين المجردة، نموذجا لذلك معرض القاهرة الدولي للكتاب، فهو من أكبر المعارض التي يزورها قراء في العالم.
من المؤشرات أيضا ما حدث في مرحلة سابقة عندما فرض على الناشرين تسجيل رقم إيداع دولي، وهي مسألة تفترض عضوية الناشر في اتحاد الناشرين العربي والمصري، حينها زاد عدد دور النشر الأعضاء في الاتحاد من 500 دار إلى 700 دار، وذلك في ظل ظروف صعبة اقتصاديا كانت تمر بها مصر.
قضية تزوير الكتب في حد ذاتها دليل على وجود قوة شرائية، بعيدا عن مسألة انتهاك حقوق الملكية الفكرية التي يجب أن تعالج، أو دون الحديث عن وجود فرق في السعر أو مشكلة في التوزيع، أتحدث هنا فقط عن القوة الشرائية التي دفعت لذلك، لديك أيضا ظاهرة الكتاب الأكثر مبيعا، ومبيعات الكتب التي حققوها، والتي لم نكن نسمع عنها من قبل، نشاهد طوابير من القراء في حفلات التوقيع تقف للتصوير مع الكاتب، دون الخوض في مسألة جودة الكتاب، أنظر هنا بشكل مجرد للمؤشرات التي تشير إلى معدلات قراءة مرتفعة، والتي تعني وجود قوة شرائية لم نحسن استغلالها بعد.
لكن تلك القوة الشرائية تحتاج في نفس الجانب إلى وجود ناشرين على قدر كبير من فهم الصناعة وآلياتها، هل تلك مسألة موجودة بالفعل؟
لا يوجد مسألة اسمها "ناشرين" هكذا في العموم، لأن هناك من يطور من نفسه، وهناك من يظل على نفس الأداء حتى يجد من يدعمه، وهناك من ينزوي مكتفيا بوضعه الحالي.
عندما كنت مسئولا في لجنة التطوير المهني باتحاد الناشرين المصري قبل سنوات، وجدنا ناشرين يتعاملون بالفاكس حتى الآن، ليس لديهم إيميل.. هناك عاملون في المهنة صعب تغييرهم، وأغلبهم من الجيل الأول للصناعة، وهناك الجيل الثاني، أو أبناء هؤلاء الجيل، وتعليمه حديث ومختلف؛ فقد تعامل مع تكنولوجيا العصر منذ سنوات تعليمه الأولى، وهذا الجيل استعداده أكبر، ودليل ذلك ظهور دور نشر جديدة يديرها شباب يصدر كتبا تحدث رواجا كبيرا وسط وجود دور نشر أكبر يديرها كبار في المهنة لا يحققون نفس معدلات البيع.
بالتالي السوق مفتوحة ومتعطشة لكل جديد، نحن من يجب أن نطور أنفسنا مع السوق، وسيكون هناك شرائح من الناشرين العاملين في المهنة، بمعنى سيتغير ترتيب دور النشر بين من يتقدم في المهنة، ومن يظل في مكانه.
تتهم دور النشر التي تهتم بالكتب الأكثر مبيعًا بأنها تنشر محتوى ركيكًا، ما تعليقك على ذلك؟
غير ضرورى أن يقرأ الجميع نوعا معينا من الكتب، هناك موضوعات يتم تصديرها على أنها المعيار الأفضل، لكن دائما ما عرف العالم جميع الأنواع من الكتابة، مثل رجل المستحيل والمغامرون الخمسة أو ميكي، يجب أن تبدأ القراءة بتلك الكتب، لن يبدأ قارئ عتباته الأولى مع القراءة برواية لنجيب محفوظ، بالضبط مثل الهرم، كلما كبر قل حجمه.
الحديث عن اهتمام اتحاد الناشرين الدولي بمسألة حقوق الملكية الفكرية أو رفع سقف الحريات في الاتحادات المحلية ربما يعتبر تدخلا في شئون داخلية للدول، هل ترى ذلك؟
اتحاد الناشرين الدولي ولجنة الحريات لا يتدخلان في شئون الدول، فقط يحاولان تقديم دعم لاتحادات الناشرين المحلية في معركتها من أجل رفع سقف حرية النشر.
أيضا لجنة الحريات مشكلة بشكل حر من الاتحاد، فهي مستقلة، ويتم انتخابها خارجيا من أعضاء الجمعية العمومية، واللجنة برئيسها مستقلة عن الاتحاد رغم تبعيتها إداريا للاتحاد، وفي اختيار أعضائها يتم مراعاة التنوع، والتقسيم الجغرافي.
مثلا من النقاط التي تؤخذ على الاتحادات المحلية في المنطقة العربية وجود هيئات حكومية أعضاء في الاتحاد، لكن أوضحت لهم أنه في الوطن العربي وجود الهيئات الحكومية في الاتحاد يعطي قوة فعلية لاتحادات الناشرين، ويجعل من التواصل مع المؤسسات الحكومية أكثر سهولة، رغم أنه غير مقبول عالميا، لكن عندما نشرح ذلك في اتحاد الناشرين الدولي يكون مقبولا بعد وضوح الرؤية.