«جوام».. هل تصبح ملاذا للمتعاونين الأفغان مثلما كانت للفيتناميين؟
مع اقتراب يوم الحادى عشر من سبتمبر 2021، وهو الموعد الذي قطعه الرئيس الأمريكي جو بايدن على نفسه لإعادة آخر جندي أمريكي من أفغانستان إلى أرض الوطن، تصاعدت التساؤلات حول مصير المتعاونين مع القوات الأمريكية والأطلسية طيلة العقدين الماضيين التي تواجدت فيها على الأراضي الأفغانية لمواجهة القاعدة في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.
وتشير التقارير الأمريكية إلى وجود الآلاف من الأفغان ممن تعاقدت معهم القوات الأمريكية والأطلسية خلال تواجدها في أفغانستان كخبراء محليين ومقاولين وموردين ومترجمين، حيث تتصاعد المخاوف بشأن تعرضهم لأعمال انتقامية من جانب حركة طالبان وبقايا تنظيم القاعدة باعتبارهم "متعاونين" مع القوات الأمريكية والأطلسية، متجاهلين حقيقة أنهم ليسوا متعاونين بل "متعاقدين محللين بموجب عقود توظيف في قطاعات معاونة للجهود العسكري الأمريكي – الأطلسي".
وفي مقدمة المتعاقدين المحليين يقع فى بؤرة الاستهداف المترجمون الأفغان الذين شكلو جسر تواصل بين العسكريين الأمريكيين والأوروبيين وبين عموم الشعب الأفغاني طيلة الأعوام العشرين الماضية.
وتشير التقارير العسكرية الأمريكية إلى أن قرابة 300 من المترجمين الأفغان المتعاقدين مع الجيش الأمريكي قد قتلتهم عناصر الميليشيات المسلحة منذ عام 2016 وقامت باستهدافهم وتصفيتهم برغم غطاء الحماية العسكرية الأمريكية لهم وهو الغطاء الذي لن يكون قائما بحلول الحادي عشر من سبتمبر القادم
.
وفي مقابلة مع دورية (ديفنس نيوز) الأمريكية، يقول الخبير الاستراتيجي الأمريكي مات زيللر، وهو عسكري متقاعد سبقت له الخدمة في أفغانستان، إن "الموت هو المصير المحقق لآلاف من المترجمين والمتعاقدين الأفغان ممن عملوا لحساب القوات الأمريكية والأطلسية، وأن خيار الترحيل هو الأكثر ملاءمة لإنقاذ حياتهم".
وترى الدورية الأمريكية أن مشكلة المتعاقدين المحليين مع القوات الأمريكية في أفغانستان تشبه إلى حد كبير مشكلة المتعاقدين المحليين الفيتناميين ممن تعاونوا مع القوات الأمريكية أثناء الحرب الفيتنامية، فقد برزت مشكلة مصيرهم في منتصف السبعينيات بعد أن وضعت الحرب الفيتنامية أوزارها وبات المتعاونون المحليون في مرمى نيران الانتقام من الفيتناميين الجنوبيين " كخونة متعاونين مع قوات غازية".
ومثلما كان ترحيل المتعاونين للعيش الدائم في جزيرة جوام التي تخضع للسيادة الأمريكية وهي جزيرة صغيرة تقع في المحيط الهادئ كتبت لها الأقدار أن تكون الملاذ الأخير لمتعاونين محليين من أبناء دول تدخلت فيها الجيوش الأمريكية خلال العقود الماضية، فبخلاف المتعاونين الفيتناميين كانت جزيرة جوام ملاذا أخيرا للمتعاونين الأكراد من شمال العراق في العام 1996 خلال حرب الخليج ممن طلبوا لجوءا إلى الأراضي الأمريكية بعد انتهاء العمليات العسكرية في منطقة الخليج العربي.
(جوام) هي جزيرة تقع في غرب المحيط الهادئ، وهي أرض أمريكية تقع في مجموعة جزر ماريانا ، و يوجد فيها قاعدة بحرية وجوية أمريكية حيوية وتبلغ مساحتها 549 كم2، ولا يتعدى عدد سكانها 200 ألف نسمة، إبان الحرب العالمية الثانية وفي الثامن من ديسمبر 1941 هاجم اليابانيون جزيرة جوام و احتلوها في العاشر من الشهر نفسه ، ونزلت القوات الأمريكية في جوام في 21 يوليو 1944م ولكنها لم تسترجع الجزيرة تمامًا حتى العاشر من أغسطس 1944.
وفي الأول من أغسطس 1950 أعلنت الولايات المتحدة أن جوام جزءا من أراضيها ونقلت الإشراف عليها من البحرية الأمريكية إلى وزارة الداخلية الأمريكية كجزء من الأراضي الأمريكية، وأصبح سكان جوام مواطنين أمريكيين.
وينتخب الناخبون في جوام هيئة تشريعية من مجلس واحد، وينتخبون حاكمًا ونائبًا له، مرة كل أربع سنوات. وقبل عام 1970م كان الرئيس الأمريكي هو الذي يتولى تعيين حكام جوام، ولكن منذ عام 1972م، بدأ سكان جوام في انتخاب وفد لمجلس النواب الأمريكي. ويحق للنواب التصويت في اللجان التابعة لمجلس النواب ولكن ليس في المجلس ذاته، وفي عام 1954 أنشأت القيادة الجوية الاستراتيجية لسلاح الجو الأمريكي قاعدة أندرسن الجوية، واتخذت من جوام مقرًا لقيادتها في منطقة المحيط الهادئ.
ويقول جيم جونز رئيس المحكمة العليا الأمريكية، ومحارب سابق في فيتنام: إنه كان شاهدا على أعمال الانتقال البشعة التي تعرض لها المتعاونون الفيتناميون مع القوات الأمريكية بعد سيطرة قوات الشطر الشمالي في فيتنام على الشطر الجنوبي منها، وعندها بدأت عمليات سباق مع الزمن لإنجاز أكبر قدر بالإمكان ترحيله من المتعاونين الفيتناميين الجنوبيين مع القوات الأمريكية المنسحبة فكانت أكبر عملية إجلاء بالمروحيات لهم إلى جزيرة جوام الأمريكية شهدها التاريخ وتم قبيل ساعات من إعلان انتهاء الحرب الفايتنامية في عام 1975.
وفي أقل من 24 ساعة، نقلت مروحيات مشاة الأسطول الأمريكي نحو 7000 من بقايا القوات الأمريكية المنسحبة من فيتنام الجنوبية وإلى جانبهم من تعاون معهم من الفيتناميين الجنوبيين وعائلاتهم هربا من الانتقام المميت الذي كان يتعقبهم.
وكان الرئيس الأفغاني أشرف غني قد عقد مباحثات مع الرئيس الأمريكي جو بايدن حول ترتيبات ما بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في الخامس والعشرين من الشهر الجارى في البيت الأبيض، وجاءت القمة وسط تحذيرات من خبراء عسكريين أن أفغانستان قد تسقط في إيدي مسلحي طالبان بعد ستة أشهر على الأكثر من مغادرة القوات الأمريكية، وهي تحذيرات عكست مخاوفا لم يبددها تعهد الرئيس الأمريكي بالإبقاء على 650 عسكري أمريكي في أفغانستان لحراسة المصالح والمنشآت الأمريكية هناك وإسداء المشورة العسكرية والأمنية للقيادة الحاكمة في البلاد.
يشار إلى أن واشنطن تعمل على إجلاء 4000 جندي أمريكي ممن لا يزالون على الأراضي الأفغانية والانتهاء من ذلك بحلول الحادى عشر من سبتمبر القادم.