البداية كانت فى 30 يونيو
محمد الباز يكتب.. مشوار الجمهورية الجديدة
◄العقد الاجتماعى الذى وضعه الرئيس هو «كل ما أملكه هو العمل.. وكل ما أطلبه منكم العمل»
◄السيسى صنع صيغة تشاركية فى العمل والإنتاج بين الدولة والمواطن المصرى
«كان مقدرًا أن نقطع هذا الطريق بالتحديد، حتى نصل إلى هذه النقطة بالتحديد».
سيطر علىّ هذا الإحساس عندما سمعت الرئيس وهو يتحدث فى الندوة التثقيفية الـ٣٣ التى عقدتها القوات المسلحة، فى ٩ مارس ٢٠٢١، بمناسبة يوم الشهيد، الذى يواكب ذكرى استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة فى ٩ مارس ١٩٦٩.
اقترب الرئيس من ختام كلمته، وإذا به يعلن، ليس للحاضرين فى الاحتفال فى قاعة المنارة فقط ولكن لجموع الشعب المصرى، عن أن افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة يمثل إعلان جمهورية جديدة ودولة جديدة.
استقبل الحاضرون الإعلان بالتصفيق الذى يليق بفهمهم لدلالة وأهمية ما قاله الرئيس.
لم يكتفِ الرئيس بما قاله، فقبل أن يربط أحد بين افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة وإعلان الجمهورية الجديدة ويقصرها عليها، قال: نحن لم نترك المحافظات، نعمل فى كل الاتجاهات. وحتى تكتمل الصورة، أضاف: الموضوع ليس مبانى فقط، ولكنه تطوير كبير نقوم به.
تركت القاعة التى تعقد فيها الندوة التثقيفية وسرحت بعيدًا، عُدت إلى الخلف لما يقرب من ثمانى سنوات مضت، عندما خرج ملايين المصريين يهتفون ضد من استبدوا بهم، وقرروا أن يختطفوا الوطن ويصادروه لحسابهم الخاص، ضاربين بعُرض الحائط تاريخ مصر وثقافتها وحضارتها وعمقها الضارب فى قلب الزمان وعقله.
قلت لنفسى: البداية كانت من هناك.. ولولا هذه الوقفة الوطنية الحاشدة، لما كنا وصلنا إلى الأرض الصلبة التى يتحدث من فوقها الرئيس الآن.
من هذا اليوم شغلت الجمهورية الجديدة الناس، أصبحت سؤالًا مُلحًا عليهم، رغم أنهم من شاركوا فى صنعها وتحديد ملامحها ورسم خطوطها.
كان الإعلان عن ميلاد دولة جديدة والدخول إلى جمهورية جديدة، هى الجمهورية الثانية، يوم الاحتفال بيوم الشهيد له دلالته التاريخية، كما أن ربطه بالعاصمة الإدارية الجديدة كانت له دلالته الحاضرة.
لقد دفعت مصر ثمنًا غاليًا من دماء أولادها حتى تحصل على كل هذه الثقة التى كان يتحدث بها الرئيس عن التأسيس الثانى للجمهورية، قدمت شبابها وقودًا للمعركة الكبيرة التى سعت من خلالها إلى الحفاظ على بقائها.. كان الشهداء هم طليعة البنّاءين للجمهورية الجديدة، وهو ما جعل يوم الاحتفاء بهم يومًا مناسبًا للإعلان عن إنجازهم الكبير.
من اللحظة الأولى كان الرئيس عبدالفتاح السيسى يعرف أن الثمن سيكون غاليًا.
ما رأيكم أن نعود معًا إلى يوم ٣ يوليو ٢٠١٣.
الفريق أول عبدالفتاح السيسى يجلس فى قاعة من قاعات وزارة الدفاع مع عدد من ممثلى القوى السياسية ورموز المجتمع المصرى، ليستقروا على قرار يتناسب مع الحراك السياسى الهائل الذى يشهده الشارع المصرى، ويطالب أصحابه بحسمٍ بإنهاء حكم الجماعة الإرهابية، ولا يقبلون فى ذلك شفاعة من أحد.
استمع وزير الدفاع لآراء المجتمعين، وبعد أن استقروا على خارطة الطريق واختاروه هو ليعلنها، قال لهم فيما يشبه النبوءة: يجب أن تعلموا أن هذا القرار سأتحمل نتائجه أنا ورجالى فى الجيش وأولادى فى الشرطة.
ثم أضاف وزير الدفاع بعاميته الصريحة المباشرة: هنتحمّل وهتشوفوا هنتحمّل إزاى رغم صعوبته، ورغم اللى هيترتب عليه، لكن عشان نحمى المصريين من الفتنة اللى هتقع، إحنا هنتحمّل هذا الأمر بصدورنا.
لم يخرج ما حدث عما قاله وزير الدفاع وقتها، فقد تصدى رجال الجيش والشرطة بصدورهم التى تلقوا بها الرصاص الذى كان موجهًا للشعب المصرى كله، فعلوا ذلك دون أن يمنُّوا على الشعب المصرى، ودون أن يطلبوا منه ثمنًا لذلك.
لقد عبّر الرئيس عن هذا المعنى بصدق عندما قال أكثر من مرة إنه عندما يلتقى بأهالى الشهداء ليكرمهم، وهو أقل ما يمكن أن يقدمه لهم بلدهم، لا تلومه أُم، أو يعاتبه أب، أو يلقى على كتفه أبناء بالهموم، فهم جميعًا يدركون حجم وقدر وقيمة ما قدمه الشهداء لوطنهم.
هؤلاء الذين لولاهم ما بقينا.. ولا كنا هنا.
كان من حق هؤلاء الشهداء، إذن، أن تُعلن الجمهورية الجديدة يوم الاحتفاء بيومهم، للتأكيد على أننا نقدر لهم كل ما قدموه، وحتى يصلهم المعنى الكبير بأن تضحياتهم لم تتبدد ولم تذهب سُدى.. فالدماء الزكية التى سالت على أرض مصر أنتجت مجدًا يتمثل فى الجمهورية الثانية التى توفر أمنًا واستقرارًا وسلامًا ليس لأهاليهم فقط، ولكن للمصريين جميعًا.
الدلالة الحاضرة لربط الجمهورية الثانية بالعاصمة الإدارية الجديدة لا تخفى على أحد.
فالعاصمة الإدارية الجديدة ليست مجرد مبانٍ، وليست مجرد أحياء حكومية واقتصادية هائلة، وليست مجرد نقلة لموظفين يعملون فى الحكومة التى ستتحول بهذا الانتقال إلى حكومة ذكية، ولكنها رمز لقرار شجاع وجرىء، كنا نتحدث عنه كثيرًا فى أدبياتنا السياسية والصحفية دون أن ندرك أن هناك من سيأتى وينفذه.
فات على كثيرين ضربة البداية فى العاصمة الإدارية، وهى الضربة التى تم تدشينها من خلال بناء أكبر مسجد وأكبر كنيسة.
لم يكن البناء للتفاخر، بقدر ما كان للتحدى.
ولم يكن للمباهاة بقدر ما هو ترسيخ لمعنى الدولة الجديدة التى هى لكل أبنائها.
لقد سخر المعاندون لمصر من المبنى دون أن يدركوا المعنى، وقد تركتهم مصر فى غيّهم، تزداد على عقولهم الجهالة وتتراكم على قلوبهم الضلالات، وراحت تكمل البناء، لتقول للعالم إن الشعب الذى كان على وشك الانهيار استطاع أن يُلملم شتات نفسه، وأن يصلب عوده، ويقف ليعلن كلمته التى لا يستطيع أن يقف فى وجهها أحد.
قد ينظر البعض إلى أن ما جرى فى مصر مجرد عملية تطوير لا تستدعى الإعلان عن جمهورية جديدة، لكن هؤلاء لم يفطنوا لما قاله الرئيس عندما أكد: «الموضوع مش مبانى».
الموضوع بالفعل ليس مبانى فقط، وعندما نتأمل الصورة أكثر سنكتشف أننا أمام معانٍ كثيرة، جديرة بالتوثيق والتدقيق والبحث والدراسة.
فى العام لا تستطيع الدولة، أى دولة، أن تنتقل من جمهورية قديمة إلى جمهورية جديدة إلا إذا كانت هناك نقلة كبيرة وحقيقية، ليس فى شكلها ولكن فى محتوى العلاقات التى تربط بين شعبها وإدارتها.
ولا يمكن أن يُقر أحد لدولة بأنها تدخل عصر جمهورية جديدة إلا إذا كانت هناك حركة تحديث شاملة تشكل المنتج النهائى للدولة.
وعندما ننظر إلى هذين المتغيرين سنجد أنفسنا وجهًا لوجه أمام جمهورية جديدة.
يغم على البعض الفهم، فيعتقد أننا مررنا منذ ١٩٥٤- عندما أُعلنت الجمهورية فى مصر لأول مرة- وتنقلنا عبر أكثر من جمهورية، وعليه فلا يمكن اعتبار أن ما يحدث جمهورية ثانية، وهو تصور لا يستند إلى الحقائق، بقدر ما يعتمد على تنظيرات سياسية لا تركن إلى أُسس علمية صحيحة بقدر ما يدعمها الهوى السياسى الذى هو آفة الآفات وعثرة العثرات.
فمنذ ١٩٥٤ ونحن نعيش فى ظلال جمهورية واحدة، تقلّب عليها رؤساء عديدون، محمد نجيب وجمال عبدالناصر وأنور السادات وحسنى مبارك، وفى جملة اعتراضية سياسية وتاريخية وصل رئيس إخوانى إلى الحكم، وأسباب ذلك وخلفياته معروفة.
يريد من غم عليهم الفهم أن نتعامل مع كل رئيس من هؤلاء على أنه يمثل جمهورية منفصلة، وهو ما يفتقد إلى الدقة والموضوعية والفهم أيضًا.
فرغم أن هناك سياسات متباينة حكمت عصور الرؤساء السابقين، فإن هذه السياسات التى كان بعضها يمثل ارتدادًا وانقلابًا على سياسات سابقة، إلا أنها تظل فى سياق واحد، لا يمكننا معه أن نرى انتقالًا شاملًا، يحدد ملامح دولة جديدة أو جمهورية ثانية، وعليه فكل رؤساء مصر السابقين على «عبدالفتاح السيسى» يمثلون جمهورية واحدة أولى.
لكن ما الذى يدفعنا إلى اعتبار ما جاء به عبدالفتاح السيسى جمهورية جديدة؟
الإجابة عن هذا السؤال تقتضى تأمل الصورة كاملة، فالتمسك بالنظر إلى الجزئيات بشكل منفصل لا يمكن أن يقودنا إلى كليات حاكمة، ولا يجعلنا نرسم خريطة لحقيقة ما حدث على الأرض، فى ظل تشكيك وشائعات لم تتوقف عما أنجزته الدولة المصرية فى سنواتها الأخيرة.
الملمح الأول من ملامح الجمهورية الثانية كان فى التغير الشامل فى العقد الاجتماعى الذى يربط بين الدولة والمواطن.
فى دولة يوليو، نسبة إلى ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، كان العقد الاجتماعى بين الدولة والمواطن قائمًا فى الأساس على الاعتمادية الكاملة من المواطن على الدولة، فالدولة توفر للمواطن كل شىء يحتاجه، فى الوقت الذى لا تمنحه حقوقه فى الممارسة السياسية والحياتية الجادة، بل إنها لا تعتمد عليه فى بنائها، بل تمنحه وظيفة وراتبًا دون أن تنتنظر منه عائدًا، وكان المواطن قانعًا إلى درجة كبيرة بهذه الصيغة فلم يعترض عليها، إلا عندما بدأت الدولة تخل بما التزمت به، فوجد المواطن نفسه يموت وهو يجاهد للحصول على رغيف عيش أو أنبوبة بوتاجاز.
هذه الصيغة كانت سببًا فى الفساد الضارب فى كل أركان الدولة المصرية، والذى تحول هو الآخر إلى ما يشبه الدولة التى لا يقدر أحد على مواجهتها أو مكافحتها، فقد تركت الدولة المواطنين يتفاعلون مع بعضهم بعضًا، فنسجت علاقات قلقة ومتوترة، أصبح فيها القوى ينال من الضعيف فى ظل غياب تام وكامل للقانون، فساد إحساس لدى الغالبية العظمى من المواطنين أن هذه الدولة ليست دولتهم، ولكنها دولة من يملك أو يقدر.
فى دولة يونيو، نسبة إلى ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، تغير هذا العقد الاجتماعى بشكل كامل، وإذا عدنا إلى ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى فى حملته الانتخابية أثناء الانتخابات الرئاسية الأولى فى ٢٠١٤، سنجده ينهى عهد اعتمادية المواطن الكاملة على الدولة، ويحولها إلى علاقة مشاركة، يقوم فيها المواطن بدور إيجابى فى بناء دولته، فقد قال: كل ما أملكه هو العمل.. وكل ما أطلبه منكم العمل.
هذه الصيغة جعلت المواطن شريكًا كاملًا فى بناء الدولة، ولأنه أصبح كذلك فقد أصبح مسئولًا عن الدولة وعن مؤسساتها، لم يعد من حق المواطن أن يأخذ كل ما يريد ويكتفى بذلك فقط، بل لا بد أن يعطى الدولة وفى المقابل يحصل على ما يستحقه.
اعتقد البعض أن هذه الصيغة تسلب المواطن ميزة اهتمام الدولة به، وهو ما ثبت خطؤه على الأرض، فقد قامت الدولة الجديدة بدورها كاملًا فى رعاية مواطنيها، وتحديدًا فى مجالات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، ويمكننا أن نراجع سويًا المبادرات الرئاسية وأهمها «١٠٠ مليون صحة» التى جرى فيها مسح شامل للمصريين ومعالجة المرضى منهم على نفقة الدولة.
الاهتمام بالصحة والتعليم والكرامة الإنسانية كان يصب فى النهاية فى خانة الصيغة التشاركية الجديدة التى أرادت الجمهورية الجديدة صياغتها فى علاقتها مع المواطن، فحتى يصبح المواطن شريكًا إيجابيًا لا بد أن يتمتع بصحة جيدة، وأن يحصل على تعليم مناسب يجعله مؤهلًا للدور الذى يقوم به، ثم إن تمتعه بالكرامة الإنسانية يجعله مستعدًا نفسيًا للمشاركة فى البناء، لأن كرامة الإنسان فى وطنه هى بداية الطريق لأن يشعر بالانتماء الكامل إليه، والانتماء هو اللبنة الأولى والأساسية فى بناء أى دولة على أساس سليم.
لقد عززت المبادرات التى أعْلَت من كرامة المواطن المصرى انتماءه لبلده.
وإذا سألت عن هذه المبادرات؟
سأقول لك إنها المبادرات التى سعت منذ البداية لأن:
توفر له سكنًا كريمًا، يمكننا أن نراجع مشروع إنهاء العشوائيات فى كل محافظات مصر.
وتوفر له دخلًا معقولًا إذا لم يكن له عمل، ويمكننا مراجعة مبادرتى «تكافل وكرامة».
وتوفر له وظيفة تضمن له دخلًا مناسبًا، وعلينا فقط أن نراجع المشروعات القومية الكبرى التى وفرت ملايين الوظائف للمصريين.
وتوفر له مناخًا مناسبًا للعلاج والحفاظ على صحته، لنراجع حالة التحديث الكبرى فى المنظومة الصحية.
وتوفر له تعليمًا مناسبًا وعصريًا، لا بد أن نتوقف أمام مشروع تطوير التعليم الذى رغم محاولات تعويقه فإنه ماضٍ فى طريقه.
هذه الصيغة التشاركية فى العمل والإنتاج وتشكيل صورة الدولة النهائية كانت السر وراء الشكر الذى لا يتوقف والذى يوجهه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كل مناسبة إلى المواطن المصرى، الذى لولا وقوفه إلى جوار دولته ما وصلنا إلى ما وصلنا إليه، وفى هذا اعتراف كامل بأننا أصبحنا فى دولة جديدة، لا يصادر فيها الرئيس كل ما يحدث وينسبه لنفسه، بل يضع المواطن فى المكان الذى يستحقه، بل ويعترف له بالفضل أيضًا.
الملمح الثانى من ملامح الدولة الجديدة والتى تؤهلنا إلى دخول الجمهورية الثانية هو ملمح الحلول الجذرية للمشكلات المزمنة والمقيمة.
فى دولة يوليو التى امتدت منذ ١٩٥٤ كانت الدولة تقدم مسكنات فقط، فلا تتعامل مع مشكلاتها بهدف إنهائها والقضاء عليها، ولكنها كانت تكتفى بترحيل المشكلات، دون أن يكون هناك أفق واضح لحلها.
فاستمرت معنا مشكلة الزحام الذى كانت له تبعات نفسية واجتماعية ربما بأكثر مما كانت له تبعات اقتصادية.
وتضخمت مشكلة العشوائيات التى تحولت إلى خطر مقيم، ليس على من يعيشون فيها فقط، ولكن على من يمرون بجوارها.
أصبحت الطرق والسكة الحديد فى ذمة الله، تنتظر من يكتب شهادة وفاتها.
وتحول التعليم إلى تركة ثقيلة لا يستطيع أحد أن يحملها أو يتحمل مسئوليتها.
وأصبحت الخدمات الصحية فى أدنى مستوياتها.
وزاد الفقر إلى الدرجة التى تدفع الناس إلى الكفر، أو على الأقل التفكير فى الهجرة، لأن أرض الله واسعة، ولم يقل المصريون ذلك إلا لأن أرضهم ضاقت بهم للدرجة التى خنقت أنفاسهم وكسرت ضلوعهم.
هذا غير الانهيار الأخلاقى والسلوكى الذى أصبح متمكنًا من الجميع، بعد أن تركت الدولة مواطنيها يسعون فى الأرض، دون أن تسأل كل مواطن من أين له هذا؟
قررت «دولة يونيو» ألا ترحّل المشكلات، فالمواجهة هى الأفضل، ولذلك نرى حركة العمل التى لا تتوقف للتعامل مع كل مشكلاتنا على الأرض، دون تأجيل أو هروب من المواجهة، وهو الإجراء الذى يجعلنا نسمع عن ميزانيات هائلة، دفعتنا إلى أن نصيغ السؤال الأزلى: أين تذهب كل الأموال التى تتوفر لنا؟ بصورة معبرة عما يحدث على الأرض فأصبح دون فذلكة من أحد: من أين تأتى كل هذه الأموال التى نسمع عنها وتضخ فى المشروعات القائمة آناء الليل وأطراف النهار؟
الملمح الثالث للجمهورية الجديدة هو العمل فى كل المجالات فى الوقت نفسه، ولعل الذين كانوا يسألون عن ترتيب أولويات الدولة المصرية يستطيعون الآن أن يدركوا أن كل شىء كان أولوية، وأن الدولة لم تهمل قطاعًا واحدًا من قطاعاتها، لأنها اعتبرت الدولة جسدًا واحدًا، ولا بد أن يخضع للجراحة العاجلة التى ينتظرها ويستحقها، فالعلاج الجزئى لن يكون مجديًا مع جسد قرر صاحبه أن ينهض وبشكل كامل بعد عقود طويلة من الركود.
بعد ثمانى سنوات من حقنا أن نقول إن ثورة ٣٠ يونيو كانت بداية المشوار لهذه الدولة الجديدة، فلم يكن العبور إلى الجمهورية الثانية ممكنًا، إلا بقرار شعبى ينحاز إليه الجيش المصرى العظيم لتحرير إرادة مصر وإطلاقها من الأسر، وجعلها ملكًا لكل أبنائها لا لحزب ولا لجماعة.
عظمة ٣٠ يونيو أنها ثورة يملكها الشعب المصرى، ويقف الجيش أمينًا عليها وحارسًا لها، ولولا عناية الله بنا لكنّا لا نزال نعانى ونتخبط ونسير فى طريق مظلم.