فى انتظار الإشارة الأمريكية
ليست هذه هى المرة الأولى التى يلتقى فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى وفدًا من المسئولين الأمريكيين، فقد سبق لقاء وفد مجلس النواب الأمريكى الذى زار القاهرة مؤخرًا الكثير من اللقاءات. وبذلك باتت القاهرة قِبلة لكل المسئولين الدوليين، على رأسهم الأمريكان؛ من أجل أن يتناقشوا مع الرئيس السيسى فى أزمة المنطقة والحرب الإسرائيلية، وكيفية الوصول إلى حلول تعيد إلى المنطقة استقرارها بدلًا من هذه الفوضى التى تقودها إسرائيل من خلال هذه الحرب البشعة التى استمرت لمدة عام حتى الآن.
اللقاءات الأمريكية تتفهم جيدًا الرؤية المصرية الثابتة والواضحة. وهى ضرورة وقف الحرب الإسرائيلية وإدخال ونفاذ المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وضرورة تفعيل الشرعية الدولية، المتمثلة فى حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية. هذا الموقف المصرى لا يتغير ولا يتبدل فهو موقف ثابت ومهم جدًا.
والحقيقة أن الموقف الأمريكى يتفهم هذه الرؤية تمامًا، سواء البيت الأبيض أو الكونجرس الأمريكى أو حتى الرئيس الأمريكى نفسه. وبالتالى فإن كل هذه الأمور واضحة وظاهرة لدى الإدارة الأمريكية وتعلم جيدًا أن الرؤية المصرية هى الأمثل والحل الصحيح لعودة الهدوء والاستقرار إلى المنطقة. لكن هل تنفذ الولايات المتحدة من هذا شيئًا؟. الحقيقة، كما قلت مرارًا وتكرارًا، أن أمريكا لا تنفذ ولكنها تتعامل بخطابين؛ الأول علنى وظاهر وهو أنها مع عودة الاستقرار والهدوء إلى المنطقة، والآخر فى الخفاء وهو دعم إسرائيل عسكريًا وماديًا وكل ما تحتاجه فى سبيل الاستمرار فى هذه الحرب. هناك تناقض بين الموقفين الأمريكيين، واحد فى العلن لا يسمن ولا يغنى من جوع، والثانى فى الخفاء بدعم الاحتلال فيما يقوم به من مجازر. وتلك هى الكارثة.
وقلت مرارًا قبل ذلك أيضًا إن الولايات المتحدة لو أرادت وقف هذه الحرب لأوقفتها بجرة قلم أو بإشارة واحدة، لكنها لا تريد!. هى اتخذت إسرائيل بديلًا عن الجماعات الإرهابية، لتنفيذ كل مخططاتها التآمرية ضد المنطقة العربية، ولتحقق لها هدفًا فشلت فيه الجماعات الإرهابية منذ عام ٢٠١١ وحتى الآن. وهذا ما تحدثت عنه خلال اليومين الماضيين. وبالتالى فإن الزيارات المتكررة للمسئولين الأمريكيين إلى القاهرة باتت مهمة جدًا. وكان الله فى عون الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى لا يمل ولا يكل من الإعلان عن الموقف المصرى الثابت من هذه الحرب، وهو ضرورة وقف إطلاق النار فى التو والحال، سواء فى غزة أو فى لبنان، وكذلك ضرورة إنفاذ كل المساعدات الإنسانية إلى الشعب الفلسطينى الشقيق.
لقد استمع مؤخرًا وفد مجلس النواب الأمريكى إلى رؤية الرئيس السيسى فى أهمية عودة الأمن والسلام إلى المنطقة بشكل فورى وسريع، وهو ما يلح عليه دائمًا الرئيس فى كل خطاباته وفى كل لقاءاته مع وفود دول العالم، ويطالب بها المجتمع الدولى. وهذا يتطلب بالضرورة، كما حدد الرئيس، إرادة سياسية من جميع الأطراف لاتخاذ هذا الموقف السريع والحاسم لعدم وقوع المنطقة فى حرب إقليمية لا تحمد عقباها. وبالتالى هذه الرؤية المصرية هى الملاذ الأخير وطوق النجاة الحقيقى للأمن والسلام الدوليين.
الغريب فى الأمر أن الولايات المتحدة تعلم ذلك جيدًا، ولا تنكر الموقف المصرى فى هذا الشأن، لكن الأغرب من ذلك أنها لا تنفذ شيئًا على الأرض على الإطلاق، وتؤيد وتساعد إسرائيل فى كل جرائمها التى تحدث، سواء فى غزة أو فى لبنان. ولا تفسير لهذا الأمر إلا ما قلته آنفًا، وهو أن أمريكا اتخذت من إسرائيل بديلًا للجماعات الإرهابية لتحقيق أهدافها فى إعادة تقسيم المنطقة من جديد. فهل هناك حل لهذا الموقف العجيب والغريب؟. أعتقد أن الأمر بات يحتاج إلى إرادة سياسية قوية من جميع الأطراف الدولية كما قال الرئيس السيسى فى هذا الشأن، للضغط أولًا على الولايات المتحدة، ثم ثانيًا على إسرائيل لوقف هذه الحرب التى طال أمدها بشكل غير مسبوق، مما يهدد بحرب إقليمية شاملة.