الرابح والخاسر فى الحرب
مضى أكثر من عام على اندلاع القتال بين حماس وإسرائيل، ومع أن الحرب لم تضع أوزارها بعد، ولكن هناك شواهد كثيرة تَشِى بنتائج تلك الحرب.
كان أهم أهداف حركة حماس من العملية التى شنتها ضد إسرائيل يوم 7 أكتوبر 2023 هو تحريك الملف الفلسطينى الذى تم نسيانه، وأصبح يقترب من التجميد طوال السنوات الأخيرة، حيث بدا وكأن الإعلام الغربى قد بدأ يتجاهل القضية الفلسطينية، ولم يعد أحد يرغب فى الحديث عنها. كان الوضع على الأرض كما ظهر من خلال الإعلام الغربى، أنه خلال الأعوام السابقة كان يميل بشدة لصالح إسرائيل، والتى بدأت بالفعل بالتحرك نحو زيادة بناء المستوطنات، التى تضم المزيد من الأراضى فى الضفة الغربية، وقد أحكم الحصار حول قطاع غزة، التى تحولت إلى سجن كبير فى الهواء الطلق لأكثر من 2 مليون مواطن فلسطينى.
لذلك فإن قيادة حماس اعتقدت أنه من المهم تحريك الموقف بعملية جريئة، ووقف هذا التجاهل البطىء للقضية الفلسطينية، من خلال القيام بعملية كبيرة تلفت أنظار العالم، وهو ما تم تنفيذه بكل دقة يوم 7 أكتوبر 2023. وهو نفس المنطق الذى تبناه الرئيس السادات قبل خمسين عامًا، عندما شن هجومًا على إسرائيل فى نفس اليوم، وكانت تعليماته لقواده العسكريين بالعبور شرق القناة مسافة تكفى لتحريك القضية، والبدء فى العملية السياسية السلمية، وقد حقق الرئيس السادات خطته بكل اقتدار، ونفذ بكل دقة ما خطط له. ويقول إن الهدف الأول والأساسى هو إجبار إسرائيل بشكل أساسى وإجبار العالم على إعادة النظر فى مشكلة الشرق الوسط، بغض النظر عن مدى وحشية وخطورة العملية التى تستلزم ذلك.
قامت حماس بتنفيذ خطتها انطلاقًا من غزة تجاه العمق الاسرائيلى، أدى ذلك إلى سقوط عدد من القتلى من الجنود الإسرائيليين، نحو 1200 جندى وضابط قُتلوا منذ بداية الحرب، بينهم 330 بالمعارك البرية فى قطاع غزة. بين قتيل وجريح، بينما وصل عدد المحتجزين رهائن إسرائيل فى غزة إلى 251، وعدد الرهائن الأحياء فى غزة: 66، بمن فى ذلك 2 من قبل 7 أكتوبر. بينما عدد الأسرى فى غزة الذين يُعتقد أنهم ماتوا: 35، بمن فى ذلك 2 من قبل 7 أكتوبر.
وبعد مضى أكثر من عام لا تزال معضلة الأسرى الذين احتجزتهم حماس يوم السابع من أكتوبر الماضى عُقدة العقد، خصوصًا بعدما أعلن الجيش الإسرائيلى، صباح 15 أكتوبر 2024، عن العثور فى قطاع غزة على جثث 6 من الأسرى خلال عملية نفذها بالاشتراك مع الاستخبارات الداخلية.
وتأتى هذه الأرقام فى وقت تُتهم فيه تل أبيب بأنها تتكتم على الحصيلة الحقيقية لقتلاها وجرحاها ومعظم خسائرها فى قطاع غزة، بينما قال مسئولون إسرائيليون فى أكثر من مناسبة، إن الجيش يدفع «أثمانًا باهظة» فى معاركه داخل القطاع، ويخوض «قتالًا شرسًا» مع مقاتلين فلسطينيين.
ويرى خبراء آخرون أن حماس أرادت استغلال الوقت الحرج الذى يمر به المجتمع الإسرائيلى من انقسام شديد بسبب حكومة بنيامين نتنياهو الأكثر يمينية ومحاولاتها للسيطرة على المحكمة العليا فى البلاد وهو ما أثار غضبًا شديدًا.
من ناحية القضية الفلسطينية، التى تقاتل حماس من أجلها، فهى لن تتحرك عن موضعها قيد أنملة، وربما نسى مقاتلو حماس وحزب الله، أن الإعلام الغربى نجح فى إقناع معظم دول أوروبا بوضع هاتين المنظمتين، حماس وحزب الله ضمن المنظمات الإرهابية والخطيرة فى قوائم الإرهاب الدولى الذى ينفر منه العالم الغربى، الفلسطينيون الذين قتلوا فى غزة: أكثر من 41 ألفًا، بينما عدد الجرحى فى غزة أكثر من 96 ألفًا.
وبخلاف من قتل فى حرب حماس وإسرائيل، ابتداء من اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسى لحركة حماس ورئيس الوزراء الفلسطينى الأسبق فى العاصمة الإيرانية طهران فى يوليو الماضى، وفى الأيام الماضية فى 17 أكتوبر اغتيل يحيى السنوار. رئيس المكتب السياسى لحركة حماس الذى خلف الشهيد إسماعيل هنية.
ومن ناحية أخرى بعد أن قامت إسرائيل بتسوية كل قطاع غزة بالأرض، ودمرت البنية التحتية والضرورية لحياة أهل القطاع، وقضت على معظم قيادات حماس، فإنها اتجهت إلى شريك المقاومة لحماس، حزب الله اللبنانى وبدأت حربًا دمرت فى البداية كل خطوط اتصالاته عن طريق تفخيخ أجهزة الاتصالات، وانفجارها فى مستخدميها، وبذات عملية اغتيالات لقادة حزب الله انتهت باغتيال حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله وكل فريق الأمانة العامة المصاحبين له.
إنها حرب خسر فيها الكل، ولا يوجد فيها منتصر مهما ادعى أحد الأطراف، إنها الحرب التى خسر فيها كل أطرافها، لا غالب فيها ولا مغلوب، تضيف همومًا معيشية أخرى لبعض أبناء العرب فى غزة ولبنان وبعض الدول التى تضررت من الحرب بطريقة غير مباشرة مثل مصر والأردن.
إنها حرب عبثية تضاف إلى حروب العرب العبثية التى خاضوها دون طائل، ونبذوا كلمة السلام واحتقروها، واغتالوا بعنادهم أول زعيم عربى ينادى بها.