علاج وهمي.. «الدستور» تحقق في خطورة علاج السرطان بالأعشاب
في ديسمبر من العام 2017، أطلقت جامعة بيل الأمريكية دراسة علمية حول الأمراض المزمنة عكف عليها باحثون بالجامعة لمدة 9 سنوات، خلصت إلى أن اعتماد مرضى السرطان على الطب البديل كعلاج للمرض، يزيد معدلات الإصابة بالتسمم أو الوفاه خلال 5 أعوام.
باحثوا "بيل"، حلّلوا سجلات عشر سنوات في قاعدة بيانات مرضى السرطان بأمريكا وعدد من الدول العربية، خلال الفترة من 2004 إلى 2013، وحددوا 281 مريضًا أصيبوا بأمراض سرطان الدم والمخ والثدي لكنهم قرروا التخلي عن العلاجات التقليدية لصالح الطرق البديلة.
في نهاية الدراسة، قام الباحثون بمقارنة معدلات البقاء على الحياه بين المرضي المعتمدون على العلاج بالطب البديل، و560 مريضًا اختاروا تلقي العلاج الكيميائي أو الإشعاعيّ، فكانت نسبة الفئة الأولى بأنهم يموتون في غضون خمس سنوات أعلى بمرتين ونصف عن الفئة الثانية.
تلا دراسة جامعة "بيل"، تحذير من المركز القومي للسموم المصري، بشأن علاج الأمراض المزمنة باستخدام الأعشاب، أكد أن جميع الأدوية الكيميائية تدخل الأعشاب في تصنيعها معمليًا كمادة خام، ويتم تخفيفيها مع بعض العقاقير لكن استخدمها كمادة خام يرفع من احتمالية إصابة المريض بالتسمم.
ورغم التحذيرات، فهناك أطباء في مصر يداون مرضى الأورام باستخدام الأعشاب، من خلال كتابة خلطات عشبية لهم بالإتفاق مع بعض العطارين ومراكز الطب البديل؛ ما يؤدي إلى حدوث مضاعفات للمرضى قد تصل إلى حد التسمم، بسبب استخدام الأعشاب مع العلاج الكيماوي.
لم يعرف "عمرو"28 عامًا، منذ أن أصيب بورم في الغدة الليمفاوية عام 2015، أي شئ عن علاج مرض السرطان سوى الطرق التقليدية فقط وهي الكيماوي أو الإشعاعي، منذ عامين خضع لـ6 جلسات كيماوي قسمها على 12 جلسة لمدة 6 أشهر، نجح من خلال تلك الجلسات في هزيمة المرض.
لم يمر سوى 4 أشهر حتى عاد مجددًا: "رجع الألم تاني، بعد صراع لمدة سنتين، حسيت بيأس كبير وده اللي خلاني بدأت انجذب لفكرة العلاج بالطب البديل، فروحت لدكتور بيعالج بالحاجات دي بجانب الكيماوي".
بالفعل ذهب عمرو إلى طبيب في منطقة فيصل، التابعة لمحافظة الجيزة، بعدما أكد له أحد أصدقاؤه أنه واحد من أشهر الأطباء علاج السرطان في تلك المنطقة بعد إجراء عدد من الفحوصات والأشعة كتب الطبيب للشاب الخلطة المناسبة مع الاستمرار في العلاج الكيماوي:"كتبلي على مجموعة أعشاب طبية، زي الكوركومين والبزوليا والشاجا وخلاصة القطران، وبدأت فعلًا أخدها وانتظمت عليها لمدة شهرين، لكني اتفاجئت أن الورم بعد ما كان حميد أصبح خبيث وانتشر وحجمه زاد، وبدأت أتعب زيادة عن الأول، فروحت لدكتور تاني".
عمرو حين ذهب إلى طبيب آخر، حذره من خطورة تناول العلاج العشبي مع الكيماوي، وأن ذلك يزيد من نسبة الورم واحتمالية الوفاه، فكتب له علاج كيماوي جديد، طالبًا منه الامتناع عن تناول تلك الخلطة: "رجعت التزمت بالكيماوي لكن الأعشاب رجعتني لنقطة الصفر".
دراسة جامعة بيل، لم تكن الأولى التي تحذر من استخدام الأعشاب في علاج السرطان، فهناك دراسة للطبيبة "باولا خيمينيز" بمستشفى بأستورياس الجامعي المركزي في أسبانيا، صدرت في أغسطس الماضي، أكدت فيها على أهمية اتباع مرضى السرطان نظاما غذائيًا آمنا خلال فترة العلاج.
أوضحت الدراسة أن بعض الأغذية والأعشاب قد تتداخل مع أدوية العلاج الكيماوي أو مع أدوية أخرى تستخدم لعلاج الأعراض الجانبية، لكونها تحتوي على تركيزات عالية من مواد معينة، وقالت طبيبة الدراسة: "علينا أن نعي أن ليست كل النباتات صحية ولا تدخل كلها في تحضير العلاج ضد السرطان": "فهي تجعله في كثير من الأحيان أقل فعالية أو ربما أكثر سُمية، وخلصت الدراسة إلى تحديد بعض الأعشاب التي تمثل خطورة على مريض السرطان إذا تناولها على هيئة خلطات عشبية خلال فترة علاجه، وهي: "كستناء الحصان، عشبة القديس يوحنا، الجنسنج، زيت زهرة الأخدرية".
عام 2019، علم ماجد 23 عامًا، أنه مريض بورم في الكبد وتحديدًا في الفص الأيمن منه، وحتى منتصف العام السالف ذكره، كان ماجد يتبع العلاج الكيماوي المتعارف عليه، إلا أنه رغب في الشفاء السريع. يقول: "سعر الكيماوي غالي جدًا، فاضطريت الجأ إلى طريقة أسرع شفاءً وأقل تكلفة".
وبالفعل، حصل ماجد على خلطة كيماوية تم الإعلان عنها من قبل إحدى القنوات الفضائية، وابتاعها "أون لاين" بمبلغ 500 جنيه: "كانت مجموعة من الأعشاب البودرة، وغالب عليها حبة البركة، قلت دي شوية أعشاب ونباتات طبيعية مفيش منها ضرر لكني اتأذيت بسببها".
بعد أسبوعين من تناول ما يقرب من نصف الكمية، لم يحتمل الشاب تكملة تلك الخلطة، بسبب المضاعفات التي شعر بها بعد ذلك. يقول: "بدأت أعراض غريبة تظهر زي النسيان، وعدم التركيز، وازدواج في الرؤية وذبابة طائرة في العين، ومغص في المعدة وترجيع، وكان اشتباه في تسمم جالي ودي أول مرة تحصلي".
أوقف ماجد العلاج العشبي، وذهب إلى الطبيب مرة أخرى عائدًا إلى العلاج الكيماوي عقب كل تلك المضاعفات، فأكد له أن علاج مرض السرطان لا علاقة له بالأعشاب؛ لكونه مرض يصيب الخلايا ويجعلها تنقسم بطريقة مختلفة عن الانقسام الطبيعي للخلايا بحسب ما أكده له الطبيب.
لا يوجد إحصاء رسمي دقيق عن عدد مرضى السرطان في مصر تحديدًا، إلا أنه في عام 2019 أعلنت وزارة الصحة عن أن نسبة الإصابة بمرض السرطان في مصر تصل إلى 166.6 شخصًا في كلّ 100 ألف نسمة، متوقعة أن تزيد بنسبة 40% خلال السنوات القادمة.
ووفق للبيان فإن 75% من مرضى السرطان يعالجون على نفقة الدولة في مصر، بتكلفة تزيد عن 900 مليون جنيهًا لعلاج الأورام، ويحتل سرطان الكبد المرتبة الأولى فى نسب الإصابة بالسرطان 33.63%، يليه سرطان المثانة بنسبة 10.7 %، ثم سرطان الثدي بنسبة 32.4%.
لم يختلف ما سبق عما حدث مع رامي، 23 عامًا، والذي أصيب خلال عام 2016 أثناء دراسته بكلية الدراسة، بورم في جزع المخ، وسلك العلاج الكيماوي والإشعاعي لفترة قصيرة، إلا أن انتشار الورم وتضخمه أجبره للخضوع إلى أحد العمليات الجراحية. بحسب ما قصه شقيقه الأكبر "محمد".
أجرى رامي عملية استئصال جزء من الورم في جامعة الإسكندرية، وتناول بعدها جرعة علاج كيماوي وجلسات إشعاع عديدة على المخ، وظن أنه شفى تمامًا لعدم ظهور الورم في الأشعة، إلا أن الآلام لم تنته حتى اكتشف أن الورم لازال موجودًا.
لجأ رامي إلى طبيب يداوي بالأعشاب، كتب له مجموعة منها الأعشاب، لكن الأمر ازاداد سوءً، وتضخم الورم إلى الحد الذي أثر على عينيه وسمعه وحركته، وتبين من الكشف داخل مستشفى الإسكندرية الجامعي أن الخلطة كانت مجهولة، ولا يجوز علميًا تناول الطب البديل مع العلاج الكيماوي والإشعاعي.