الفريضة الغائبة.. كيف بشر الله المتقن في عمله؟
الإسلام احترم العمل، وفَضَّله مهما كان حقيرًا أو دنيئًا في أعينِ الناس على المسألة والاستجداء، والقرآن الكريم، والسنة النبوية رصدا العديد من الآيات القرآنية والأحاديث التي تدل على تقديس العمل ومكانته فقال رسول الله" إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه".
فبالعمل تتقدم وتنهض الأمم وينمو الاقتصاد، فالاقتصاد والمال يقوم على كافة الأعمال والمهن بما في ذلك الزراعة والصناعة. وإذا لم يصنع المسلمون تخلَّفوا عن ركب التقدُّم والتفوُّق، وظلوا تحت رهن وابتزاز الدول الصناعية.
وإن الدولة التي تستثمر طاقات شبابها وتوظفها في استغلال مقدراتها الزراعية والصناعية، هي دولةٌ تملك عزتها وحريتها وقرارها وأمنها واستقرارها.
وإن إتقان العمل يحول الإنسان إلى عبد رباني، حيث قال تعالى:{ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ، أي : كونوا حكماء فقهاء علماء، علم بلا فقه لا قيمة له ، فقه لا علم يحتويه مخل بالفقه، فالعالم الفقيه في مهنته يجب أن يظهر فقهه ومعرفته بأجلى صورها من أجل مزيد من الثواب.
"الدستور" تنشر خلال السطور القادمة بشرى الله للمتقن في عمله، الفريضة الغائبة.
وردت العديد من الأحاديث النبوية التي تبشر العبد الذي يخلص في عمله، وتحفز المسلم على الإتقان، وأن الذين يتقنون في أعمالهم لهم جزاء كبير عند الله، فالعمل عبادة عظيمة وتحظى بمكانة كبيرة عند الله.
فقد قال الله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون) وتعد هذه الآية حث من الله لعباده المؤمنين على إتقان العمل.
وقال رسول الله:" إنَّ اللهَ تعالى يحبُّ إذا عملَ أحدُكمْ عملًا أنْ يتقنَهُ"، وجاء شرح هذا الحديث:" يعني أن الله لا يحب أن نقوم بالعمل كيف ما كان وعلى أي صورة كانت، وإنما يحب أن يكون العمل على صورته المتقنة والحسنة والجميلة".
وجاء أيضا حديث النبي:" قال رسول -عليه الصّلاة والسّلام: (كُلُّكُم راعٍ وكُلُّكُم مسؤولٌ عن رعيتهِ)، فهذا يعد دليل واضح على أنّ إتقان العمل واجبٌ شرعيّ على كل مُوظفٍ وعامل مهما كانت وظيفتهُ، فلابد من مراعاة الله في ذلك.
جزاء المتقن في عمله
والذين يقومون باتقان العمل لهم الثواب الجزيل من الله تبارك وتعالى، وينالون التوفيق والنجاح المستمر، ويكونوا سبب في نجاح المجتمع، ويبعدهم الله عن الشهبات، وييسر لهم الأمور في جميع المسائل ويزيل عنهم العقبات التي تواجههم.
فهم الصحابة لقيمة العمل
ويذكر أن الصحابة رضوان الله عليهم، يحبون العمل، وأن المثال الأبرز الذي يبرهن على عمق تفهم الصحابة لقيمة العمل والمهنة وكسب الرزق من عرق الجبين ما يرويه لنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ : لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ لِي سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ: إِنِّي أَكْثَرُ الْأَنْصَارِ مَالًا، فَأَقْسِمُ لَكَ نِصْفَ مَالِي، وَأَيَّ زَوْجَتَيَّ هَوَيْتَ نَزَلْتُ لَكَ عَنْهَا، فَإِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: لَا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ هَلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: سُوقُ قَيْنُقَاعٍ، فَغَدَا إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَأَتَى بِأَقِطٍ وَسَمْنٍ، َقَالَ: ثُمَّ تَابَعَ الْغَدَ، فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ، وَعَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَزَوَّجْتَ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: " وَمَنْ؟ " قَالَ: امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: " وَكَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا؟ " قَالَ: زِنَةُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ " {رواه البخاري }.