الشيخ شلتوت: لايوجد دليل شرعي على نزول عيسى في آخر الزمان
من الأمور الغيبية التي يتحدث عنها الناس، وفي ظل ما يمر به العالم من انتشار الأوبئة والأمراض وظهور بعض علامات الساعة الصغرى، بدأ البعض يخوض في علامات الساعة الكبرى، ويردد أشياء عن سيدنا عيسى والدابة التي تكلم الناس في الأرض وغيرها من هلامات الساعة الكبرى.
الشيخ محمود شلتوت، شيخ الأزهر الأسبق، كان له بحث أوضح فيه منهجه عن علامات الساعة الكبرى وخاصة في نزول سيدنا عيسى عليه السلام، وكان بعنوان" رفع عيسى روحا لا جسدا، ولا عودة له آخر الزمان" وفقا لما رصدته موسوعة " المسكوت عنه من مقالات تجديد الخطاب الديني" للكاتب الدكتور عبد الباسط عبد الصمد، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، حيث بدأ البحث بعدد من الأسئلة حول نزوله عيسى السلام والتي جاءت كالتالي: هل ما يتداوله العلماء حول علامات الساعة يدخل في دائرة الظنيات أم من اليقينات التي هى في صلب الحقيقة؟ وهل نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان ثابت بالإجماع قديما وحديثًا؟ وما طبيعة التوفى في حق عيسى عليه السلام؟ وكيف عرض القرآن الكريم لنهاية عيسى مع قومه؟
وأجاب الشيخ شلتوت قائًلا: "عرض القرآن لعيسى عليه السلام فيما يتصل بنهاية شأنه مع قومه في ثلاث سورة.
1- آل عمران في قوله تعالى" فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله".
2- وفي سورة النساء في قوله تعالى:" وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم". إلى آخر الآيه" بل رفعه الله إليه".
3- في سورة المائد قوله تعالى:" وإذ قال الله يعيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمى إلهين للناس قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لى بحق" إلى قوله تعالى:" فلما توفيتني كنت انت الرقيب عليهم".
وتابع: هذه هى الآيات التى عرض القرآن فيها لنهاية شأن سيدنا عيسى عليه السلام مع قومه، ولأمه في الدنيا، وآية سورة المائدة تذكر لنا شأنا أخرويا يتعلق بعبادة قومه له ولأمه في الدنيا، وإنه كان شهيدًا عليهم مدة إقامته بينهم وأنه لا يعلم ما حدث منهم بعد أن توفاه الله.
وأوضح شلتوت أن كلمة " توفى " قد وردت في القرآن كثيرًا بمعنى الموت حتى صار هذا المعنى هو الغالب عليها المتبادر منها، ومن حق كلمة "توفيتني" في الآية تٌحمل على هذا المعنى المتبادر وهو الأمانة العادية التي يعرفها الناس ويدركها من اللفظ ومن السياق الناطقون بالضاد، وإذن الآية لو لم يتصل بها غيرها في تقرير نهاية عيسى مع قومه لما كان هناك مبرر للقول بأن عيسى حى لم يمت.
وأضاف لا سبيل إلى القول بأن الوفاة هنا مراد بها وفاة عيسى بعد نزوله من السماء على زعم من يرى أنه حى في السماء، وإنه سينزل منه آخر الزمان لأن الآية ظاهرة في تحديد علاقته بقومه هو، وليس بالقوم الذين يكونون آخر الزمان، وهم قوم محمد باتفاق لا قوم عيسى.
وأما تفسيره لما ورد في آية النساء فإنها تقول "بل رفعه الله إليه" وقد فسرها بعض المفسرين بل جمهورهم بالرفع إلى السماء، ويقولون أن الله ألقى على غيره شبهه ورفعه بجسده إلى السماء فهو حى فيها، وسينزل منها آخر الزمان فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويعتمدون في ذلك على الآتي:
أولًا: أن الروايات التي تفيد بأن نزول عيسى عليه السلام بعد الدجال، هى روايات مضطربة مختلفة في ألفاظها ومعانيها اختلافا لا مجال معه للجمع بينها، وقد نص على ذلك علماء الحديث.
ثانيًا: على حديث مروى عن أبي هريرة اقتصر فيه على الإخبار بنزول عيسى، وإذا صح الحديث فهو حديث آحاد، وقد أجمع العلماء على أن حديث الآحاد لا تفيد العقيدة ولا يصح الاعتماد عليها في شأن المغيبات.
ثالثًا: على ما جاء في حديث المعراج من أن محمدا صلى الله عليه وسلم حينما صعد إلى السماء وأخذ يستفتحها واحدة بعد واحدة فتفتح له ويدخل رأى عيسى عليه السلام هو وابن خالته يحى في السماء الثالثة، ويكفينا في توهين هذا المستند ما قرره كثير من شراح الحديث في شأن المعراج وفي شأن اجتماع محمد بالأنبياء وأنه كان اجتماعا روحيا لا جسمانيا".
وقال الشيخ شلتوت، والخلاصة من هذا البحث أن الله لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية مستند يصلح لتكوين عقيدة يطمئن إليها القلب بأن عيسى رٌفع بجسمه إلى السماء، وأنه حى إلى الآن فيها وأنه سينزل آخر الزمان إلى الأرض.
وأشار إلى أن كل ما تٌفيده الآيات الواردة في هذا الشأن هو وعد الله عيسى عليه السلام بأنه متوفيه أجله ورافعه إليه، وعاصمه من الذكرين كفروا، وأن هذا الوعد قد تحقق فلم يقتله أعداؤه ولم يصلبوه ولكن وفاه الله أجله ورفعه إليه.
وأوضح حكم من أنكر أن عيسى قد رفع بجسمه إلى السماء وأنه حى إلى الآن، وأنه سينزل آخر الزمان فإنه لا يكون بذلك منكرًا لما ثبت بدليل قطعى فلا يخرج عن إسلامه وإيمانه ، ولا ينبغى أن يحكم عليه بالرده بل هو مسلم مؤمن.
وتابع: قد تناولنا هذه الآيات بدراسة عمية واضحة، وتفيد بأنه ليس فيها دليل قاطع على أن عيسى رفع بجسمه إلى السماء بل هى على الرغم مما يراه بعض المفسرين ظاهرة بمجموعها في أن عيسى قد توفى لأجله، وفى النهاية أن نزول عيسى عليه السلام قد استقر فيه الخلاف قديما وحديثا.
وفي النهاية اختتم بحثه، بقوله:" أن نزول عيسى عليه السلام هى مسألة خلافية، وأن الآيات المتصلة بها ظاهرة في موته عليه السلام موتا عاديا، وأن الأحاديث الواردة فيها أحاديث آحاد لا تثبت عقيدة، ومع هذا تحتمل التأويل وأنه لا تكفير لمسلم بإنكار رفع المسيح أو نزوله.