«صاحب بالين ومش كداب».. «محمود» أخصائي تمريض نهارا وحكم ليلا
أحلام غير متناهية، إنجازات تلمع لها الأعين، تجارب فريدة من نوعها، محطات يتخطاها واحدة تلو الأخرى، كُل هذا يعود إلى محمود محسن عطية، صاحب الـ27 عامًا، الذي تواجد في الصفوف الأولى للأحلام الشبابية التي لا مثيل لها، واختار أن يجمع بين وظيفتين، لا يختلطان سويًا.
الإصرار كان سببًا رئيسيًا في نجاح الشاب العشريني، أحد قاطني مدينة المحلة الكبرى، حين استطاع أن يثبت قدميه في المجالات التي أحبها، واحدة داخل المستشفى التي يعمل بها صباحًا كأخصائي تمريض، والأخرى داخل ملاعب كرة القدم التي يذهب إليها دومًا للتحكيم في الدوري المصري والبطولات الرسمية.
رحلة "محسن" في تحكيم كرة القدم بدأت منذ عام 2012، وبالأخص في دوري الدرجة الرابعة، الذي تخطاه تدريجيًا ليصل إلى أول مباراة له هذا العام في الدوري الممتاز، وهي مباراة غزل المحلة وطلائع الجيش، التي كان أحد أفراد طاقم التحكيم بها، كأول تجربه له في هذه البطولة.
كان يعتاد الشاب على الذهاب إلى كلية التمريض بجامعة طنطا، بالتنسيق مع دراسته وعمله في مجال التحكيم، الذي طالما أحبه واختار أن يكون أحد العلامات المميزة به منذ الصغر، فقد توارث عشق كرة القدم من والده، الذي أعطى له وصفه خلال حديثه مع "الدستور"، قائلًا: "أبويا معجون كورة".
من هنا انطلقت رحلة "محسن" للمشاركة في البطولات المختلفة لكرة القدم، بدءً من دوري الدرجة الرابعة، وصولًا لتواجده كحكم أساسي في الدوري "الممتاز ب"، بعد أن نجح في اجتياز العديد من الاختبارات والدورات المتخصصة في مجال التحكيم، وشارك أيضًا في بطولات عامة مثل كأس مصر، ونهائيات بطولات الناشئين، والبطولات الأخرى التابعة لوزارة الشباب والرياضة.
تخرج في كلية التمريض عام 2017، وتسلم جواب تعيينه كأخصائي تمريض في العناية المركزة داخل مستشفى الكبد بالمحلة عام 2019، ليجد نفسه مازجًا بين حلمين، كُل منهم يمثل دورًا أساسيًا في حياته، يسعى للنجاح فيهما سويًا، وتحقيق أعلى المناصب، أو كما ذكر في حديثه: "طموحي أبقى رقم واحد دايمًا في المكان اللي أنا فيه".
تحدث أيضًا عن عمله الأساسي في مجال التمريض، مشيرًا إلى الخبرات التي يسعى دومًا لاكتسابها من خلال التطلع إلى أحدث الدورات والمحاضرات الطبية الخاصة بالتمريض، من خلال تصفح مواقع التواصل الاجتماعي المتخصصة في هذا الشأن، ليكون على دراية كاملة بأحدث التطورات، ويستطيع مواكبة العمل بجدية تامة، فهو يعلم جيدًا مدى أهمية وظيفته في قطاع الصحة.
وبالعودة إلى الخلف قليلًا، تذكر "محسن" أسعد ذكرياته في مجال التحكيم، حين التحق بأول معسكر تدريبي له في أسوان، برفقة كبار القادة في المجال، على رأسهم الكابتن عصام عبد الفتاح، والذي اكتسب من خلالهم العديد من الخبرات للوصول إلى ما هو عليه في يومنا هذا.
فاللحظة التي لم ينساها داخل المعسكر حين كانت تختار اللجنة المشرفة شخصين فقط من كل محافظة، للصعود إلى الدرجة التالية من الدوري، وكان "محسن" أحدهم في ذلك الوقت، بعد أن لاقى إشادات عدة من قبل المراقبين لطاقم الحكام في المباريات.
أما عن حلمه الأكبر، أشار إلى سيره على خطى من سبقوه في مجال تحكيم، وكانوا قدوة مشرفة لمصر، يحتذى بها الأجيال الجديدة التي تسعى للوصول إلى العالمية، معبرًا عن ذلك: "حلمي الوصول لكأس العالم"، مثل قدوته الكابتن جمال الغندور، وكابتن عصام عبد الفتاح، وكابتن جهاد جريشة.
لم تتوقف أحلام "محسن" عند كرة القدم فقط، فهو يشاركها أيضًا بأحلام أخرى في قطاع الصحة، ينوي من خلالها اكتساب خبرات واسعة على مدار السنوات القادمة، لتحقيق أعلى الأهداف والطموحات في التمريض، ليثبت عدم جدوى نظرية يتداولها الجميع دومًا: "صاحب بالين كداب".
فقد استطاع التوفيق بين الوظيفتين خلال السنوات السابقة، معتمدًا على القرارات الحكومية التي تسمح له بتقديم جواب للمستشفى في يوم المباراة التي سيعمل على تحكيمها، توضح الموعد والمكان، وعلى أساس ذلك يتجه إلى الملعب، بعد اعتماد جوابه بالشكل الرسمي، الذي يتضمن "خط سير بدون بدل سفر، ويتم تسجيله في جدول الحضور والانصراف، ثم يعمل على تبديل موعد عمله مع زملائه في القسم.
"أهم ماتش بالنسبالي هو أول ماتش بلعبه في بطولة جديدة عليا"، عبر الشاب عن الإحساس الذي ينبع من داخله، حين يخوض تجربة جديدة من نوعها، تضع قدميه على الطريق الصحيح، وتثبت له أن ما مضى لم يكن وهمًا، بل حافز جديد للتعلم واكتساب مهارات أخرى تجعله قابل للتطوير.
خلال حديثنا مع الشاب الطموح، خطر ببالنا سؤال عن موقف تعرض له داخل الملاعب، قد جعله يتغاضى عن مهنة التحكيم لمدة قليلة، واضطر أن يستغل خبراته في التمريض، وبالفعل سرد لنا واقعة شهدها خلال تحكيمه لمباراة في القسم الثالث، حين سقط لاعب على الأرض إذ فجأة، وفقد وعيه تمامًا، ليجد الشاب نفسه هو أول المقبلين عليه لتقديم الإسعافات الأولية لحين وصول الطبيب الخاص بالفريق، ثم قدوم الإسعاف لنقله إلى المستشفى، وكان الشعور الذي راوده خلال تلك اللحظة استثنائيًا، لم يغيب عن باله طوال الوقت.
اختتم "محسن" حديثه موجهًا الشكر إلى والده ووالدته، لمساندتهم له طوال الفترة الماضية، وتقديم الدعم النفسي طوال الوقت، آملين منه مواصلة التألق والنجاح، ولم ينسى حبيبته وخطيبته، التي تقف بجانبه وتسانده دومًا، كونها تعلم جيدًا مدى الضغط النفسي الذي يتعرض له خلال عمله في المستشفى بسبب أحداث أزمة فيروس كورونا، والاختلاط بضحايا الوباء خلال فترة العمل.