ماذا قال محمود تيمور عن عميد الأدب العربي طه حسين؟
تحل اليوم، الجمعة، الرابع من يونيو ذكرى ميلاد الكاتب الكبير محمود تيمور، أحد أهم الرواد في فن القصة القصيرة، فماذا قال تيمور عن عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين؟
في مقال له بعنوان "طه حسين كما يراه محمود تيمور" نشر في مجلة "الأديب" بتاريخ 1 يونيو 1971، يقول محمود تيمور عن العميد: “(طه حسين) جدير بلقب العبقري لأن ما قدمه من إنتاج ضخم متنوع متشعب فيه إحاطة وشمول، يرفعه فوق مرتبة النبوغ. وهو- فيما أعتقد- يناظر بأدبه المنثور الشاعر شوقي فيما نظم. كلاهما له في كل مقام مقال، وفي كل ميدان جولات”.
وأضاف:"فأنت مع طه حسين تنتقل في رحلة طويلة، رحلة فكرية ثقافية إنسانية تنكشف لك فيها مجاهل، ويرتفع الستار عن أسرار، وبينما أنت تغوص معه إلى الأعماق، تراك تسمو إلى قمم وذروات، وفي كل ذلك تحس بخفق قلب، ورهافة حس، وإشراق روح. فهو حقا عبقري، هو في مجال البحث رائد، وهو في ميدان النقد معلم، وهو في البيئة الجامعية أستاذ أجيال، ثم هو المعرف بالأدب العالمي من قديمة اليوناني إلى حديثه الفرنسي، وفوق ذلك كله هو الفنان المبدع في قصصه، وفيما كتب من سيرته الذاتية. وأخيرا هو الروح الساري في حياتنا الفكرية على اختلاف مناحيها. ولولا أنه عبقري ما أتيح أن يكون هذا كله".
ويسأل تيمور نفسه: كيف كان التعارف بينك وبين الدكتور طه حسين؟.. ويجيب:"في شبابنا الباكر، ونحن نتتبع بشغف الحركة الأدبية العصرية وطلائعها الجديدة جذب انتباهنا اسم الدكتور طه حسين، حينما نال دكتوراه الجامعة المصرية القديمة، وسافر إلى فرنسا، حيث حصل على دكتوراه الآداب من هناك، وازداد تطلعنا إليه لما عاد إلى الوطن أستاذا في كلية الآداب، يوالينا بمقالاته النقدية، وكتبة الأدبية، وبحوثه المثيرة".
ومضى قائلًا:"عرفنا أننا بإزاء شخصية لها وزنها، بل لها خطرها، فلا عجب أن نتحين الفرص للقاء والتعارف، فكان أول تلاق بيننا في عشاء أقامته شعبة نادي القلم الدولي بالقاهرة، وكنا عضوين في الشعبية، وما أسرع أن قوي بيننا التعارف، ولا أنسی لقائي معه في مدينة لیدن لحضور مؤتمر المستشرقين، نزلنا في فندق واحد، وناقشني في محاضرة لي في المؤتمر، وذلك منذ أربعين سنة".
ووواصل:"والحادث الذي أثر في نفسي أعمق تأثیر أنه وهو وزير للمعارف مشغول بمهامه الجسام، وقد انتخبت لعضوية المجمع اللغوي، تفضل فتولى هو تقديمي إلى المجمع في حفل الاستقبال، وفي سمعي صوته الرنان الكريم. ونحن الآن في المجمع وفي غير المجمع نتلاقى، وملء قلبي شعور الولاء لعميد الأدب، ورائد الفكر، وامام الجيل، امتع الله ببقائه، واسبغ عليه العافية".
يعاود محمود تيمور سؤال نفسه: ما رأيك في الخصومة بين الدكتور طه حسين والمرحوم الأستاذ العقاد؟ وأيهما تناصر؟.. ويجيب تيمور نفسه فيقول: "الواقع أن الدكتور طه حسين يعرف للمرحوم الأستاذ العقاد قدره، ويزين أثره في الأدب المعاصر، وما تسمونه خصومة بينهما إنما هو حركة طبيعية لاختلاف وجهات النظر، ومنازع الرأي، وفي مثل هذه الحركة الطبيعية لا تكون المسألة مسالة انتصار لشخص دون شخص، ولكن المسالة أن هناك قضايا أدبية وفكرية وفنية يدور فيها الجدل والنقاش حادا أو هینا، والأدب هو الرابح من ذلك النقد الواعي المستنير بين قلمين لكل منهما وزنه وخطره".
يذكر أن محمود تيمور أحد الرواد الأوائل لفن القصة العربية، وأحد القلائل الذين نهضوا بهذا الفن الذي شهد نضوجا مبكرا على يديه، واستطاع أن يقدم ألوانا مختلفة من القصص الواقعية والرومانسية والتاريخية والاجتماعية، كما برع في الرواية، وتأثَّر به عدد كبير من الأدباء والروائيين الذين أفادوا كثيرًا من ريادته الأدبية وإبداعاته القصصية؛ فساروا على دربه، ونسجوا على منواله.