طلال سيف: النثر لا يستحق الالتفات إليه مقابل جماليات السرد ورسوخه
شهدت الفترة الماضية، هجوما من قبل البعض على قصيدة نثر العامية، إذ لا يعتبرها البعض شعرًا، ومازال الكثير من مثقفي مصر، لا يؤمنون بها، ولا بأهم الشعراء الذين كتبوها أمثال الشاعر الراحل مجدي الجابري، والشاعر مسعود شومان، والشاعر محمد علي عزب، وغيرهم.
وفي هذا السياق ورغم أن الكلام في المطلق عن قصيدة النثر بشكل عام ودون أن يذكر تجربة بعينها قال في تصريحاته لـ «لدستور»: «نثر العامية فى مجمله لا يستحق الالتفات إليه، فى مقابل جماليات السرد ورسوخه، فالذي يحاول لضعفه وعدم موهبته أن يفرض علينا ذلك المنتج تحت مسمى الشعر، شأنه شأن ذلك الشخص الذي يحاول أن يوهمك بأن ما يسمى قصة الحذاء الساذجة لهيمنجواي قصة قصيرة جدا. فالنثر بهذيانه فى الشعر والقص والرواية والتشكيل وكل الفنون التي يدخلها الأدعياء و أهل الضعف والاستسهال، هذا مبتدى النثر وغايته «هلوسات لغوية وذهنية» تأكل نفسها بنفسها وعلى السرد السلام وبالفن المسرة"
- ادعاءات عن قدم النثر
وقال الروائي "هناك ادعاءات بالجملة أن النثر قديم قدم الشعر العربي بالتوازي التاريخي، ويحتمي البعض هربا من فراغ النثر، بالقول أن القرآن الكريم نثر محتميا بقدسية النص الإلهي، هذه الادعاءات وأصحابها لم يكلفوا أنفسهم البحث عن الفارق اللغوي والاصطلاحي والاجرائي بين النثر فى لسان العرب والصحاح وغيرهما، على أنه كلام غير مفهوم، فإذا ما تحدث أحد العرب بكلام متداخل غير واضح المعني مباشرة أو مجازا، قيل أنه نثر.
وتابع للنثر تعاريف متعددة عند العرب منها خلاف الكلام، وغيرها من التعاريف التي تفيد «عدم فهم ما يقال»، فى المقابل يأتي تعريف السرد على كونه تَقْدِمَةُ شيء إِلى شيء تأْتي به متَّسقاً بعضُه في أَثر بعض متتابعاً. سَرَد الحديث ونحوه يَسْرُدُه سَرْداً إِذا تابعه. وفلان يَسْرُد الحديث سرداً إِذا كان جَيِّد السياق له. فالقرآن سرد والحديث سرد. وهكذا قال علماء اللغة على مر التاريخ. لذا ليس هناك قبول لذلك الادعاء بالقول أن النثر شعرا، وإلا اعتبرنا الهلوسات اللونية فى الفن التشكيلي فنا تجريديا عبقريا. فالبعض يحاول ايهامك بأن جمله غير المفهومة كقوله مثلا: "شمس الليل الأيقونية\ تقف على حدود كينونة العدم الوجودي \ عند حافة ذراع صرصور قتيل" ولم يكلف نفسه عناء البحث عن معنى المجاز الذي صرف النص عن معناه المباشر إلى معنى مرجوح بقرينه".
- استسهال لمهنة الكتابة
و أضاف "سيف" في تصريحاته "أي أن المجاز يعطي فهما تاما فى الذهن، لذا أستغرب جدا ممن يستسهل مهنة الكتابة فينتج عبثا من الكلمات الرأسية المنسقة والمخرجة بعناية ويسميها ديوانا كي يحصل على لقب شاعر، على هؤلاء البحث فى مهن أخرى تليق بقدراتهم التي انتهكت قدسية اللغة بعيدا عن الشعر، وهناك نصوص سردية، ولا أقول نثرية، نقف عندها احتراما لقيمة المنتج الأدبي المقدم بالخطأ على كونه شعرا، فتلك النصوص جيدة جدا وتقدم فنا راقيا.
- النثر مثل سندوتشات "التيك أواي"
واستطرد لكن يظل التساؤل المهم: ما الذي يعطى أي فن شهادة ميلاده واستمراره؟ فالحوار الجيد فى المسرح والأحداث فى الرواية والغنائية والصور الذهنية والإيقاع فى الشعر والفكرة واللون والظل والضوء فى التشكيل والدراما فى السيناريو. وهكذا فى كل الفنون. لكل فن معطيات ميلاد واستمرار. ما الذي يجعل تلك النصوص المسماه بالنثر تولد وتستمر؟ ما يقال عنه نثرا، تماما مثل سندوتشات "التيك أواي"، وجبة سريعة منسية، مثله مثل الكحول يتبخر بعد سماع النص أو قراءته بدقائق معدودات، وكُتاب ما يسمى بالنثر يكتبون لأنفسهم ويقرؤون لأنفسهم أيضا، لعدم وجود جمهور لهم إلا فى مخيلتهم فقط. فما زال الناس البسطاء يتغنون ويضربون الأمثال بأشعار "ابن عروس" التى مر عليها قرون، و أيضا يتغنون بكلمات "الأبنودي" و"سيد حجاب"، لكني لم أسمع يوما عن أحد الباعة الجائلين أو موظف فى وسيلة مواصلات يذكر نصوصا لـ "أدونيس" أو "الماغوط"، شأن الرحبانية مثلا أو سعيد عقل".