«طاقة نور».. لماذا ابتهج الجميع بفوز المنسي قنديل بجائزة الدولة التقديرية؟
كتب الروائي أسامة علام على صفحته الخصية مقالا مطولا كان محور الإجابة فيه عن سؤال"لماذا فرح الناس بفوز محمد المنسي قنديل" بجائزة الدولة التقديرية في الآداب، معددًا الأسباب التي جعلت الكل يسعدون لقنديل قائلاً:
1- ابن الناس الطيبين الذى أصبح طبيبا
لا يمكن تقديم شخصية المنسى قنديل بعيدا عن كونه ابن رجل غزال. أخو البنات الذى تربى فى بيت يقتات قوت يومه من حرفة الغزل. ولد فى بيت حرفته الفن بالمحلة الكبرى. رأى اللوحات تتكون بصبر وصمت فوق نول عمى المنسى الكبير، وككل أبناء الطيبين من جيله حلم حلم العائلة. أن يصبح الدكتور محمد.
لم تتركه حرفة الغزل التى ورثها حتى ولو لم يمتهنها. وبدلا من أن يغزل لوحات على النول. غزل حكاياتنا وحكايات جيله. لم يفتح عيادة أبدا ولم يعالج مرضاه سوى سنوات قليلة فى الأرياف وعيادات التأمين الصحى. لتغلبه وراثة الفن وتطير أجنحته الى عالم الصحافة. وتبقى فى ذاكرته دائما كل التفاصيل الدقيقة لعالم طفولته الذى يشبه عوالم طفولة من فرحوا له اليوم كل هذا الفرح.
2- الصداقة التى حلمت بتغير العالم
تخيلوا.. أنه فى يوم ما كان للمنسى الشاب أصدقاء حرفتهم الأهم فى الحياة هى الحلم. محمد المخزنجى وجار النبى الحلو و سعيد الكفراوى وفريد أبو سعدة وجابر عصفور. هؤلاء الشباب الذين لم يحلموا بالنجومية أو الجوائز. بلا نفسنة أو تهليل أو محاولات للتفرد. لم يكن لشلة المحلة أو لطب المنصورة جمهور سوى أنفسهم وقدرتهم اللامحدوة على محاولة تسجيل واقعهم وفهمه. بلا أحلام البيست سيلير أو الشهرة اللعينة. ببساطة كتبوا كثيرا وفرحوا بما كتبوه فصدقهم الناس الذين كتبوا عنهم.
3- الصحافة التى جعلت الأجنحة تحلق
تخيل أنك تعمل فى مؤسسة كمجلة العربى الكويتة فى مجدها. تسمح لك أن تسافر كل شهر بالتناوب مع زميل كالدكتور محمد المخزنجى الى بلد لم تزورها لتكتب عنها. أن تكتب وأنت تعلم مسبقا أن مقالك ورؤاك سيقرأها الملايين من المحيط الى الخليج. جعل ذلك قلم المنسى قنديل قريب جدا من ذاكرتنا الجمعية. بدون وعى منا وربما بدون وعى منه كروائى وقاص. ارتبطت طريقة كتابة المنسى قنديل فى أذهاننا بنستالجيا جمعية كلحن لا يمكن الامساك به أو تحديده. لكنه موجود طوال الوقت دون ادراكنا الظاهر له. أعطته الصحافة الثقة وأعطتنا نحن القراء الحنين لكتابته والتعود على عوالم مفرداته.
4- من منكم لا يعرف خلفان وفهمان
تحت اسم مقتضب محمد قنديل كتب الدكتور محمد المنسى شخصيات الرقيب خلفان ومساعده فهمان بمجلة ماجد الإمارتية التى تربينا عليها فى عصرها الذهبى لعشرات السنوات. قصص بوليسية حبكتها بسيطة ومدهشة. لعبة سيعتادها المنسى فى كتاباته كلها. ومرة أخرى أجيال كاملة ترتبط أكثر باللغة والمفردات وهذا الحكاء المتخفى وسط الكتابة للأطفال.
5- الرجل الحكيم القادر على الاندهاش
هذه واحدة من أهم ما يميز المنسى قنديل أنه قادر على الاندهاش من ود الآخرين. لن تشعر فى وجوده أبدا بأنه كاتب كبير. وهو لن يقدم نفسه أبدا بهذه الصيغة. قادر هو على أن يندهش من النصوص الشابة والاشادة بها. قادر على التعاطف كأب. ورغم ثقافته الموسوعية مازال قادر على الاندهاش. الحكى بفرح وخجل عن روايته الجديدة. أن يحكى لك عن فيلم أعجبه كما يحكى شاب لأسرته عن فيلم أعجبه فى السينما. ويبكى بلا تكلف وهو يقرأ نصوصه التى ألمه كتابتها.
6- تخيلوا لقد فاز بالجائزة وهو على قيد محبة القلوب
فرحت وفرح الناس بفوز المنسى قنديل بالجائزة لأنه فعلا يستحقها. لأننا نعلم كم هو مجتهد. وكيف أنه لم يحاول خداعنا. كتب للسينما أيس كريم فى جليم وكأنه حلم جيلنا بالحرية. كتب فى التاريخ بلا فزلكة أو تنظير أو محاولات استخدام موهبته وثقافته لخدمة ايدولجيا ما. كتب الروايات التى تمنينا أن نعيش تفاصيلها. وكتب القصص القصيرة دون أن يتهرب من فقره أو عنفه أو ألمه أو رغبته.
فوز محمد المنسى قنديل طاقة نور وأمل لكل هؤلاء الحالمين بطهر الكتابة وسحرها. جائزة مصرية مهمة. فوز لابن النساج الذى زينت أعماله بيوت الفقراء وزينت كتابه ابنه الطبيب عقول القراء. فوز لأب من أبائنا الذين نعرفهم ونحترم تجربتهم فى الحياة.