محمد عفيفي عقب فوزه بـ«التقديرية»: انتصار غير تقليدي لمشروع قدم تاريخ آخر لمصر
فاز المؤرخ محمد عفيفي، منذ قليل، بجائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية فرع التاريح، عن مجمل مشروعه العلمي في الكتابة التاريخية التي بدأها أستاذا للتاريخ بجامعة القاهرة قبل عقود.
محمد عفيفي، أستاذ ورئيس قسم التاريخ في كلية الآداب بجامعة القاهرة، والأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة، وصاحب الكتابات التاريخية التي كسرت سيطرة تابوهات الكتابة التاريخية، التي عاشت دهرا مع الوثيقة الرسمية، ليبدأ عفيفي طرح السينما كوثيقة تاريخية، والدراما، والرواية، والمسرح، لكن بأداوت تحليلية وقراءة جديدة أيضا.
عفيفي كان أول من أدخل مصادر التاريخ غير التقليدية على طلبة الدراسات العليا بالجامعة، وناقش قبل شهرين رسالة للماجستير لأحد الدارسين، تناولت مسرح الستينيات كوثيقة تاريخية، أصدر كتابا عن شبرا، مدينة المنشأ، وانطلق منها إلى رؤية القاهرة، ثم مصر، ثم منطقة البحر الأبيض المتوسط، والتحولات التي شهدتها في النصف الثاني من القرن العشرين، وكان شكلا من الكتابة التاريخية عزف عنه المؤرخون، رغم تواجده بقوة في العصور القديمة والوسطى، أن يكتب المؤرخ التاريخ انطلاقا من مدينته أو منطقته التي عاش فيها.
يرى عفيفي في تصريحات سابقة لـ"الدستور"، أن الكتابة التاريخية تغيرت في العقود الأخيرة عالميا، لم تعد مهمة المؤرخ أن يكتب لمجتمع مغلق من الأكاديميين، أصبحت هناك فكرة المؤرخ الذي يصل بالتاريخ للشارع، للمواطن العادي، ومن هنا حدث تطور كبير في الغرب؛ أن الكتاب الأكاديمي لم يعد الوسيلة الوحيدة لنقل التاريخ، أصبح هناك البرامج الإعلامية، الصحافة، حتى أن هناك مؤرخين تحولوا إلى إخراج الأفلام الوثائقية والتسجيلية، وذلك ساهم في التوسعة من دائرة الثقافة التاريخية.
في كتابه "نوافذ جديدة - تاريخ آخر لمصر"، هناك فصلان عن السينما كوثيقة تاريخية، وكمصدر لكتابة التاريخ، حقيقة والصراع على السينما؛ كيف أن الإدارة الملكية والإدارة الجمهورية في مصر تصارعا على إدارة السينما، لأنها أداة صنع وعي مثلها مثل الصحافة.
تلك الرؤية تشير بوضوح إلى تعدد الروايات التاريخية وهى مسألة تجعل الاعتماد على السينما كوثيقة تاريخية مسألة تشوبها خطورة.
تلك المسألة ينتبه لها عفيفي جيدا، ويوضح: "أعتمد عليها لكن بقراءة مختلفة، مثلا فيلم "رد قلبي"، أتعامل معه هنا كوثيقة على فكرة الصراع حول إدارة السينما بين الملكية والجمهورية، كيف أدركت الإدارة الجديدة أهمية السينما في صناعة الوعي، من هنا حدث الصراع على السينما. والتوجه إلى سيطرة الدولة على السينما بشكل مباشر من أجل صنع الوعي، وكيف تصنع السينما الوعي في شعب يمتلك نسبة أمية، ثم أحلل نص الفيلم، لكن في إطار ما سبق. وفي الحقيقة، حتى الأفلام الدعائية تعتبر مصدرا مهما جدا للمؤرخ، وعليه تحليله، مثلا فيلم "الكرنك"، أو ما نسميه ظاهرة "الكرنكة في السينما"، وأنه كان من إطار حملة للرئيس السادات من أجل تشويه عصر عبد الناصر، ذلك رغم وجود سلبيات بالفعل في ذلك عصر ناصر، بالضبط مثل التعامل مع رواية "عودة الوعي" لتوفيق عبد الحكيم كمصدر للتاريخ، هنا يعتبر الفيلم مصدر للمؤرخ مثل الكتاب".
من كتابات عفيفي التاريخية المهمة في ذلك الجانب كتابه "شبرا - اسكندرية صغيرة في القاهرة"، عن سبب اختياره لذلك الحي تحديدا يحكي عفيفي:"أولا: أنا من شبرا، ثانيا: الاختيار يعود إلى تقليد موجود لدى المؤرخين القدامي في العصور القديمة والإسلامية، أن المؤرخ يهتم أولا بمدينته أو منطقته، لذلك نجد في التاريخ الإسلامي، أو حتى الأوروبي، المؤرخين يكتبون تاريخ مدينة معينة، أو منطقة معينة، ثم تم التغاضي عن تلك الفكرة تحت زعم الأكاديمية. ثالثا: كنت أرغب في تنفيذ الفكرة التي يطلق عليها في الخارج التاريخ من أسفل، كيف أننى من نقطة انطلاق صغيرة أستطيع تنفيذ عمليات تتصاعد حتى أصل إلى قمة الأحداث، بالتالي كيف أدرس من خلال شبرا، تاريخ القاهرة بالكامل في القرن العشرين، وتاريخ مصر كله في نفس القرن، وتاريخ البحر المتوسط وتحولات تلك المنطقة في القرن العشرين".
يعتبر عفيفي كتابه عن شبرا مرثية؛ لأنه عندما ترى شبرا التي عاشت فيها داليدا، والتي سعى القمص سرجيوس للترشح فيها، وعاش فيها المخرج هنري بركات، والفنانة ماري منيب، والتي كتب عنها فتحي غانم روايته بنت من شبرا، وفيها أيضا القمص بولس باسيلي في السبعينيات، عضو مجلس الأمة في ذلك الوقت، عندما تراها تتحول إلى مركز أحد أتباع حركة حازمون، ثم نجد أن نائبها في البرلمان ممدوح إسماعيل الذي أذن في البرلمان، بالتأكيد سيكون الكتاب مرثية.
يعمل محمد عفيفي بالفعل على مشروع بدأ بدراسة أجراها عن الفيلم كمصدر للتاريخ، وكيف يتم تحليله كوثيقة، سبق وقدمها في "لجنة السينما"، بالمجلس الأعلى للثقافة قبل عام 2011، أيام المخرج التسجيلي هاشم النحاس، ونشرت تلك الندوات التي قدمتها اللجنة في كتاب، ثم أعاد نشرها في كتاب "تاريخ آخر لمصر"، ثم نشر دراسة ثانية حول الصراع على السينما في مصر، وكيف حاولت ثورة يوليو السيطرة على السينما، ثم دراسة ثالثة عن يوسف شاهين، ابن ثقافة البحر المتوسط، ونشرها في كتاب "تاريخ آخر لمصر". يوضح عفيفي أن الهدف كان تنفيذ كتاب عنوانه "السينما والتاريخ" على نسق كتاب لأستاذ كبير اسمه مارك فيرو، وهو مؤرخ فرنسي، وهو أول من وجه المؤرخين في فرنسا لدراسة السينما، وكيف أنها مصدر مهم للمؤرخين، وأصدر كتابا في تلك المنطقة.