طلاق «أون لاين».. حكايات من دفتر الانفصال الإلكتروني
في ليلة باردة، تليق بشتاء العام 2020، سمعت بسمة.س، عشرينية، أزيز هاتفها، استيقظت من نومها دون إفاقة، لتلقي نظرة سريعة على الهاتف بمجرد أن رأت رسالة من زوجها، اعتدلت لتقرأها بتمعن: «إنتِ طالق بالتلاتة».
لم تصدق بسمة ما قرأته من زوجها الذي سافر منذ عامين إلى السعودية بحثًا عن مصدر رزق، يضمن حياة كريمة لزوجته وأبنائه الاثنين، لاسيما أنه لم يكن هناك أي خلاف سابق بينهما، حاولت بسمة الاتصال به كثيرًا دون جدوى.
تقول: «علمت بعد فترة من أهله أنه تزوج بأخرى في السعودية وأنجب منها، ولم يعد بحاجة إليّ، وكل شهر يرسل لي نفقات الأبناء، مع تأكيد بأن بعثته تلك تحولت إلى هجرة دائمة ولن يعود مجددًا إلى مصر».
ما حدث مع بسمة تكرر مع آخريات، تم تطليقهن إلكترونيًا أي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهي حيلة يلجأ إليها الأزواج للتهرب قانونيًا من دفع النفقات لأن الطلاق لم يقع رسميًا وتم من خلال وسيلة إلكترونية وهو أمر عليه جدل قانوني وديني.
إلى هنا سارت الأمور مع بسمة، حتى انقطعت الأموال التي يرسلها طليقها إليها، وحين أرادت رفع قضية نفقة ضده وجدت عائق أنه طلقها إلكترونيًا: «طلبت منه أكثر من مرة تسوية أوراق الطلاق بشكل رسمي إلا أنه رفض».
ذهبت إلى محامي من أجل حل تلك الأزمة التي وقعت فيها، والذي أكد لها أنه لا غنى عن تسوية أوراق طلاق رسمية حتى تستطيع رفع قضية ضده: «لازالت إلى الآن أنفق بمفردي على ابنائي ولا أعرف هل وقع الطلاق أم لا».
ما يدلل على أن بسمة ليست حالة فريدة، الإحصاء الذي صدر في العام 2018 من مكاتب تسوية المنازعات بمحاكم الأسرة، فهناك 25% من حالات الطلاق التي تقع في مصر تكون إلكترونيًا عبر تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي وتطالب النساء بإثبات طلاقهن وحقوقهن.
وكشف الرصد أن نسبة %15 من الزوجات اللاتي أقمن دعاوى لإثبات الضرر الواقع عليهم، صرحن أن الأزواج بعد التطليق سواء هاتفيًا أو بواسطة الرسائل يرفضون الاعتراف بالواقعة تنكيلا بالزوجة وخشية من الحصول على حقوقها.
كما تم رصد 4560 دعوى خلال 2018 لجأن فيها السيدات لإثبات طلاقهن بتوجيه يمين حاسمة للزوج، وتراوحت النسبة الأكبر لأعمار الزوجات ما بين «22 - 35» لتشكل %90، ونسبة %10 استحوذت عليها السيدات ما بين «35 - 45» عامًا.
كما تم رصد عدد الزوجات اللآتى قمن بتحويل مسار دعواهن من إثبات طلاق بواسطة وسائل الإتصال الحديث لـ«طلاق للضرر» بمحاكم الأسرة، والتى وصلت لـ2400 دعوى بعد أن صرحن بكذب أزواجهن واستحالة الإثبات.
الأزمة نفسها تعرضت لها نوران. م، ثلاثينية، والتي طلقها زوجها بسبب خلافات عائلية عقب عشرة دامت 7 سنوات خلفت 3 أطفال في أعمار مختلفة، وآثر زوجها تطليقها من خلال رسالة نصية على هاتفها بدلًا من الطلاق الرسمي.
تقول: «لم أكن أعرف وقتها أن غرضه هو التهرب من دفع النفقة ولكن فوجئت بتلك الرسالة، وتوقعت أن يكون بعدها هناك اجراءات لتسوية الطلاق رسميًا، لكنه ظل يتهرب لمدة 6 أشهر ولازالت معلقة لا أعرف هل أنا مطلقة أم متزوجة».
توضح أنها حاولت اللجوء في المحاكم من خلال «اسكرين شوت» كدليل على وقوع الطلاق بينهما، إلا أن ذلك ليس دليل يعتد به لذلك لم تستطع الحصول على حقوقها: «القانون لا يعتد سوى بالأوراق الرسمية لذلك لم أخذ حقي من زوجي».
ويؤكد على ذلك المحامي رضا الدنبوقي، أن الطلاق في القانون المصري لا بد أن يقع وجهًا لوجه وأمام شهود ويتم توثيقه بأوراق رسمية بقرار من المحكمة حتى يعتد به ويحفظ للزوجة حقها في الحصول على النفقة.
ويوضح أن الطلاق عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا يعتد به في المحاكم وليس دليلًا على وقوعه بالفعل، فتجد النساء أنفسهن في موقع حرج لا هي مطلقة بالفعل فتحصل على حقوقها ولا هي لازالت متزوجة.
ويتسق ذلك مع تأكيد الدكتور عبدالحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتاوى السابق، الذي يوضح أن الطلاق كالزواج له أركان حتى يقع، منها إقرار الزوج بذلك الطلاق وليس من خلال رسائل على مواقع التواصل الاجتماعي.
يضيف: «إن لم يقر الزوج بذلك الطلاق فهو لا يعتد به، فلا بد من نطقه لفظَا ويكون واعيَا وليس في مرحلة اللاوعي أو الغضب أو الهذيان حتى يقع الطلاق شرعًا ويعتد به، إلى جانب ضرورة توثيقه أيضًا لحفظ حقوق الزوجة».
يذكر أن الفنانة هالة صدقي الجدل، آثارت الجدل بعدما نشرت صورة إنذارًا بالطاعة من زوجها سامح سامي، عبر حسابها الرسمي بموقع "انستجرام"، وعلقت عليها: «خبر سيئ لكل اللي تقدموا لي، فالزوج طلبني في بيت الطاعة، مع إنه الشهر اللي فات عمل فيديو وطلقني فيه، وصحيح هو في أمريكا وأنا في مصر فشكلها هتكون طاعة أون لاين».
وكان زوج الفنانة قام في وقت سابق ببث فيديو عبر موقع «فيس بوك» قام فيه بتطليق هالة صدقي والإعلان عن انفصاله عنها وسعيه لإنهاء أوراق الطلاق، عن طريق رفع محاميه لقضية فى المحاكم المصرية.
جميع أسماء النساء المستخدمة مستعارة بناء على طلبهن وحفاظًا على وضعهن الاجتماعي