سعد عبد الرحمن يروي حكاية عربان القاهرة.. وكيف كانوا يقطعون طريق المسافرين؟
من الحكايات المنسية في التاريخ وجمعها في كتابه المخطوط: "100 حكاية وحكاية من التاريخ"٬ يحكي الكاتب والشاعر سعد عبد الرحمن٬ عن "قاهر العربان" وكيف أنه في سنة 1174 هـ/ 1734 م تقلد إمارة الحج حسين بيك كشكش وخرج بركب الحجاج فوقف له العربان في أحد المضايق، وحضر إليه كبراؤهم يطلبون عوائدهم التي تعودوا تحصيلها كل سنة من أمير الحاج نظير تركهم الركب يسير في طريقه وعدم التعرض له لا في الذهاب ولا في الإياب، فأحضر الامير الشيخ خليل كاتب الصرة (الصرة أموال تتضمن مرتبات رجال المحمل وأميري مكة والمدينة وأشرافهما وعوائد مشايخ العربان وميزانية تشغيل التكيتين المصريتين بمكة والمدينة) وأحضر الصراف وأمره بتسليم العوائد إلى وفد شيوخ العربان فشرع الصراف في عد الدراهم المقررة لهم كعوائد وقبل ان يكمل العد انطلق مدفع الشيل (كان يضرب إيذانا بتحرك الركب) فاعتذر لهم الأمير عن عدم إمكان استكمال أمر تسليم العوائد وطلب منهم أن يصبروا إلى حين نزول الركب في المحطة القادمة بعد المضيق فيحصلوا على عوائدهم.
ويتابع الشاعر سعد عبد الرحمن: وسار ركب الحجاج فخرج من المضيق إلى مكان متسع وحينئذ رتب الأمير مماليكه وطوائفه وحين حضر وفد العربان لتسلم عوائدهم أمر رجاله فقبضوا عليهم وقتلوهم جميعا وفيهم نيف وعشرون كبيرا من مشايخ العربان، وانطلق المدفع مرة أخرى فسار الركب في طريقه، واضطربت قبائل العربان وراحت نساؤهم يصرخن ويولولن على المشايخ القتلى ويطلبن من الرجال الأخذ بالثأر، فتجمع العربان على الركب من كل جهة محاولين اعتراض قافلة الحجاج وإيقافها لنهبها وقتل كل من فيها ثأرا لقتلاهم، وكانوا يفعلون ذلك في المضايق لأنها أنسب الأماكن للنيل من ركب الحجاج، ولكن الأمير حسين بيك كشكش راح يتصدى لهم من أمام وخلف وظل يقاتلهم بمماليكه وطوائفه حتى وصل إلى مصر بركب الحجاج سالما ومعه رؤوس مشايخ العربان محمولة على الجمال، ودخل المدينة بالمحمل منصورا مؤيدا.
ويوضح الشاعر سعد عبد الرحمن: كان لبعض الأمراء من خشداشي حسين بيك كشكش (الخشداشية أي زملاؤه من المماليك الذين تربوا معه أو بالتعبير الحديث رفقاء السلاح من دفعته العسكرية) وغيرهم رأي آخر فيما فعله فقد لامه علي بيك بلوط على ما فعله قائلا له لقد أفسدت علينا العربان وخربت طريق الحاج ولن يستطيع احد منا العام المقبل الخروج بركب الحجاج فرد عليهم كشكش بيك أنهم إذا كانوا خايفين من العربان فإنه على استعداد أن يخرج هو بركب الحجاج وأنه كفؤ لهم.
وخرج بالفعل حسين بيك كشكش بالركب للعام الثاني على التوالي، ورغم أن العربان تجمعوا عليه ووقفوا له بكل طريق وعلى رؤوس الجبال ولكنه كان مستعدا لهم فلم يترك لهم فرصة للاقتراب من الركب وصمد في وجوههم وطاردهم من أمام الركب وخلفه وقتل منهم عددا كبيرا حتى شتت شملهم وشردهم، لم يكن مع كشكش بيك سوى ثلاثمائة مملوك خلاف من خرجوا معه من الطوائف والأجناد وعسكر المغاربة، وبالرغم من أن العربان كانوا متجمعين بأعداد كثيرة ولكنه لم يبال بكثرتهم رغم قلة من معه من المقاتلين بالقياس إلى أعداد العربان المهاجمة، وكان من الشجاعة بحيث كان يبرز إليهم بسيفه حاسر الرأس فلا يرجع إلى الركب حتى يولوا من أمامه الفرار، وما زال يوقع بهم الهزيمة بعد الهزيمة حتى ألقى في قلوبهم الرعب فهابوه و غدوا ينكمشون عن ملاقاته بعد أن فشلوا في مواجهته فشلا ذريعا.
كان من تأثير ذلك أن تراجع العربان عن مهاجمة ركب الحاج المصري خوفا ورهبة من الأمير حسين كشكش بيك الذي حج أربع سنوات أميرا لركب الحجاج آخرها كان سنة 1177 هـ فلم يتعرض له في ذهابه ولا في إيابه أحد من العربان.
كما أخاف كشكش بيك أيضا العربان الكائنين حوالي مصر (القاهرة) وكثيرا ما كانوا يقطعون الطريق على المسافرين والفلاحين ويسلبونهم ما يجدونه معهم من أشياء وأموال، فكان يخرج إليهم كل حين على حين غفلة فيوقع بهم ويقتلهم ويصادر مواشيهم ويرجع بما غنمه منهم ورؤوس من قتلهم في أشناف (الشنيف شبكة من حبال الليف تعبأ بما يراد نقله من أشياء) على الجمال، فارتدعوا وكفوا عن أفاعيلهم السيئة، وأصبحت بفضله السبل آمنة يسير الأفراد والقوافل بها في غاية الاطمئنان، وشاع ذكره بذلك.