«الدستور» تطرح السؤال الأصعب: هل جهود تجديد الخطاب الدينى كافية؟!
تجديد الخطاب الدينى كان أحد أهم الموضوعات التى دارت النقاشات حولها فى العقود الماضية، فى ظل ما تسبب به الخطاب الدينى القائم من مشكلات كثيرة، من بينها الجمود الفكرى والميل للتطرف والوقوف عائقًَا أمام مستقبل هذه الأمة وإحياء حضارتها.
وفى ظل الظروف التى عاشتها مصر والمنطقة كلها خلال العقد الأخير، أصبح تجديد الخطاب الدينى أولوية وضرورة لمواجهة تيارات التشدد والتطرف التى حاولت إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، والحياة وفقًا لقواعد تمت صياغتها منذ قرون طويلة، ما استدعى بذل جهود حثيثة للنجاة من فخ الجمود، الذى سيطر على الخطاب الدينى لعدة قرون.
وفى السطور التالية، ترصد «الدستور» جهود المؤسسات الدينية، على رأسها الأزهر الشريف ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف، من أجل تجديد الخطاب الدينى، استجابة لمتطلبات العصر، وبحثًا عن تجاوز معضلات الجمود والتطرف وتقديس التراث.
شيخ الأزهر: تقديس التراث أدى لجمود الفقه وعلينا قراءة التاريخ ببصيرة
«لم يكن تراث الأمة الإسلامية عائقًا لها عن التقدم والتألق، والأخذ بأسباب القوة والعزة والمَنَعَة، وكذلك لم تكن السنة النبوية المطهرة حجر عثرة فى طريق بناء مجتمع متماسك يتمتع أفراده بخيرات الدنيا والآخرة، وعلى المسلمين أن يقرأوا تاريخهم بعين بصيرة، وقلب سليم، ليتعلموا- من جديد- كيف يزاحمون شعوب العالم المتحضر، ويأخذون مكانهم بين صفوفها».
بهذا عبر الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، عن رؤيته فى مسألة تجديد الخطاب الدينى، مضيفًا: «إن دعوات تقديس التراث الفقهىّ، ومُساواته فى ذلك بالشريعة الإسلاميَّة تُؤدّيان إلى جُمود الفقه الإسلامى المعاصر، كما حدث بالفعل فى العصر الحديث». وتابع: «يتمسك البعض بالتقيُّد الحرفى بما وَرَدَ من فتاوى أو أحكام فقهيَّة قديمة كانت تُمثّلُ تجديدًا ومواكبةً لقضاياها فى عصرها الذى قيلَتْ فيه، لكنَّها لم تَعُدْ تُفيد كثيرًا ولا قليلًا فى مُشكلات اليوم، التى لا تُشابهُ نظيراتها الماضيةَ، اللهمَّ إلا فى مُجرَّد الاسم أو العنوان».
د. أسامة الأزهرى: نثمن جهود المؤسسات لكن تنقيح التراث يحتاج منهجًا
مستشار الرئيس للشئون الدينية: نثمن جهود المؤسسات لكن تنقيح التراث يحتاج معيارًا ومنهجًا
ثمّن الدكتور أسامة الأزهرى، مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية، ما وصلت إليه جهود المؤسسات الدينية فى مسـألة تجديد الفكر الدينى، قائلًا: «ما زال هناك فراغ، وملفات كثيرة ما زالت تحتاج إلى عمل كبير».
وأضاف: «هناك مستوى من التجديد يكاد يشبه عمل رجل الإطفاء، فكل يوم يخرج علينا تيار من التيارات المتطرفة بكارثة من الكوارث تحتاج إلى ملاحقة شديدة للرد والتفنيد، وأغلب الجهود المبذولة من المؤسسات إلى الآن فى هذا الطور».
وتابع: «بعد مرحلة ملاحقة الكوارث الفكرية التى تثيرها التيارات المتطرفة وتفنيدها يأتى مستوى آخر فى إعادة صناعة الفقه الملائم لهذا الزمن، والذى يملأ العقول مناعة من الفكر المتطرف، ثم يأتى المستوى الثالث، الذى لم يتم التطرق إليه، حتى الآن، وهو إعادة صناعة النموذج المعرفى للمسلمين وإعادة صناعة الطرح الدينى والفكرى والعقلى».
وأكد «الأزهرى» أن التجديد يأتى من الفهم الصحيح للقرآن الكريم والسنة المشرفة ولمقاصد الشريعة ولعلم القواعد الفقهية والتراث الواسع الشامل الذى يشمل الطب والفلك والتشريح وعلوم البحار وأدب الجغرافيا، لافتًا إلى أن كل هذا العطاء الواسع الذى استمر على مدى ألف سنة بُنى على نموذج معرفى محكم متقن، وعندما اختل النموذج أدى مباشرة إلى التراجع.
واستطرد: «نحتاج الآن إلى إعادة بناء المنهجية العلمية المنضبطة فى كل المجالات واحترام التفرقة بين المصادر، الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وبين منهجية الفهم والاستنباط، وبين المواهب والملكات التى يتمايز ويختلف بها الناس، فنحن نريد بناء العقلية الفارقة التى تفرق بين القطعى والظنى، والتى تفرق بين النص وتفسير النص، والمحكم والمتشابه، وبين الثابت والمتغير، وتدريب العقل على فهم الفوارق التى تبدو متشابهة أول الأمر».
وأوضح «الأزهرى» أن الجامع الأزهر الشريف هو أهم المؤسسات التى تقدم العلوم الشرعية فى العالم الإسلامى كله، كما أن جامعة القاهرة هى المنارة البارزة بين جامعات العالم العربى، ما يحملهما عبئًا كبيرًا فى مسألة تجديد الخطاب الدينى.
واستشهد مستشار الرئيس للشئون الدينية بقول الشيخ محمد متولى الشعراوى إن «مصر هى التى حمت الإسلام حتى فى البلد الذى نزل فيه الإسلام»، وذلك نظرًا لوجود المدارس العلمية المصرية فى مختلف المجالات وتراكم الخبرات والمعارف على مدى عقود وقرون من الزمان.
وأكمل: «مصر هى التى ينبغى عليها إعادة إحياء الإسلام والحفاظ عليه، لأنها عندما غابت عن المشهد برزت هذه العبثية والفوضوية فى المنهج العلمى الذى أوصلنا للتيارات المتطرفة من «الإخوان» إلى «داعش».
ونوه «الأزهرى» إلى أن قراءة التراث وتنقيحه لا يتوقفان على أفراد أو جهات أو مؤسسات، بل يتوقفان على معيار ومنهج، مضيفًا: «هذا المنهج يكون من خلال حوار علمى غير نابع من نفوس محتقنة أو حالات ثأرية يحاول كل طرف فيها أن ينتقم من الآخر ويلحق الإهانة به».
وأكمل: «هذا المنهج أيضًا غير نابع من حالة متعجلة أو قراءة غير واعية، بل ينبغى أن يكون منهجًا علميًا يمكن أن تقوم به الجامعات والأكاديميات والباحثون فى الدراسات العليا والماجستير والدكتوراه، ويمكن أن تتحول مشروعات كتابة الماجستير والدكتوراه إلى هذه القراءة النقدية، وفق المعايير الأساسية المعمول بها فى كل جامعات العالم فى المجالات المختلفة».
وختم بقوله: «لدينا فى مسألة التجديد ٣ أركان كبرى، فهناك مصادر وأدلة مكونة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وهذه المصادر الأربعة تمثل ثلث العلم، وهى الركن الأول، ثم يأتى الركن والثلث الثانى وهو فهم المصادر، ثم الركن الثالث، وهو عبارة عن المؤهلات والمواصفات التى يجب أن تتوافر فى القائم بهذه العملية، التى هى صناعة علمية ثقيلة ومحكمة وتحتاج إلى خبرة، فنستطيع أن نقول إن البنية المستقرة الآمنة للعلم تكون بمراعاة الأدلة والمصادر وهذا ثلث، ومنهجية الفهم والتحليل للأدلة والمصادر هذا ثلث آخر، والمؤهلات التى ينبغى توافرها فى الشخص وهذا ثلث أيضًا».