المدير التنفيذي للدار المصرية اللبنانية
أحمد رشاد: تسويق الكتاب الإلكتروني في تصاعد.. والورقي لن يندثر
انشغلت الجهات والمؤسسات الحكومية والمستقلة عقب أحداث يناير 2011 بالتحولات السياسية والاقتصادية والأمنية التي ضربت المنطقة العربية عموما، وفي مصر على وجه التحديد، غير أن تحولا لا يقل أهمية يتعلق بالصناعات الثقافية غاب عن مشهد الدراسة أو كاد، وهو تحول مرتبط بمسألة أكبر عنوانها التحول الرقمي، وتوظيف الذكاء الإصطناعي في الحياة المعيشة مستقبلا.
غاب الجميع إلا من بعض الأبحاث هنا وهناك تناولت شذرات من الموضوع، على رأس تلك التحولات ما يتعلق بصناعة النشر، وحركة بيع الكتاب، ودخول لاعب جديد في المشهد، وهو منصات بيع الكتاب من خلال الإنترنت، سواء بيع الكتاب الورقي عبر التسوق الإلكتروني، أو بيع الكتاب بصيغة إلكترونية. ومن خلال مقابلات مع متخصصين في صناعة الكتاب مصريا وعربيا تحاول الدستور استكشاف المسألة، ومعرفة ما وصلنا إليه مصريا وعربيا حتى الأن.
في مقدمة اللقاءت مقابلة “الدستور” مع عضو مجلس إدارة تحاد الناشرين المصري، وعضو لجنة النشر بالمجلس التصديري، المدير التنفيذي للدار المصرية اللبنانية، الناشر أحمد رشاد، له العديد من الأبحاث المنشورة في تلك المنطقة، نشرت باللغة الإنجليزية في دوريات عالمية مهتمة بالتحول الرقمي في مجال صناعة الكتاب، وإلى متن الحوار:
*حدثنا عن بدايات ظهور الكتاب الإلكتروني عربيا وحجم التواجد المصري في ذلك المجال؟
قبل عشر سنوات ظهر الكتاب الإلكتروني، بشكل مبدئي في 2011، بعد ما اصطلح على تسميته الربيع العربي، وهى الفترة التي شهدت أيضا تحولا كبيرا في صناعة النشر، بداية ذلك التحول كانت مع زيادة عدد مستخدمي الانترنت في العالم العربي، ومصر على وجه التحديد.
في تلك الفترة شهدت الصناعة حركة كبيرة جدا تسويقيا بالنسبة للكتاب ودور النشر من خلال شبكات التواصل الإجتماعي، في نفس ذلك الوقت ظهر الكتاب الإلكتروني، لكن لم يتواجد لاعبين حقيقيين في صناعة الكتاب الإلكتروني، نعم ظهرت بعض الشركات ثم اختفت بعد ذلك، حتى كانت البداية الحقيقية لظهور الكتاب الإلكتروني في مصر، مع اطلاق منصة لبيع الكتاب الإلكتروني تابعة لشركة اتصالات عالمية عام 2013، في ذلك الوقت بدأ الانتباه لتلك المسألة تجاريا، على اعتبار أن هناك حراك يلوح في الأفق، بالأخص مع ظهور بعض شركات بيع الكتاب الإلكتروني في دولة الأردن.
*ما هي نسب مبيعات الكتاب الإلكتروني في تلك الفترة، والعوامل المؤثرة في تصاعد استخدامه؟
ظل الموضوع يدور ضمن نسب مبيعات ضئيلة جدا لا تذكر، قد لا تتجاوز نسبة 1% من مبيعات الكتاب الورقي إذا تحدثت عن الدار المصرية اللبنانية كمثال. استمر الحال على ذلك حتى عام 2015؛ مع ظهور لاعبين أقوى في مسألة بيع الكتاب الإلكتروني، مثل أمازون وجوجل.
بمرور الوقت بدأ التحول الرقمي بالنسبة للجهات والمؤسسات الحكومية عامي 2015 و2016؛ ظهرت أهمية ذلك كمؤشر عند التفرقة في مبيعات الكتاب الإلكتروني بين الكتب الثقافية العامة، مثل الروايات أو الكتب الأدبية عموما، والجانب الآخر المتعلق بالكتاب الأكاديمي، فيما يخص الجامعات والمدارس. مع بدأ تدشين العديد من الجامعات في مصر والدول العربية مكتبات رقمية.
ثم امتد الموضوع بداية من عام 2017 إلى وزارة التربية والتعليم وليس التعليم العالي فقط، مع اتجاه الوزارة إلى التحول الرقمي في مجال الدراسة ما قبل التعليم الجامعي.
*نستطيع أن نعتبر التحول الرقمي في المؤسسات الحكومية مؤشرات على تزايد الاهتمام بالكتاب الإلكتروني؟
رغم وجود ذلك التحول لكنه ظل تحولا بسيطا، مبيعاته ضعيفة جدا، حتى أصابت جائحة كورونا العالم، المسألة التي أحدثت تحولا كبيرا جدا في مسألة التسويق الإلكتروني وأيضا بيع الكتاب الإلكتروني، مثلا لو أنني أتحدث اليوم عن بيع الكتاب الثقافي إلكترونيا سواء من خلال تسويق الكتاب الإلكتروني على منصات بيع الكتاب، أو بيع الكتاب بصيغة إلكترونية، نستيطع أن نقول أنها زادت 4 أضعاف نسب البيع قبل الجائحة.
إذا تحدثنا عن متوسط بيع الكتاب الإلكتروني في المصرية اللبنانية مثلا فقد وصلت النسبة إلى 5% خلال سنة منذ وقت جائحة كورونا. أما فيما يخص تسويق الكتاب الورقي من خلال منصات البيع الإلكتروني فقد زاد بنسبة 10 أضعاف ما قبل الجائحة، بالتحديد 15% من نسبة بيع الكتاب عموما.
*هل نضع في الاعتبار مشكلات تسويق الكتاب الورقي وتوزيعه بألياته القديمة كسبب رئيسي في سرعة التحول الرقمي والتوجه إلى التسوق الإلكتروني؟
المشكلة التي يواجهها العالم العربي بشكل كبير جدا في صناعة الكتاب تتعلق بقلة منافذ البيع والتوزيع، سواء المكتبات الخاصة أو حتى المكتبات العامة، لكن مع فكرة التسوق الإلكتروني وبيع الكتاب بصيغة إلكترونية، تحديدا مع حالة الغلق التي أعقبت الجائحة ربما ساعدت بنسبة كبيرة في تجاوز تلك المشكلة المتعلقة بالتوزيع واقبال القراء على اقتناء الكتاب من خلال التسوق الإلكتروني.
بالنسبة للمؤسسات والجهات، مثل وزارتي التربية والتعليم، والتعليم العالي، هناك حالة صعود بالفعل لكنها ثابتة، أتوقع مثلا أن الجهات والمؤسسات الحكومية قبل 2025 قد يصل حجم بيع الكتاب بصيغة إلكترونية إليها إلى 50% من مبيعات الناشر.
فيما يخص الكتاب الورقي سيظل موجودا بالتوازي مع منصات بيع الكتاب الإلكتروني، وأتوقع ألا يتجاوز بيع الكتاب الإلكتروني من 20% إلى 25% بالنسبة لمبيعات أي ناشرين أما فيما يخص بيع الكتاب ورقيا من خلال التسوق الإلكتروني أعتقد أنه سيمثل من 30% إلى 40% من مبيعات أي ناشر.
*انتشر الحديث عن الكتاب الإلكتروني منذ العام 2007، علما بأن فكرة الصيغة الإلكترونية للكتاب المقروءة عرفت قبل ذلك بعقود، حدثنا عن ذلك.
*الكتاب الإلكتروني بشكله الحقيقي بدأ ظهوره منذ 2003، رغم محاولاته التي سبقت ذلك التاريخ، ربما من السبعينيات والثمانينيات لكنه لم يكن موجودا على أرض الواقع. حتى بداية أمازون في أوائل التسعينيات تمثلت في تسويق الكتاب الورقي إلكترونيا. ونستطيع أن نعتبر ذلك المؤثر الأكبر في ظهور الكتاب الإلكتروني؛ على اعتبار أن بيع الكتاب الورقي من خلال التسوق الإلكتروني يغذي طبيعة لدى القائ تعتمد على الشكل الإلكتروني، فيتحول شراءة للكتاب من خلال الإنترنت إلى شراء الكتاب نفسه بصيغة إلكترونية وقراءته على أجهزة لوحية مخصصة لذلك.
*ما هي المؤثرات الأخرى التي ساهمت في صعود فكرة الكتاب الإلكتروني؟
انتشار الأجهزة اللوحية مثل «كيندل» و«آيباد» ساهمت بشكل كبير في تصاعد استخدام الكتاب الإلكتروني، على الرغم من ظهوره قبل سنوات، لكن انتشار الأجهزة اللوحية التي تتيح قراءة الكتاب بصيغة إلكترونية هى التي طورت من انتشار ذلك النوع من الكتب.
*تأخرت مصر عن اللحاق بتطورات صناعة النشر عالميا، مع الوضع في الاعتبار أن صناعة النشر الورقي في مصر تأخرت مائتي عام عن مثيلاتها في الغرب، هل يتكرر ذلك الغياب مع الكتاب الإلكتروني؟
فيما يخص مسألة منافسة صناعة النشر مصريا وعربيا في تطورات الصناعة المتلاحقة نستطيع أن نقارن بين صناعة الكتاب الورقي والإلكتروني حتى نكتشف الفارق؛ مثلا تأخر النشر عربيا ما يقارب عن مائتي عام عن مثيله في الدول الأوروبية والأمريكية، أما فيما يخص الكتاب الإلكتروني، حتى وإن كنا قد تأخرنا عن اللحاق بذلك الركب بالمقارنة بالدول الأوروبية فإن التأخير لا يتجاوز بضعة سنوات، وليس مائتي عام!
مع الوضع في الاعتبار أن أليات النشر المتاحة في العالم العربي تختلف تماما عن العالم الغربي؛ مثلا لا توجد شركات توزيع بالشكل المناسب، نستطيع أن نقول مثلا أن 90% من دور النشر لا تمتلك إدارة مبيعات أو إدارة تسويق ونشر لديها، فالناشر هو من يقوم بجميع تلك الأدوار منفردا، وذلك جزء من إشكاليات صناعة النشر عربيا.
إلى جانب أن الحديث عن منصات التسوق الإلكتروني، مرتبط بعام 2011؛ مع الوضع في الاعتبار أن عدد مستخدمي الإنترنت في مصر في ذلك العام ارتفع بنسبة 25%. وبالوصول إلى عام 2021 سنجد أن نسبة 65% من المصريين يملكون هواتف ذكية.
جميع تلك الأدوات تساعد بشكل كبير في انتشار التسوق الإلكتروني وبيع الكتاب بصيغة إلكترونية، التطور الرقمي الموجود في المجال الإلكتروني بشكل عام هو من ساهم بتطور الكتاب الإلكتروني بشكل سريع.
يجب أن نضع في الاعتبار أيضا أن خبرات دور النشر المصرية في مسألة الكتاب الإلكتروني كبيرة جدا، مع العلم أن منصات بيع الكتاب الإلكتروني مثل أمازون أو جوجل هم مجرد موزعين للكتاب، ذلك أن دور النشر هى من تعمل على تحويل الكتب للصيغة الكترونية ومن ثم تسليمه إلتى تلك المنصات من أجل توزيعه.
*هل هناك أرقام محددة توضح حجم تعامل الناشر المصري أو العربي مع منصات الكتاب الإلكتروني؟
وفيما يخص نسبة دور النشر المصرية القائمة على ذلك والمتعاونة مع أمازون وجوجل بشكل خاص فهي لا تتجاوز 8% من دور النشر المصرية، بمعنى أن هناك 80 ناشر هم من يتعاملون في الكتاب الإلكتروني، ولو تحدثنا عن بقية منصات بيع الكتاب الإلكتروني فالنسبة لن تتعدى 15% من الناشرين المصريين المتعاملين في بيع الكتاب بصيغة إلكترونية، أي 150 دار نشر من أصل 1200 دار نشر عضو اتحاد الناشرين المصريين.
لكن عربيا نستطيع أن نقول أن الناشر العربي متطور بشكل أكبر فيما يتعلق بالتحول الرقمي، دليلا على ذلك أن عدد الناشرين الإمارتيين تقريبا 50 ناشر، سنجد من بينهم 90% يملكون تقنيات بيع الكتاب إلكترونيا! وذلك يعود إلى النسبة والتناسب في عدد السكان أولا، وزيادة الإمكانات المتاحة لديهم ثانيا.
*عدم وجود شركات متخصصة في توزيع الكتاب الورقي كان من أبرز المشكلات التي واجهت الصناعة في شكلها القديم، فما هى أبرز العقبات التي تواجه تسويق الكتاب الإلكتروني؟
من العقبات التي نجدها أن معظم الشركات المتصدرة لتوزيع الكتاب وبيعه الكترونيا لم تسوق الفكرة للقارئ العربي بشكل أفضل، جميع المنصات اشتغلت على بيع المنتج فقط، مقارنة بشركات أخرى قدمت المحتوى الإبداعي بأشكال أخرى عملت على ترويج الفكرة بالتوازي مع البيع، مثل منصات بيع الكتاب الصوتي، المسألة التي ساهمت في ارتفاع معدلات الإقبال على الكتاب الصوتي.
ربما المبادرة الوحيدة هي ما قدمته شركة جوجل مع شركة طيران عالمية قدما من خلالها دعاية للكتاب الإلكتروني وقدما عرضا للقراء لمدة شهر، بشكل خاص في الدار المصرية اللبنانية باع أحد كتب يوسف معاطي 1800 نسخة إلكترونية في أثناء ذلك الشهر، وذلك كتاب واحد فقط من كتب الدار المشتركة في المبادرة!
من العقبات الأخرى قرصنة الكتاب الإلكتروني ونشره بصيغة pdf من خلال مسح الكتاب ضوئيا واتاحته على شبكات الإنترنت، ولو تحدثنا عن منصة جوجل ومحرك بحثها الشهير فمن المفترض أن تعمل الشركة على حجب تلك المواقع التي تنتهك حقوق الملكية الفكرية للناشر والمؤلف، لكن ذلك لا يحدث بشكل تلقائي، رغم أن منصة جوجل توزع ذلك الكتاب لدار الناشر!، ويجد الناشر نفسه مطالبا بمراسلة جوجل وإعلامه بقرصنة الكتاب وفي النهاية قد لا يحجب ذلك الموقع أيضا.
فيما يخص القوانين فنحن نواجه نفس المشاكل التي واجهناها مع بيع الكتاب الورقي، ربما يوجد بعض التعاون مع مباحث الإنترنت، من الإبلاغ عن منصات قرصنة الكتاب، وهى تقريبا نفس آليات التعامل مع الكتاب الروقي، لكن مع الإنترنت لو كان موقع البث خارج مصر لا يتم حجبه، فيجب أن تكون المنصة التي قرصنت الكتاب داخل مصر، مع الوضع في الاعتبار أن القوانين القديمة نفسها قوانين ضعيفة، أوجه ذلك أن القانون المنظم لاتحاد الناشرين المصريين صدر سنة 1965، أي أن التعامل مع القضايا الجديدة المتعلقة بالكتاب الإلكتروني تقوم بناءً على اجتهادات، وننتظر تطبيق القانون الجديد المقدم بالفعل منذ سنوات للبرلمان، والمتضمن غرامة مالية كبيرة جدا لو اكتشف أن بث المنصة من داخل مصر، وقد تصل العقوبة إلى الحبس، بالتالي هناك ردع للتعدي على حقوق الملكية الفكرية.