وزير التربية التونسي: التعليم في زمن كورونا تحدِ كبير
صرح وزير التربية والتعليم التونسي فتحي السلاوتي، بأن التعليم في زمن انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، يعد تحديا كبيرا، فرض على العالم أجمع أشكال تعامل جديدة مبتكرة.. ففي تونس تفاعلنا مع هذا الوباء منذ العام الماضي ونجحنا في تأمين امتحانات البكالوريا (التعليم الثانوي) التي ينتظرها جميع أفراد العائلة التونسية دون استثناء حيث تشكل موعداً هاماً بالنسبة لهم.
وقال الوزير التونسي: "العام الماضي رغم أننا أجبرنا على توقيف الدراسة في شهر مارس إلا أننا استطعنا إرجاع التلاميذ إلى المدارس ،وإجراء الامتحانات ومن حسن الحظ أن الامتحانات مرت بسلام وهذا مكسب لنا في تونس".
وأوضح "تونس بلد آمن بالتعليم فمنذ الاستقلال استثمرنا الكثير والكثير في اتجاه بناء مدارس، ونظرا لعدم توفر الإمكانات المادية الكثيرة أو الثروات الطبيعية تركز الاستثمار على العنصر البشري ،وكان الاستثمار في التربية والتعليم نقطة أساسية هامة جدا لدرجة أنه في بداية السبعينات كنا نخصص ثلث ميزانية الدولة لوزارة التربية والتعليم".
وأضاف السلاوتي "إلى جانب التوجه الحكومي للاستثمار في رأس المال البشري ، فقد راهنت العائلة التونسية على تعليم أبنائها ، وفي سبيل ذلك وفرت كل الوسائل من أجل تحقيق هذا الهدف"، مشيراً إلى أن التربية والتعليم كانت دائما في تونس بمثابة المصعد الاجتماعي.
ولفت الوزير إلى أنه بالنسبة للعودة المدرسية خلال العام الدراسي الجاري، قد كانت عودة صعبة واستثنائية بكل المعايير.. إلا أننا رغم ذلك استطعنا بتضافر الجهود العودة للمدرسة بنظام الأفواج ، لتحقيق التباعد الجسدي وتلافي الإصابات أي أن يقسم كل قسم إلى فوجين يدرس فوج يوما ويرتاح يوما ويعود الفوج الأخر وهكذا، وبالتالي أجبرنا على تخفيف المناهج لأن فترة الدراسة أصبحت تقريبا النصف.. مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه لسوء الحظ أتت الموجة الثانية لكورونا ومن ثم الثالثة مما عطل كثيرا مدى التقدم في إنجاز المناهج.
وفيما يتعلق بالوسائل البديلة للتعليم الحضوري في تونس في ظل انتشار الكورونا وتعطيل الدراسة، قال الوزير "بالنسبة لوزارة التربية والتعليم بتونس لدينا 6115 مؤسسة تربوية ،فمن منطلق مراهنة تونس على الاستثمار في التعليم فقد أوجدت المدارس في كل المناطق بدون استثناء حتى أقصى الأرياف ، وهناك مناطق جبلية وعرة جدا قريبة من الحدود الجزائرية والحدود الليبية لا تجد فيها أي شيء ولكن تجد بها مدرسة ، فقد أصبحت المدارس رمزا للسيادة الوطنية بتونس" .. لافتا إلى صعوبة الوصول إلى كل التلاميذ عن طريق التعليم عن بعد نظرا لعدم توفر وسائله لدى كل التلاميذ خاصة في الجهات الريفية النائية.
وأضاف "ومن منطلق أن المنظومة التربوية في تونس بنيت على تكافؤ الفرص والمساواة ،ونظرا لحرصنا على مواصلة السير في هذا الاتجاه وعدم حرمان أي تلميذ تونسي من مواصلة تعليمه عن بعد ، فقد اخترنا التعليم بواسطة القنوات التربوية ولدينا قناة تربوية الآن انطلقت منذ أسابيع.. صحيح أنها مقتصرة في مرحلة أولى على السنة النهائية من التعليم الأساسي (البكالوريا) لكن نطمح أن يتم تعزيزها ،بباقة قنوات تربوية موجهة إلى كل التلاميذ في كل مستوى من المستويات التعليمية".
وتابع وزير التربية التونسي "هناك تلفزة في كل بيت في تونس حتى في الجبال والمناطق الوعرة ،وبالتالي يمكن الوصول بالمعلومة إلى كل التلاميذ بدون استثناء.. لكن لا يعني هذا أننا سنكتفي بهذا الحل نظرا لإيماننا أن الشباب يريد تكنولوجيا وطرقا للتواصل والتفاعل وهذا لا يمكن تحقيقه عبر التلفزة".
وأردف "من هذا المنطلق لدينا مشروع كبير سيتم تنفيذه خلال الثلاث سنوات المقبلة ،لمد كل المدارس بدون استثناء بإمكانية التواصل عن بعد عبر شبكة الإنترنت بتعميمها على كل المؤسسات التربوية، كما أننا وفرنا منصات للتعلم تمكن كل المدرسين في تونس بالتواصل مباشرة مع تلاميذهم.. لكن تظل مشكلة عدم توفر وسائل التعليم عن بعد لدى الجميع قائمة".
وبالنسبة للخطط المستقبلية للتعليم لما بعد الكورونا، أكد الوزير ضرورة التركيز على أن يكون التعليم عبر شبكات الإنترنت معممة لدى الجميع، وربما نتوجه ، إذا ما تم وضع حد لهذا الوباء ، إلى إقرار أن يكون جزء من المناهج ، لا يقع إنجازه إلا عن بعد ، وبالتالي هذا ما سيجبر التلاميذ والأساتذة على خوض هذه التجربة التي انتشرت على مستوى العالم بحكم الجائحة.
وأكد أن التعليم عن بعد يعتبر بالنسبة لنا خيارا استراتيجيا حيث أن مستقبل التعليم والبشرية في العالم يسير في هذا الاتجاه، ولكن دون أن ننكر ضرورة التعليم الحضوري ولذلك لابد من خلق طريق مزدوج يجمع بين ما هو حضوري وما هو عن بعد، ولذلك نحن توجهنا الاستراتيجي هو انتهاج هذا الطريق المزدوج.
وبخصوص المناهج، أفاد الوزير بأن هناك برنامج إصلاح تربويا شاملا، ولكن من سوء الحظ لم تمكنا الكورونا من إعادة الانخراط فيما توصلت إليه اللجان المعنية خلال السنوات الماضية".
وقال "إن المناهج القائمة لم تتغير منذ سنوات وبالتالي أصبح من الضروري أن نضع تغييرها نصب أعيننا ،وأن نأخذ في الاعتبار التطور التكنولوجي السريع جدا على مستوى العالم ،وبالتالي مهما وضعنا من مناهج بعد بضع سنوات ربما تصبح غير مناسبة للوضع في ميادين معينة ،لذلك نظرتنا في هذا الاتجاه أن نترك جزءا من المناهج يكون قابلا للتجديد باستمرار.. على أن يكون ذلك الجزء في حدود 20 % من المنهج يتم تغييره كل عام أو عامين ،إذا اقتضت الحاجة مما يوفر علينا عناء النظر إلى المنهج ككل".
أما عن الأساليب التي اتبعتها الوزارة لتوعية التلاميذ من خطورة فيروس كورونا، أوضح الوزير "أنه منذ بداية انتشار الوباء أخذت الوزارة على عاتقها تنظيم حملات للتوعية ،عبر القنوات التلفزيونية بخطورة الوضع وضرورة اتباع الإجراءات الوقائية والتباعد الجسدي داخل كافة المؤسسات التعليمية".
وأشار إلى أن شعار وزارة التربية الأول منذ بدء انتشار الوباء كان الصحة أولا وقبل كل شيء ،مع مراعاة حق أبنائنا في التعلم.. مشيراً إلى أن الفيروس التاجي أجبرنا على الإغلاق رغم محاولاتنا أكثر من مرة لتفاديه، وأن الجائحة ومن خلال دراسات عديدة قام بها خبراء ميدانيون أثرت على نفسية الطلبة بشكل كبير ربما أكبر من الأثر الذي تركته على المكتسبات العلمية .. معربا عن أمله في أن تزول الجائحة وتعود الحياة الطبيعية إلى سابق عهدها.
واختتم الوزير تصريحاته بالقول "إن وزارة التربية أخذت على عاتقها منذ بداية انتشار الوباء وبالتنسيق مع وزارة الصحة ،تطبيق بروتوكول صحي داخل كل المؤسسات التربوية، مما قلل من إصابات الفيروس التاجي داخل تلك المؤسسات.. فضلا عن اتباع نهج الشفافية في الإعلان اليومي للإصابات والوفيات مما خلق المصداقية بنا من قبل الرأي العام".