عائشة التيمورية.. رائدة الأدب النسوى (بروفايل)
119 عامًا مرت على ميلاد الشاعرة عائشة التيمورية (1840 – 1902)، حيث ولدت في قصر والدها بمنطقة "درب سعادة"، في باب الخلق، من أحياء قسم الدرب الأحمر، وكانت تجري في عروقها دماء كردية وتركية وشركسية، إذ ينتمي أبوها إسماعيل تيمور باشا إلى أصل كردي من ناحية أبيه، وإلى أصل تركي من ناحية أمه، أما الدم الشركسي فجاء من ناحية أمها التي يقال إنها كانت معتوقة شركسية، وكان الزواج من هؤلاء المعتوقات أمرا شائعا حينذاك.
ورثت عائشة التيمورية حب القراءة وعشق الأدب عن أبيها، الذي كان يشغل منصب رئيس القلم الإفرنجي في الديوان الخديوي لمعرفته الطيبة باللغات العربية والتركية والفارسية والفرنسية والإنجليزية والإيطالية، ثم أصبح رئيسا عاما لهذا الديوان، وكان كبار الكتاب والشعراء يجتمعون في صالون قصره، فتراهم عائشة وتسرع إلى مجالسهم رغم أن أمها كان تعنفها على ذلك وتحاول منعها عنه، كما كانت الصبية تأنس إلى الكتاب الذين كانوا يحضرون إلى مكتبة أبيها فينسخون له الكتب، وتعجب بصرير أقلامهم، ثم تعمد إلى تقليدهم في حجرتها، حيث كانت تقوم بهذه اللعبة، تواقة إلى اليوم الذي تقرأ فيه هذه الكتب وتداعبها بأناملها وقلمها وعينيها.
وعن بداية شغفها بالأدب، قالت في كتابها "نتائج الأحوال في الأقوال والأفعال": "كنت أشغف بمسامرة النساء لسماع أحسن الخبر، وألتقط من تلك النوادر أعاجيب القدر، وأتأمل بمستطاع جهدي فيما يرد علي من أنواع الجد والهزار، وأقتطف ما يسعه وعاء وعيي من ثمر ذلك السمر، حيث لا طاقة لي على خلاف ذلك السماع، ولا سبيل لسني إلى التمتع بغير ذلك المتاع، فلما تهيأ العقل للترقى، وبلغ الفهم درجة التلقي، تقدمت إلى ربة الحنان والعفاف، وذخيرة المعرفة والدتي تغمدها الله بالرحمة والغفران، بأدوات التطريز والنسيج، وصارت تجد في تعليمي وتجتهد في تفهيمي، ولا أقبل في حرفة النساء الترقي، وأتهافت على حضور محافل الكتاب بدون ارتباك، فأجد صرير القلم في القرطاس أشهى نغمة، وأتحقق أن اللحاق بهذه الطائفة أوفى نعمة".
وعلى الرغم من كثرة العقبات والأزمات التي تعرضت لها عائشة التيمورية سواء بملاحقة والدتها لها بمجالس الكتاب، وتدخل والدها لفض الأزمة بينها وبين والدتها بين الحين والآخر، وكذلك زواجها المبكر الذي تسبب في انقطاعها عن صقل موهبتها، وانشغالها بالحياة الزوجية الجديدة، وانقطعت عن الدراسة، ومن بعدها وفاة زوجها وهي في زهرة شبابها، إذ لم تكن قد تجازوت السادسة والثلاثين من عمرها، وكذلك وفاة والدها ووالدتها، إلا أن الشاعرية القوية الثائرة استطاعت أن تصمد لكل هذه الأزمات، وأن تخرج منها صقيلة نامية.
واستطاعت عائشة التيمورية أن تشق أطباق الظلام في عصر الجهالة والحجاب، بما اقتبست من نور المعرفة، لم تدعها ملابسات الدهر تفرغ لإنتاجها لكي تقدمه إلى جمهور القراء، فحاصرتها أحداث صعاب، وتوالت عليها فجائع هدت منها الكيان، وأورثتها اليأس والقنوط، وتمكنت أن تجمع ما نظمت من شعر وما كتبت من نثر، وأصبحت تلك الأديبة الرائدة التي تعد طليعة الأدب النسوي، إذ إنها جعلت من تصاريف القدر حيالها على قسوتها مجالًا خصبًا للتعلم والإنتاج الأدبي، فأفرغت همها في الإقبال على القراءة والاطلاع، وفي مزاولة لنظم القصائد في مختلف الموضوعات، ويمكن اعتبار أن الفجائع التي تعرضت لها كانت نقطة تحول في حياتها العامة، فمن بعدها بدأت مرحلة جديدة تكونت فيها شخصيتها الأدبية واضحة المعالم والسمات.