170 جنيها كتبت نهايتها
«حكاية وداد».. التفاصيل الكاملة لموت أشهر خادمة في السينما المصرية
خرج متى حنا من باب الأسانسير.،أمامه شقة مكتوب عليها اسم عدلي عزيز وبجواره على يمين باب الأسانسير، شقة مكتوب عليها اسم وداد حمدي، الدور يضم 5 شقق تقدم خطوات ثم ضغط على جرس الشقة.
ـ أيوه مين؟
ـ أنا متى يا ست وداد...جئت لك بـ "أوردر" العمل اللي كلمتك عليه يوم الأحد اللي فات.
ـ حاضر .. يا متى.. ثواني.
في الشقة بعد مرور 3 دقائق، إزيّك يا متى.. وازّاي عيالك.. بتروح الكنيسة تصلي يا ولد؟.. وإلا لسه برضه زي ما انت (تقول ذلك وهي تضحك)؟! هو صامت، زائغ العينين، يضع يده تحت إبطه في توتر لم يلفت نظرها.
- طيب تشرب قهوة وإلا شاي؟ ما تنطق يا جدع أنت!
- اللى تشوفيه يا ست!
- آه قوللي.. المحل بتاعك ماشي كويس؟
هز دماغه دون رد.
- طيب أقوم أعملك الشاي.. وأنا أشرب كمان معاك قهوة.. استنى بس اشغل فيلم "بنت الجيران".. كنت لسه مشغلاه قبل ما تيجي.. (قامت وشغلت الفيلم من جهاز الفيديو ثم دخلت المطبخ).
- ذكريات قبل الموت
هو يجلس في مكانه.. ويتحسس السكين تحت ذراعه.. وداد حمدي تجلس أمام التلفزيون بعدما فرغت من فنجان قهوته، على الشاشة تظهر مع شادية وعمر الجيزاوي في أغنية (من بعد طاقية وجلابية) فتهز رأسها بدلال ودلع وهي تتذكر ذلك الزمن الذي ولى، وكيف هربت من أسرتها من محافظة "كفر الشيخ"، شمال القاهرة، لتغني، وترقص، وتمثل مع الفرق المسرحية، بعد خسارة والدها لكل أمواله في مضاربات السوق وقتها.
- بداياتها في عالم الفن
جاءت إلى القاهرة وسكنت مع صديقة قريبة لها في حي "السيدة زينب"، ثم بدأت تتردد على المسارح عام 1942 (هي مواليد 16 ديسمبر 1926) إلى أن اشتركت بالغناء مع المجموعة في فيلم (رابحة) إنتاج 1943، إخراج نيازي مصطفى، ثم التحقت بـ "الفرقة القومية" بأجر يومي قدره 20 قرشاً وكان أول افلامها ـ كتمثيل ـ فيلم (هذا جناه أبي) عام 1945. ثم تزوجت من عبد العزيز فهمي، مدير التصوير، ثم من تاجر غلال، ثم من محمد الطوخي (والد المطربة إيمان الطوخي) الذى أكملت معه مشوار حياتها، حتى رحل وترك لها استوديو تقوم بتأجيره.
في عام 1959 اشترت شقتين في هذه العمارة، جعلت منهما شقة لوالدتها وأخواتها ، 5 ذكور وثلاث فتيات ليعيشوا بجوارها وتنفق عليهم، وهذه الشقة التي تجلس بها بالدور السابع، بعدما عملت بنصيحة الفنانة فاتن حمامة التي قالت لها ذات يوم،"يا وداد علشان حياتك العائلية تستقر لازم تبقي عايشة في شقة الزوجية بمفردك مع زوجك.. مفيش زوج هيتحمل أمك وأخواتك في نفس الشقة طول الوقت."!
"طيب أعمل إيه يا ست فاتن"؟ مقدرش أسيبهم لوحدهم.. ملهمش حد غيري في الدنيا!، "كويس بس اشتري لهم شقة جنبك وانفقي عليهم براحتك"
وبهذه النصيحة استقرت حياتها مع زوجها الثالث، محمد الطوخي، وسارت حياتها هادئة، مستقرة، سعيدة، حتى رحيله.
- 170 جنيها تكتب نهاية وداد حمدي
ـ فين يا (متى) الأوردر اللي قلت لي عليها في التليفون منذ أيام؟
وقف في مكانه، وتقدم خطوات منها، ومد يده اليسرى وأغلق التلفزيون، ثم كشر حتى انتفخت عروق رقبته، واحمر وجهه وهو يقول: "عايز فلوس.. عايز فلوس" - قال ذلك وهو يُخرج من ملابسه السكينة التي يحملها.
ـ "اهدأ يا (متى). مش كده يا أخويا.. احنا عشرة من عشرين سنة و بتشتغل معايا.. إيه اللي جرالك؟ حاضر .. الفلوس اللي أنت عايزها هاتخدها.. بس نزّل السكينة" .. يده ترتعش. وجسده يهتز. ثم قال
"فين الفلوس؟".
"في حجرة النوم يا ضنايا.. حالا.. حالا..".
ثم استجمعت قواها، وبدأت تتحرك مسرعة لحجرة نومها. هو يسير خلفها شاهراً السكينة.. وصلت لحجرة النوم حيث كان معها 170 جنيهاً فقط ـ هو يريد 370 جنيه كسلفه حسب قوله ـ تضعهم بجوارها على الكومدينو"، "ولا سلفه ولا غيره ..أهو خد يا حبيبي.. دول كل اللى معايا".
- "ليه يا متى".. آخر كلماتها
نظر لها نظرة أخيرة، بعدما اتخذ قراره، ثم باغتها بطعنة في كتفها الأيمن. سقطت على حافة السرير تصرخ :
- "ليه يا متى يا أخويا.. ليه.. ليه ؟.
استمرّت السكينة في يده تصعد وتنزل وتنغرس في جسدها حتى وصلت الطعنات إلى 20 طعنة نافذة، وخلال ذلك الصراع الدامي غير المتكافئ (صراع السكين وصوتها) لم يسمع استغاثتها أحد من الجيران، وذلك حسبما ذكر الكاتب الصحفي خيري حسن في كتابه "أرواح على الهامش".