حكاية مظاهرة أهالي الحسينية بقيادة «أحمد الدردير» ضد المماليك
بين أحداث التاريخ الكبري٬ وأبطاله الملحميين الأكثر شهرة وصيتا شرق وغرب٬ تبقي هناك الحكايات الغائبة عن أناس بسطاء تجاهل التاريخ ذكرهم ولو حتي بإشارات خاطفة. إلا أن هناك من الكتابات التي تتبع سير هؤلاء البسطاء العاديين الذين يشبهوننا٬ ويتعقبون آثارهم ليعرفونا عليهم وبهم. ومن بين هذه الكتابات٬ ما تحمله دفتي كتاب "خريدة القاهرة" والصادر عن دار الرواق٬ للكاتب حامد محمد حامد.
ففي كتابه "خريدة القاهرة" يتتبع حامد محمد حامد قصص وحكايات تاريخية لم يقف عندها التاريخ الرسمي كثيرا٬ ولم يلتفت لأبطال حكايات تاريخية٬ ونقب عنها مؤلف الكتاب. ومن هذه الشخصيات الشيخ "أحمد الدردير"٬ والذي كان واحدا من أهم شيوخ عصره٬ إن لم يكن أهمهم علي الإطلاق٬ إلا أن كونه شيخا للمالكية تدرس كتبه وشروحه إلي اليوم٬ أو كونه واحدا من أكابر الزهاد في زمانه.
ويلفت حامد محمد حامد إلي أنه وفي العام 1786 غادر مراد بك القاهرة ليعيث فسادا في قري الوجه البحري٬ وترك وراءه رجاله في القاهرة يستبيحونها كيف شاؤوا٬ يسرقون ويصادرون أموال الناس ويهاجمون البيوت وينهبونها أمام أعين أصحابها. علي رأس رجال مراد بك٬ كان حسين بك المعروف بـ "شفت" أي اليهودي٬ وفي أحد الأيام٬ ركب حسين بك "شفت" مع رجاله إلي الحسينية٬ حيث هاجموا بيت أحد أولاد البلد٬ واسمه أحمد سالم الجزار٬ ونهب "شفت" ورجاله البيت علي بكرة أبيه٬ والناس في الشارع ينظرون إليهم ويضربون كفا بكف.
وبعد أن أفاق أهل الحسينية من صدمتهم٬ ثاروا ثورة عارمة٬ وخرجوا في مظاهرة كبيرة وقد انضم إليهم كثير من أهالي الأحياء المجاورة٬ قاصدين الجامع الأزهر٬ فقابلهم "الدردير" هناك وطمأنهم قائلا لهم: "أنا معكم٬ في الغد نجمع أبناء البلد من بولاق ومصر القديمة وحارات القاهرة٬ وأركب معكم فننهب بيوت المماليك كما ينهبون بيوتنا٬ ونموت شهداء أو ينصرنا الله عليهم.
ويوضح حامد محمد : ويبدو أن اتفاق "الدردير" مع أهل الحسينية قد طار فورا حتي بلغ مسامع إبراهيم بك الذي خشي من تفاقم الأمر٬ فسارع بإرسال اثنين من رجاله إلي "الدردير" يتعهدان بأن يعيدا كل ما نهبه حسين شفت من الحسينية. وحتي بعد أن خبت حماسة الجماهير سريعا٬ وعادت مظالم المماليك سيرتها الأولي٬ فإن الجموع التي لم يخيب "الدردير" رجاءها ظلت تذكر له صلابته في الحق٬ وإسراعه إلي نصرة المظلومين٬ حتي بعد وفاته بعد هذه الحادثة ببضعة أشهر.
ويؤكد محمد حامد: عندما يعتقد المصريون في صلاح أحد الأشخاص٬ فإنهم يجعلونه وليا من أولياء الله الصالحين٬ أما إذا أرادوا أن يرفعوه درجة فوق درجة الولاية٬ فأنهم يتحايلون بأي طريقة ليربطوا بينه وبين الأولياء الكبار من آل البيت٬ وكذا فعلوا مع الشيخ أحمد الدردير٬ فلقبوه بــ "وزير الحسين". والتاريخ ليس حكرا علي المراجع والوثائق فحسب٬ فثمة أثر من التاريخ يسري دوما في كل ما حولنا٬ حتي ولو كان كتاب أدعية شعبية مجربة ككتاب "من مفاتيح الفرج لترويح القلوب وتفريج الكروب". سيجعل "مفاتيح الفرج" من جامع الدردير مكانا مباركا لا يرد فيه الدعاء٬ بشرط اتباع هذه الطريقة المجربة.
ويوضح المؤلف هذه الشروط: إذا كانت لك حاجة٬ فزر مقام "الدردير" واقرأ له الفاتحة٬ ثم انطلق بعدها لزيارة مقام سيد الشهداء الحسين بن علي من دون أن تنطق كلمة واحدة في الطريق٬ كي لا ينقطع حبل المدد بينك وبين الوليين٬ وأمام مقام "الحسين" ادع بما شئت ودعاؤك مجاب لا يرد بإذن الله.
لقد كان الوجدان الشعبي قادرا علي أن يجعل من جامع "الدردير" مكانا يستجاب الدعاء فيه٬ ربما لأن "الدردير" نفسه حال حياته لم يكن يتأخر عن الوقوف بجانب أي مظلوم وتلبية أي نداء استغاثة.