تعلّمت اللهجة البدوية من «عرب مطروح»
وفاء شهاب الدين: «غواي» رواية رصد لحياة القبيلة وعاداتها وطقوسها (حوار)
وفاء شهاب الدين، واحدة من أبرز الروائيات المصريات المشغولات بقضايا المرأة المصرية في المجتمعات المغلقة بدءاً من الريف والصعيد وصولاً إلى البدو.
تثير أعمال وفاء شهاب الدين الجدل في كشف المسكوت عنه في تلك المجتمعات، وتحمل عناوين أعمالها ما يمكن وصفه بالصادم منها "رجال للحب فقط"، وتبدو تيمة الحب في مختلف درجاته إحدى التيمات الرئيسة لمجمل أعمالها.
عن روايتها الجديدة "غواي" تكشف وفاء شهاب الدين "للدستور" تفاصيل حياة أهل البدو وطقوسهم والمشترك بينهم وبين جموع المصريين وإلى نص الحوار:
حديثنا عن العنوان كعتبة من عتبات النص وماذا تعني "غواي"، وهل اللجوء للهجة البدوية كان مفتاح الدخول للرواية؟
اختيار عنوان مناسب للرواية يشبه كثيراً اختيار اسم لأحد أطفالك، يجب أن يكون معبراً جميلًا مناسباً، وأنا لم أجد أجمل من تلك اللفظة البدوية "غواي" لتعبّر عن رحلة بحث ودراسة وكتابة استمرت أربعة أعوام، حين صادفت تلك الشتيوه - الشعر البدوي- "أغوينا والغية مو عيب وطحنا في غواي عطيب".
اتخذت قراري فوراً بتعلم اللهجة البدوية لهجة عرب مطروح، التقطت حواسي معان كثيرة تندرج تحت بضع كلمات قد لا يلتفت إليها أحد ولكنني فجأة شعرت أنني يجب أن انتبه إلى تلك الثقافة المختلفة والتي لم يتناولها الكثيرون من قبل، وحتى حينما يتم تناول الثقافة البدوية يتم ذلك بصورة مغرقة في الخشونة فينفر منها البعض وينجذب إليها البعض لذا قررت في “غواي” مزاوجة رمال الصحراء بزرقة البحر بمآذن القاهرة بمعابد الهند ليحصل القارئ في النهاية على عالم ساحر مختلف ينجذب إلى معرفته أكثر.
ما حدث معي أنني فتنت باللهجة البدوية فقررت استخدام بعض المفردات والأشعار؛ ذلك ليعيش معها القارئ ويندمج في حياة مختلفة تمنيت أن تثير خياله وتنال إعجابه.
هل ثمة صعوبات واجهتك وأنت تكتبين عن مجتمع مغلق كالبدو؟
كنت متهيبة جداً من فكرة الكتابة عن مجتمع مغلق ومحافظ، ولا يُفضِّل سبر أغواره لمن خارجه؛ولكنني استطعت تكوين علاقات واسعة مكنتني من تعلّم اللهجة، وكانت تلك هي العقبة الأولى.
ومن ثم التخطيط للخطوط الرئيسية ثم الفرعية للرواية وتصميم أحداث قوية عميقة مزلزلة؛ وقد نجحت إلى حد كبير في ذلك بمساعدة أصدقائي حتى أنني كنت أتوقف عدة أيام لمراجعة ما كتبت، وسرد الأحداث مرة ثانية وتصحيحها ثم أعود للكتابة مرة ثانية.
في الحقيقة المجتمع القبلي، رغم خصوصيته إلا أنه يرحب بمن يحاول فهمه وتوصيل صوته ومشاكله، لم أشعر أنني من خارجه، بل على العكس كنت أشعر وأنا أكتب أنني عشت وسط صحرائه ونجوعه منذ الميلاد.
ما الذي حرّضك على كتابة رواية "غواي" خاصة أنها رواية تتحدث عن مجتمع بعيد عن محيط الثقافي والمجتمعي؟
بعيداً عن الكتابة أنا إنسانة مولعة بالثقافات المختلفة والعوالم الأخرى، يفتنني المختلف ويثير فضولي جداً.
أشعرأن قرائي كذلك يبحثون عن مغامرة مختلفة أقودهم فيها بين دفات كتبي، لذا أجوب العالم بحثاً عن قصة مختلفة وعالم آخر أقضي معه عدة سنوات ويقضي معه القارئ عدة ساعات. هكذا هي الكتابة.
كنت أقضي إحدى إجازاتي في مدينة مطروح، وبالصدفة سمعت حواراً جانبياً بين اثنين من أهل المدينة كانوا يتحدثون باللغة العربية لكنني لم أفهم كلمة واحدة، ومن هنا بدأت رحلة البحث عن قصة وولدت في النهاية "غواي".
ما المصادر التي عدت إليها قبل الشروع في كتابة رواية "غواي"؟
المصادر عن تاريخ عرب مطروح في مصر قليلة جداً، وذلك لأن البدو يحفظون تاريخهم وأمجادهم ويورثونها لأبنائهم، ولكن أحد أصدقائي أهداني كتاب "الأمراء من أهل برقة والصحراء" وهو بحث تحليلي ودراسة تفصيلية وثائقية في تاريخ وأصول وحركة المجتمع البدوي في برقة والصحراء وقمت بعمل أبحاث مطولة عن معركة وادي ماجد واستخدمت في ذلك الشبكة العنكبوتية.
وبالطبع استعنت بمصادر كثيرة داخل القبائل، وقدمت لهم شكراً في بداية الرواية نظراً للمجهود الكبير الذي بذلوه معي أثناء السعي إلى إنشاء صورة كاملة عن الحياة داخل ذلك المجتمع المغلق.
رصدت " غواي" عادات وتقاليد المجتمع القبلي.. ما المشترك الذي يجمع عموم المجتمع المصري مع أرض "غواي"؟
حاولت قدر الإمكان رصد كثير من العادات والتقاليد المختلفة للمجتمع القبلي ولكن الرواية كما تعلم ليست كتاباً يصلح لرصد سيسيولوجيا المجتمعات، إنما يرصد من الأحداث ما يمكن أن يفيد العمل الروائي.
وحرصت جداً على إظهار الجانب المضيء في الثقافة القبلية كالشهامة والكرم والتلاحم وتفعيل القوانين البدوية الرادعة والتي لا يتم التهاون فيها ممثلة في قوانين دربة "أبناء علي" وهي قوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية على المذهب المالكي، راجعها علماء الأزهر الشريف وأقروها، ومن ثم أصبحت نافذة.
وهذه القوانين هي السبب في تضاؤل نسبة الجرائم هناك، والمجتمع المصري مجتمع يحوي ثقافات شديدة الخصوصية منها ثقافات منفتحة كثقافات المدن، وثقافات منغلقة مثل الصعيد والريف، يجمعنا جميعا حبنا لنفس الوطن كوننا مصريون.
ما يجمع عموم المجتمع المصري مع أرض"غواي" هو القيم الإنسانية عموما وأهمها الحب.
وماذا عن المشترك بين البدو وأهل الريف ونظرتهم للمرأة وللحياة بشكل عام؟
هناك أشياء مشتركة كثيرة بين البدو وأهل الريف، مثل الاحتكام لكبار القبائل والعائلات في الحوادث والمشكلات واحترام الكبار، الكرم، النجدة، الشهامة.
أما النظرة إلى المرأة فقد قطع الريف شوطاً كبيراً تجاه تعليم المرأة وعملها، ويحاول المجتمع القبلي الآن فعل ذلك ولكن بخطى وئيدة.
يبدو العنوان صادماً في مجموعتك القصصية "رجال للحب فقط"، كيف تنظرين إلى هذا العمل بعد كل هذه المسافة من الكتابة الإبداعية؟
لا أفهم لماذا يُصدَم الجميع من عنوان واقعي جداً كـ"رجال للحب فقط". أنا لا أشعر أنه صادم أبداً بل بالعكس، لقد أخطأت حين تصورت أن هناك رجالاً يعلون قيمة الحب الحقيقي يوفون ويخلصون، نحن في عالم مختلف لم يعد الرجال كالرجال ولم يعد الحب هو الحب ولم تعد الحياة نفس الحياة التي كنا نتمناها..أنا أحب مجموعة "رجال للحب فقط" وعلى عكس كل التوقعات كنت هنا انتصر للرجال ضد كل امرأة يمكن أن تتلاعب بمشاعر أحدهم ولكنني اكتشفت وبعد سنوات طويلة أنني كنت مخطئة.. الرجال هم الطرف الظالم دائماً في كل معادلة حب لذا كان يجب أن يكون العنوان "الرجال لا يعرفون الحب".
الرومانسية هي التيمة الرئيسية في مجمل أعمالك الإبداعية والتي تظهر واضحة في “طوفان اللوتس” و"أرجانر" و"تذكر دوما أني أحبك" وغيرها، هل هذا مقصود؟
حين أفكّر في كتابة عمل جديد يذهب تفكيري مباشرة إلى تصميم قصة حب مختلفة، ربما ذلك هو النوع الذي أبرع في التعبير عنه. أنا أحب التعبير عن المشاعر الداخلية للإنسان سواء كان رجلاً أو امرأة، لا أقصد طبعاً أن أتخصص في مثل هذا النوع من الكتابة ولكني حتى حين اكتب مقالاً نقدياً أجد نفسي وقد انحرفت إلى الكتابة عن مشاعري أثناء القراءة وتأثير النص على أحاسيسي ولا اتبرأ طبعاً من التيمة التي تميّز كتاباتي بل بالعكس أنا سعيدة لأنني أستطيع التعبير بعفوية وعمق في نوع من أصعب أنواع الكتابة.