«اِعمل نفسك من بنها».. موائد «إفطار القطار» شعار لمدينة الكرم (صور)
صوت قوي أحدثه القطار 949 (القاهرة ـ المنصورة) في منطقة بنها بمحافظة القليوبية.. سقطت العربات الأربع بعد أن تجاوزت عجلاتها القضبان.. ضجيج وصُراخ ومصابون.. وأنفاس توقفت لدى بعضهم ليُفارقوا الحياة.. مشهد حزين على قضبان السكك الحديدية، لكن مشهدًا آخر كان لافتًا للانتباه عِندما اقتربت الشمس إلى مغيبها، وتأهب المؤذن لأن يُعلن عن حلول موعد آذان المغرب.
«اِعمل نفسك من بنها».. جملة علِقت طويلًا بأحاديث المصريين، دون أن يعرف الكثيرون من أين بدأت، وما حكايتها.. كانت دومًا ترتبط بحالات اللامبالاة، غير أن ما كان عند سقوط القطار، جاء ليخلق من تلك الكلمات فخرًا لقاطنيها، وأيقونة الإشارة لكُرماء يقطنون ها هنا.
«بعد الآن؛ اِعمل نفسك من بنها، وكُن فخورًا بذلك».. عبارة جرى تداولها رفقة صورة السيدة التي باتت رمزًا لكرم أهل بنها في القليوبية، وهي تحمل طعامًا منزليًا، لتُكرم ضيوفًا حلّوا عليهم في مأساة.. بعضهم يبحث عن رفيق بين عربات القطار المحُطمة، وآخرون يُساعدون في المهمة، وبعضهم علِقوا في بقعة سقط فيها قطار كانوا يأملون أن يقلهم إلى وجهتهم، فوجدوا أنفسهم في بنها.. وأنها وِجهتهم الأخيرة بأمر القِطار المنكوب.
امرأة بسيطة من قرية لا تبدو ميسورة الحال، غير أنها كانت أكثر كرمًا من ظروف تعيشها، وأرادت أن تُطعِم قدر ما تستطيع من مئات الناس الذين تكدسوا في المكان.. مشاهد الألم في موقع الحادث، أحزنت السيدة «هنية» التي كانت تمر من المكان، فأسرعت نحو منزلها لتُجهز الأطعمة للمتواجدين في موقع الحادث.
جمعية رسالة للأعمال الخيرية، وبعض أهالي بنها، سبقوا السيدة في إكرام الضيوف وتوفير الأطعمة والمياه لكثيرين منهم، فكانت الحاجة هنية تبحث بينهم عن أي أشخاص لم يتناولوا وجبة الإفطار بعد، ليتناولوا من الطعام الذي جلبته لهم قبل أن تروي ظمأها هي وأسرتها.. «الضيوف أولًا» ـ هكذا قررت.
كانت خُطى السيدة على القضبان تبحث عن ضيوفها، فشعرت بالحزن أنها وصلت متأخرة بعد أن تناولوا الإفطار، قبل أن يُخبرها رجل إسعاف أن بعض المتواجدين لم تصل إليهم الأطعمة بعد.. هُنا شعرت بالسعادة وأخذت تُقدم لهم الأطعمة كما تُقدمها لأبنائها في المنزل.
دعوات الذين أفطروا من بعد ظمأ على يد سيدة بنها، كانت معها دعوات الملايين الذين عاودوا نشر صورها فخرًا بما قدمت في حادث القطار الذي راح ضحيته نحو 11 شخصًا، إلى جانب قرابة الـ 100 مصاب.