اعترافات «سفاح الجيزة»: «كل اللى يعمل معايا مشاكل بقتله وأحفر وأدفن»
قاعدة مفصلية رسخها المحللون والمتابعون لعالم الجريمة منذ القدم، وهى أنه مهما وصل المجرم إلى ذروة الذكاء والدهاء، لا بد له من يوم يسقط فيه بسبب ثغرة يتركها خلفه هنا أو هناك، وهو ما حدث بالضبط فى قضية «سفاح الجيزة»، الذى احترف القتل بدم بارد، وإخفاء معالم جرائمه بشكل غير مسبوق، حتى أزهق أرواح ٤ أشخاص على مدار ٥ سنوات، فى ظل ممارسته حياته بشكل طبيعى يبعد عنه الشبهات، إلا أنه وقع فى فخ لم يكن يتوقعه أدى إلى كشفه وسقوطه فى النهاية فى أيدى أجهزة الأمن.
ماراثون طويل من جلسات التحقيق والاستجواب خضع لها السفاح قذافى فرج، أسفرت عن كشف تفاصيل رحلته المثيرة فى عالم الجريمة، والتى لم تُكشف إلا عبر سلسلة من الاعترافات والمفاجآت الخطيرة، التى فجرها، خلال مناقشات امتدت على مدار ٩ أيام، داخل إدارة البحث الجنائى بمديرية أمن الجيزة، حيث حكى رحلته الشيطانية منذ البداية حتى النهاية.
فى بداية اعترافات السفاح أقر بقتله أحد أصدقائه عام ٢٠١٥، ويدعى رضا عبداللطيف «مهندس»، وكان يعمل فى السعودية، وكان قد أقرضه مبلغًا ماليًا قبل سفره، وحين عاد طالبه باسترداده، لكن الجانى ماطله طويلًا، وحينما أصر صاحب المال على أخذ مستحقاته، توصل تفكير المتهم الشيطانى إلى أنه لا سبيل من الخلاص من تلك المعضلة إلا بقتل صاحبه، الذى وثق فيه.
وببساطة شديدة، جهز الجانى فى شقته بشارع ترعة عبدالعال بمنطقة بولاق الدكرور قبرًا سريًا، حيث حفر حفرة عميقة فى إحدى الغرف، وتواصل مع المجنى عليه وخدعه طالبًا منه أن يزوره فى منزله لاستلام أمواله، ثم جهز طعامًا وضع فيه سمًا قاتلًا، وحين حضر الضحية أطعمه باعتباره ضيفه، وحين فارق الحياة استولى على مبلغ من المال كان بحوزته، ورماه فى الحفرة وأهال عليه التراب وأحضر عاملًا لتبليط المكان بالسيراميك وكأن شيئًا لم يكن.
وعاش «قذافى» حياته بشكل طبيعى بعد ارتكابه تلك الجريمة، فى ظل زواجه من فتاة تدعى فاطمة زكريا، ونشبت بينهما خلافات عديدة، وحين استفحلت تلك الخلافات، سولت له نفسيته المريضة أن يتخلص من الزوجة بنفس الطريقة التى نفذها للتخلص من صديقه، فحفر حفرة عميقة فى الغرفة المجاورة، التى دفن بها صاحبه، وحضّر طعامًا ودس فيه سمًا وأطعم قرينته منه خلال جلسة ودية، وحينما فارقت الحياة دفنها فى الغرفة، وأهال عليها التراب ووضع البلاط فوقه.
حينما اعترف «قذافى» بجريمتى قتل صديقه وزوجته، تولدت لدى المحققين فكرة أنه إذا ارتكب الجانى جريمتين بتلك البساطة والقدرة على التمويه، فمن الممكن أن يكون قد ارتكب جرائم أخرى لا يُعرف عنها شىء، حينها سأله مدير المباحث الجنائية، قائلًا: «قل لى يا قذافى إنت قتلت حد تانى؟».
حاول السفاح المراوغة فى البداية، لكن بعد محاصرته، اعترف بارتكاب جريمتين أخريين بنفس الطريقة، الأولى ارتكبها قبل قتله صديقه المهندس رضا عبداللطيف بشهر واحد، وكانت فتاة، شقيقة خطيبته.
واعترف الجانى بأنه دخل فى علاقة غير شرعية مع تلك الفتاة لفترة من الزمن، قائلًا: «البنت دى كانت بداية دخولى عالم الجريمة، هى اللى قتلتها أول واحدة مش رضا صاحبى، لأنى نفذت الجريمة فى فبراير ٢٠١٥ وقتلت رضا فى أبريل بعدها بشهرين»
وحكى السفاح أنه تعرف على المجنى عليها حينما كانت تعمل لديه فى مكتبة يديرها، وارتبط بها بعلاقة عاطفية تطورت لعلاقة غير شرعية، ومثّل عليها الحب وأقنعها بإرسال رسالة لأسرتها تخبرهم فيها بعدم رغبتها فى العودة ونيتها فى الانتحار، لتفاجأ الفتاة فيما بعد بحبيبها يتقدم لخطبة شقيقتها.
ثارت الضحية وغضبت وهددت «قذافى» بفضح سر علاقتهما، فتولدت لديه فكرة التخلص منها، قائلًا: «كانت هتعمل لى قلق وتفضحنى وتبوظ جوازتى من أختها فقررت أقتلها.. خلصت عليها وعملتلها قبر فى غرفة فى الشقة ورحت كتبت كتابى على أختها، بعدما أقنعت أهلها أن البنت هربت مع مخرج، عشان تشتغل فى الإعلانات والتمثيل، وهم صدقوا بسبب الرسالة اللى بعتتها ليهم قبل ما أقتلها بشهر».
وكشف عن أنه كتب كتابه على شقيقة الضحية لشهور، وفى نفس الفترة كان قد قتل صاحبه «رضا» بعدما طالبه بأمواله وكذلك زوجته، قائلًا: «فضلت كاتب كتابى على أختها شهور وخلال الشهور دى قتلت صاحبى المهندس وكنت متجوز أصلًا، وقتلت مراتى التى لم تكن تعرف إنى خاطب واحدة تانية».
أما قصة الضحية الرابعة لـ«قذافى»، فبدأت حينما قرر السفر إلى الإسكندرية هربًا من مطاردات أسرتى زوجته وصديقه اللتين شكتا أنه وراء اختفاء ذويهما، فنفذ حيلة شيطانية بأن انتحل صفة صديقه «رضا» الذى قتله، حيث زور بطاقة شخصية باسمه ووضع فيها صورته هو بطريقة محترفة.
وعاش الجانى حياته فى الإسكندرية باسم رضا عبداللطيف، وفتح مشروعى حضانة ومحل أدوات كهربائية بالأموال التى استولى عليها من صاحبه حينما قتله، ثم تعرف على فتاة، أوهمها بالحب والزواج وحصل منها على ٤٥ ألف جنيه ثمن شقة باعتها، وعندما ماطلها فى الزواج طالبته برد أموالها، وأصرت على طلبها.
حينها تجلت للسفاح طريقته المعتادة فى التخلص من ضحاياه، وحفر حفرة فى مخزن محل الأدوات الكهربائية، وطلب من الفتاة الحضور لاستلام أموالها، وحينما جاءت أطبق على رقبتها حتى فارقت الحياة وأسقطها فى الحفرة وردم عليها.
ويبدو أن الضحية الرابعة لـ«قذافى» كانت المحطة الأخيرة التى سقط فيها ذلك المجرم، حيث عاش فترة بشكل مستقر وتزوج من سيدة جديدة باسم صاحبه القتيل «رضا»، وأنجب منها، وسطا على أموالها ثم طلقها، ثم استثمر الأموال فى مشروع الحضانة الخاص به، ثم تزوج من صيدلانية، اقتنعت بأنه العريس الغنى المناسب لها.
هنا وقع السفاح فى الثغرة التى يقع فيها كل مجرم محترف، حيث اكتشفت سكرتيرة تعمل لديه، بمحض الصدفة، صورتين ضوئيتين لبطاقتين شخصيتين، إحداهما «المزورة» وتحمل صورته وبيانات صاحبه القتيل «رضا»، والثانية هى بطاقة «قذافى» الأصلية، فأخبرت الزوجة الجديدة، فحدثت خلافات بينهما، قرر حينها أن ينتقم منها ومن أسرتها، فارتدى نقابًا وتوجه لمنزل حماه وسرق منه مليون جنيه وفر هاربًا، إلا أن كاميرات المراقبة كشفت هويته، وألقى القبض عليه بتهمة السرقة، باسم «رضا».
وعلى الجانب الآخر فى القاهرة، ورغم مرور ٥ سنوات، كانت أسرة «رضا» لا تزال تبحث عن ابنها، وفوجئت بأن اسمه مسجل كمتهم فى جريمة سرقة فى الإسكندرية، فذهبوا على الفور إلى هناك وفوجئوا بأن المحبوس هو «قذافى»، فتقدموا بطلب للنيابة العامة لفتح التحقيق فى اختفاء نجلهم ليعرفوا الحقيقة، ويسقط معها السفاح فى أيدى العدالة ويدلى بكل هذه الاعترافات الكارثية.
وخلال التحقيقات، شغلت طريقة حفر السفاح قبور ضحاياه أذهان المحققين الذين لم يستوعبوا أنه يستطيع بمفرده حفر حفرة عميقة بهذا الشكل ثم إخفاء ملامحها بشكل محترف والتبليط فوقها، حتى اعترف الجانى قائلًا: «لم أحفر أيًا من تلك المقابر بنفسى، كنت أستعين بفواعلية ممن يعملون باليومية، وأطلب منهم إزالة البلاط وحفر حفرة عميقة لا تقل عن ٢ أو ٣ أمتار بحجة أن السباك أخبرنى بوقوع كسر فى ماسورة الصرف الصحى ورغبته فى إصلاحها».
وأضاف: «حينما ينهى العمال المهمة المكلفين بها، أطلب منهم الانصراف لحين الانتهاء من التصليح، وأحضر كل جثة من الغرف التى كنت أخبئها فيها، وألقيها فى الحفرة وأهيل عليها الردم الذى استخرجه العمال وأضع طبقة من الأسمنت فوق التراب، وعندما تجف وتخفى معالم المدفن أشترى سيراميك جديد وأحضر عامل مبلط لتركيبه كأن شيئًا لم يكن».