الذئب يتربص.. بالغنم الشاردة
أن تكون هناك دولة أو لا تكون.. ذلك هو الرهان الصعب الذى عاشته مصر الأيام الماضية، وستعيشه خلال أيام قادمة، حتى يتأكد الجميع أن دولة القانون مازالت حية، وإن أصابها الوهن، لبعض الوقت، فى ذلك الجسد الذى تكالب عليه الأكلة الطامعون فى غنائم واقعها الجديد.. سيستمر الرهان على اختبار للقوى بين الحكومة ومعارضيها، خاصة من ذلك الفريق الإخوانى الذى يستهدف إسقاط الدولة والوصول بها إلى مفترق طرق، تنهار عنده الثقة فيها، وينشغل فرقاء السياسة بخلافاتهم، وتتعطل خارطة الطريق، سعياً لفوضى يتمنونها، ربما قادت إلى ثورة جديدة، لعلهم يركبونها من جديد!
هل يستحق قانون التظاهر كل ذلك الخلاف وهذا الجدل الدائر فى الأروقة وعلى شاشات الفضائيات، يُغذيه بعض الذين أكلوا على كل الموائد وأضلوا الشعب بخيارات زائفة، أوقعت البلاد كلها فى شر أعمالها لعام كامل؟.. ثم يأتى واحد منهم ليتبرأ من فوق شاشته بقوله «أخطأت، وأدركت خطئى، فتراجعت»، دون أن يدرى بأنه تراجع «بعد خراب مالطة».. ثم يأتى الآن ليعاود الهجوم على قانون التظاهر، مهوناً من قدرة الدولة على تنفيذه، ومؤكداً أن الإخوان فصيل لا يعترف بالنظام الحالى، فكيف ينصاع إلى قوانينه!.. وكأنه يُعطى مسوغاً للعنف والفوضى التى تأتى بها الجماعة فى الشارع، وأنها غير معنية بالقانون، ولا يخصها، لأنها ليست من دين الحكومة، وكأن القوانين، فى أى دولة، تصدر خاصة بالبعض دون البعض الآخر، وعلى الحكومة مراعاة ذلك مع الإخوان!
هذا كلام أزعجنى من محرر فن فى إحدى المجلات المتواضعة، رفعه بعض رجال الأعمال العرب إلى مصاف الكبار الذين يتقاضون عشرات الملايين أجراً سنوياً لظهوره على إحدى الفضائيات، بثقافة ضحلة وأفكار غير مرتبة، ومواقف تتذبذب فى اللحظة ألف مرة، ليكون سواءً بسواء مع رئيس حزب «مصر القوية» الذى أعلنها صريحة بأنه سيخرج للتظاهر دون استئذان مسبق، فى تحدٍ لإرادة الدولة.. فماذا تفعل الحكومة التى شكك صاحبنا فى قدرتها على حماية قوانينها؟
يعيبون على حكومة الببلاوى ضعفها، وعلى رئيس الوزراء تردده.. نعم، قد يكون ذلك صحيحاً.. فقد اتفق مع جبهة الإنقاذ على مناقشة القانون الذى صدر وإصلاح بعض عواره، ثم ما بث أن أعلن أنه لا تراجع عن ذلك القانون.. لماذا؟.. لأنه ومنذ اللحظة الأولى لصدوره، بدأت محاولات كسره والخروج عليه، من الجماعة التى تتآمر قياداتها الآن مع المخابرات التركية لوضع خطة اقتحام للسجون المصرية مرة ثانية، فى ذكرى 25 يناير القادمة، ومع خلية أديس أبابا التى تخطط لتنفيذ عمليات انتحارية ضد قيادات الجيش.. وليتحقق ذلك، لابد من استمرار الفوضى فى الشارع وعدم إعطاء الفرصة لخارطة الطريق حتى تكتمل، وتظهر آثارها الإيجابية التى تمناها الشعب فى 30 يونيو.
هذا رهان الجماعة، فماذا تفعل الحكومة؟.. وما رهان التيارات السياسية التى شاركت فى 25 يناير و30 يونيو؟.. أعرف أنه استقرار البلاد وتحقيق أهداف الثورتين، فى «عيش، حرية، عدالة اجتماعية، وكرامة إنسانية»؟.. صحيح أن ذلك لم يتحقق بعد، لكن مرد ذلك إلى أن أحداً لم يمنح الدولة الوقت للقيام بذلك، لكن الفوضى فى الشوارع، والإرهاب فى سيناء، ومحاولات الاغتيال المتكررة، والبؤر الإجرامية فى كرداسة وتوابعها، كانت أمور حتمية بالمواجهة والتصفية، وكان لابد من قانون ينظم المظاهرات، لعله يردع من كان تواقاً لمزيد من العنف والفوضى.. وكان على الثوار المخلصين، أبناء الثورة الحقيقيين، تفهم ذلك والمساعدة على تحقيقه، بدلاً من أن يضع هؤلاء أنفسهم فى مواجهة الدولة، وهم الذين انتفضوا من أجلها، طمعاً فى غدٍ أفضل لهم ولها.
أرانا، وفى اللحظة التى يجب أن نتوحد فيها على قلب مصر، انتصاراً لها دون غيرها، نذهب فى الطريق المعاكس، شيعاً وأحزاباً، يتنافر بعضها، ويتجاذب البعض الآخر، لكنهم جميعاً بعيدون عن القلب، البلد، الوطن الذى لابد أن نحرص على وحدته وسلامته، لأن الذئب يتربص بالغنم الشاردة، يعصف بها بلا هوادة، وإن أبدى لها شيئاً من المودة، أو أمد لها حبالاً من المحبة، فهى فى النهاية الخناق الذى سيخنقها به، لأن رهانه هو إسقاط هذا البلد، وبأيدى أبنائه، لكنه لن يسقط أبداً، بحفظ الله له، ومحبة أبنائه.. والله غالب على أمره.
هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.