«الصاع صاعين».. كيف ثأرت «بحرية مصر» من إسرائيل وأبكتها على إيلات
رغم أن إغراق المدمرة " إيلات " تم في شهر أكتوبر 1967، اَي قبل نصر أكتوبر المجيد بقرابة الست أعوام إلا أنه محطة مهمة جدًا للتمهيد للنصر ورفع الروح المعنوية للشعب المصري وجيشه، بعد الخروج من الهزيمة الثقيلة لأرواحهم عقب النكسة، فما فعلته القوات البحرية في هذه العملية يعد من أعظم الانتصارات البحرية في التاريخ البحري الحديث، وغيرت الكثير من المفاهيم والقناعات الراسخة في المعارك البحرية، لذا جعلت هذا الحدث الواقع بيوم الحادي والعشرين من أكتوبر عيدًا سنويًا لها.
هذا النصر الذي حققه رجال القوات البحرية في أول معركة صاروخية بحرية من زوارق خفيفة ضد مدمرة كبيرة في التاريخ وبداية الانتصارات المصرية، مُمهدة بذلك الطريق إلى حرب الاستنزاف ورائه سنوات من التخطيط، ويذكر اللواء سمير فرج، مدير إدارة الشؤون المعنوية الأسبق والخبير الاستراتيجي، في أحد اللقاءات التلفزيونية، أن العملية كانت ثأرا طويل المدى، استطاع الجيش المصري حينها تنفيذه ضد هذه القطعة البحرية.
- حكاية الثأر لمدمرة مصرية حملت اسم إبراهيم الأول
و يكمل اللواء فرج أن بريطانيا في الأساس هي من صنعت المدمرة إيلات عام 1942، وبدأت إبحارها عام 1944، وتم إعدادها للمشاركة في الحرب العالمية الثانية ضمن الأسطول البريطاني، وفي عام 1955 وافقت الحكومة البريطانية على بيع مدمرتين من نفس الطراز لإسرائيل، سميت الأولى "ايلات" والثانية "يافا"، وكان ثمن الواحدة 35 ألف جنيه استرليني، وتم تجديدها وصيانتها في ترسانة بريطانية، ثم دخلت الخدمة الى سلاح البحرية الإسرائيلية.
وتابع بعد وقت قصير من وصول المدمرة "إيلات" شاركت في معارك العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وخاصة في معركة اصطياد المدمرة المصرية "إبراهيم الأول"، الذي تغير اسمها بعد ذلك إلى "المدمرة حيفا"، ومن هنا تعمد الرئيس جمال عبد الناصر لتوجيه القوات البحرية لضرب نظيرتها الإسرائيلية في مقتل، لا سيما أن دور سلاح البحرية الاسرائيلية في حرب 1967 بقيادة العميد "شلومو ارال"، ضعيفا للغاية حتى أنه فشل في كل المهام التي أوكلت إليه، فمقاتلو الكوماندوز البحري "الوحدة 13" وقوات أخرى من سلاح البحرية الاسرائيلية تم تكليفها بمهاجمة ثلاثة موانئ في سوريا، ولكنهم فشلوا في تنفيذ المهمة فشلا ذريعا.
وأضاف كما أن قوة بحرية اسرائيلية اخرى تمكنت من التسلل الى ميناء بور سعيد ولكنها فشلت في تعيين الأهداف المحددة لها، وكانت هناك غارة بحرية اخرى للوحدة البحرية الاسرائيلية 13 على ميناء الإسكندرية وفشلت فشلا ذريعا، ونجحت البحرية المصرية في أسر 6 جنود إسرائيلية، مشيرا إلى أن إسرائيل حينها تباهت بالإبحار عبر مضيق تيران والسيطرة على شرم الشيخ دون معارك من خلال قوة من ثلاث سفن توربيدو بقيادة ابراهام شيتا بوتشر، نائب قائد سلاح البحرية الاسرائيلية، وبعد احتلال سيناء في 1967 توسعت مهام سلاح البحرية الاسرائيلية.
- " إيلات".. عقبة وضعها الجيش الاسرائيلي لتعطيل الملاحة بعد النكسة
واستطرد مدير إدارة الشؤون المعنوية الأسبق والخبير الاستراتيجي، بعد هزيمة 5 يونيو 1967 تملكت نشوة الانتصار البحرية الإسرائيلية، وأخذت المدمرة إيلات تخترق المياه الإقليمية المصرية فيما يشبه استعراض القوى، وفي 5 يونيو كانت قد صدرت الأوامر بخروج زورقين من البحرية المصرية في مهمة استطلاعية أمام شاطئ بورسعيد، وكان الزورق الأول بقيادة النقيب عوني عازر، والثاني بقيادة ممدوح شمس، فاكتشف الإسرائيليون وجود القطعتين البحريتين المصريتين وأطلقوا عليهما النار، وتم تدمير زورق النقيب ممدوح شمس.
فقرر عازر أن يثأر لما وقع بزميله فأمر بتجهيز الصواريخ، وقرر القيام بعمل انتحاري وتوجه إلي المدمرة مصطدما بها بقوة واستشهد هو ورجاله محدثا إصابات كبيرة في إيلات، التي تم سحبها إلي ميناء أشدود ليتم إصلاحها، وبعد إصلاحها عادت مرة أخري لاستفزازاتها العدوانية في المياه الإقليمية المصرية، وفي 21 أكتوبر 1967 تم رصدها، وصدرت الأوامر من قائد القوات البحرية بتدميرها وخرج لنشان صاروخيان لتنفيذ المهمة
وبين أنه عندما أطلق اللنش الأول صاروخا حقق إصابة مباشرة جعل المدمرة تميل علي جانبها، وعلى إثر الصاروخ الثاني غرقت المدمرة شمال شرق بورسعيد بعد الخامسة مساءً، ويعد ذلك اليوم أكبر برهان على قوة وعزيمة رجال القوات البحرية، يوم أن قامت لنشات الصواريخ بملحمة بحرية استطاعت أن تلقن العدو فيها درسا قاسيا بإغراق أكبر وحدة بحرية له أمام سواحل المدينة الباسلة "بورسعيد".
وأكمل " فرج " ان سبب التباهي بهذه العملية محليًا وعربيًا هو اعتبار إغراق إيلات من أهم التطورات في مجال الحرب البحرية الحديثة التي حدثت خلال النصف الأخير من القرن العشرين، فقد كانت هذه العملية هي الأولى من نوعها في التاريخ لاستخدام الصواريخ سطح - سطح في الحرب البحرية، ونتج عن نجاح استخدام هذه الصواريخ تغييرًا شامًلا لمفاهيم التكتيك البحري في العالم بأُثره.