الحيلة المكشوفة
صندوق خشبى، ملفوف بعلم مصر، موضوع على الأرض، والكل يصلى على من بداخله صلاة الجنازة.. مشهد يتكرر كثيراً الآن، واسم الجسد المسجى داخل الصندوق يختلف فى كل مرة، بل وتشاركه أسماء أخرى فى مرات، بين شهداء من القوات المسلحة، وآخرين من الشرطة..
صورة استفقت على ملامحها وأنا أقرأ «تويتة» كتبها ابنى الذى حصر ستة من دفعته، خريجى أكاديمية الشرطة برتبة نقيب، استشهدوا حتى يومين سابقين، برصاص الغدر والخيانة، وهم لم يبدأوا بعد الحياة أو يذوقوا طعم البيت والأسرة والعيال الذين يحملون اسمهم بعد مماتهم، لأن نداء الواجب قد شغلهم، منذ تخرجهم، وراحوا جميعاً جنوداً فى سبيل الوطن، يتمنون الشهادة، كما عبر عن ذلك والد أحدث هؤلاء الشهداء، النقيب أحمد سمير محمود بكير، ضابط العمليات الخاصة الذى استشهد الخميس الماضى، أثناء ملاحقته وزملاؤه عناصر إرهابية فى محافظة القليوبية، متورطة فى اغتيال الشهيد المقدم محمد مبروك، الضابط بقطاع الأمن الوطنى، الأسبوع الماضى.
وكأنه دم يُدفع ثمناً للبحث عمن أراق دماً سابقاً، وكأن مصاصى الدماء لم يشبعوا بعد من الدماء، إنما تزيدهم شرهاً وعطشاً للمزيد من أرواح الشهداء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.. وفى كل الأحوال، هم الأوفياء للوطن، مثال الشجاعة والإقدام والتضحية بأرواحهم، فداءً لمصر وشعبها.
شاهدت فى مدينة القنطرة غرب، كيف قبّل المشاركون فى تشييع جنازة أحد أبناء قواتنا المسلحة ــ ضحية الغدر بأتوبيسهم فى رفح - رءوس جنود الشرطة العسكرية المشاركين فى تشييع زميلهم الشهيد، بإذن ربه، وقالوا «الخونة يحصدون أرواح الأبرياء كل يوم، ولابد من الضرب بيد من حديد لمواجهة الإرهاب الغاشم».. وأبكانى قول والد الشهيد ــ وهو إمام وخطيب مسجد ــ «أنا وأولادى فداءٌ لمصر»، فهل يعّقِل الخونة هذا القول؟، وهل يدرك العُملاء معنى كلمة «مصر»؟.. والغريب العجيب، أن يُعلق حزب الحرية والعدالة على مهازل طلاب الإخوان فى جامعة الأزهر، المدفوعين بوعى غائب وأجر مدفوع، لإحراق الأخضر واليابس فى هذا الصرح التعليمى والرمز الدينى، صاحب المهابة والمكانة، عربياً ودولياً، ببيان يقول «إن السلطة بتصرفاتها، تحاول صرف الأنظار عن فشلها فى تحقيق الأمن للمصريين وحماية الجنود فى سيناء»!.. بل الأعجب من هذا، ما قاله المتحدث باسم ما يُعرف بـ«التحالف الوطنى لدعم الشرعية» من أن «صوت الطلاب نجح فى تحقيق نقلة نوعية لثورتنا!.. ولكنى أستشرف موجة ثورية جديدة، مُعطّرة بالدماء الذكية لطلاب مصر، تطيح بالانقلاب»، على حد تعبيره!.
هل رأيتم هذا الجنون، من ضعفاء يختبئون فى أوكارهم، ويدفعون بأبنائنا الطلاب، فى معركة تستهدف الوطن وأمن المجتمع، والثمن المدفوع هو دماء هؤلاء الطلاب دون أحد من قيادات الإخوان؟!.. تعساً للمؤامرة إذا استهدفت الوطن، على أيدى أبناء هذا الوطن.. وتعساً لمن يبيع أرواح أبنائنا لمن يدفع من متآمرى الغرب والشرق، من هؤلاء الذين شاهدنا كيف يختبئون كالخراف المذعورة، حتى إذا ما طالتهم يدُ العدالة، ظهروا أمام الكاميرات يبتسمون ابتسامة، هى لتوهان الطير المذبوح أقرب من الانتصار فوق مأساتهم التى يعيشونها ولا يعترفون.. لأجد زميلى يسألنى كالمعتاد منه: هل رأيت العنف فى مواجهة طلاب الأزهر؟.. لأرد عليه بأن تدخل الشرطة فى جامعة الأزهر نتيجة وليس سبباً.. اسأل نفسك، منذ متى والطلاب يعيثون فساداً وتخريباً، فى جامعة الأزهر وغيرها، والصبر طال، حتى كفرنا بهذا الصبر الذى أصبح مرادفاً لضعف المسئولين عن المواجهة الحاسمة لإنقاذ البلاد من متاهة، يقول عنها حزب الحرية والعدالة «فشل السلطة»!.
فى رأيى المتواضع، أن حزب الحرية والعدالة، بعبارته الأخيرة، اعترف بالمخبوء بدلاً من تعرية المنظور.. فما مظاهرات طلاب الإخوان فى الأزهر وغيرها من الجامعات إلا بتحريض وتمويل من تنظيمهم الدولى لإشعال البلاد ناراً، وتقديم صورة مغلوطة عن أن السلطة الحالية، سلطة فاشلة، كما يدّعون.. وللحديث بقية.
■ رئيس تحرير موقع الجمهورية الإلكترونى
هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.