«كارثة وظاهرة صحية».. كيف يرى النقاد زيادة دور النشر في مصر؟
ازداد عدد دور النشر في مصر خلال السنوات العشر الأخيرة حتى قارب الـ1000 دار، وهو الأمر الذي طرح سؤالًا حول ما إذا كانت هذه الزيادة ساهمت في نشر الثقافة أم أنها أفرزت منتجات رديئة أثرت سلبًا على الإبداع المصري؟
بداية يقول الناقد الأدبي الدكتور يسري عبدالغني: «للأسف الشديد لدينا مئات دور النشر قليل منها هو الجيّد، لذا أرى أن كثرة دور النشر بمثابة كارثة على الإبداع فكل مَن هب ودب الآن يستطيع أن يفتتح دكانًا ويسمّيه دار نشر، وللأسف منتجات هذه الدكاكين رديئة، لأن هؤلاء لا يعلمون أن الثقافة ليست تجارة، وأعتقد أن التاريخ سيديننا جميعًا على ذلك».
ويضيف عبدالغني: «أقول لأصحاب دور النشر المعتمدة على الربح وليس القيمة اتقوا الله في الإبداع».
ويقدم عبدالغني روشتة العلاج فى 4 حلول هي:
1- اتحاد الكتاب عليه مسؤولية كبيرة في ضبط مسار الكتابة في مصر، وذلك بعدم قبول مَن لا يجيد الكتابة وألا يتعلق الأمر بتقديم 3 أغلفة وهذا لا يعني رغبتي في فرض رقابة على الكتب، بل اطلب فصل الغث عن السمين.
2. النقاد عليهم مسؤولية كبرى، وأولها عدم مجاملة أنصاف الموهوبين من الكتاب، فلو أن الناقد تعامل مع المنتج الأدبي بحيادية لاختفت ظاهرة الكتب الرديئة في مصر.
3. رقم الإيداع. من المعروف أن لكل كتاب رقم إيداع وللأسف أي كتاب يحصل على رقم إيداع رغم أن الجمعية الوطنية في باريس لكي تعطي رقم إيداع لا بد وأن تقرأ العمل فإذا كان العمل مكتوبًا بطريقة سليمة أجازته، وهنا أؤكد للمرة الثانية لا أقصد حجرًا على الإبداع بل أقصد ضبط البوصلة حتى لا نفاجأ بمؤلفات لا تستحق ثمن الورق.
4. يجب أن نفعّل معيار الاقتباس والأمانة على الكتب كما هو موجود في الرسائل العلمية، حتى يتشابه نص مع نص أو يسرق كاتب كاتبًا آخر.
ويتابع عبدالغني: «كما أرجو من الدولة إلغاء تحديد 50 نسخة للكتاب وأن تكون النسبة المقررة 500 نسخة على الأقل».
أما الناقد الأدبي الدكتور شريف الجيار فلم يغرد بعيدًا عن رأي سابقه، إذ يقول: «في الحقيقة أن الهيئة العامة للكتاب هي أقدم دار نشر في مصر والشرق الأوسط وهي المنوط بها أن تنشر الإبداع المصري والعربي منذ عقود، ولكننا نلحظ في الفترة الأخيرة ظهور العديد من دور النشر الخاصة وهذه الظاهرة لها دور إيجابي في استيعاب ما يزيد على طاقة المؤسسات الحكومية الخاصة بالنشر مثل الهيئة المصرية العامة للكتاب وجزء من الهيئة العامة لقصور الثقافة وجزء من المجلس الأعلى للثقافة والمركز القومي للترجمة».
ويضيف: «بالتالي هذه الدور أحدثت حالة من الرواج وتنشيط السوق التجاري للكتاب، خصوصًا أن دور النشر تتواجد في المعارض الدولية ما جعل المنجز الإبداعي العربى يأخذ حقه على الصعيد الدولي».
وأما عن الجانب السلبي فيقول «الجيار»: «كل ما ذكرناه من إيجابيات لا ينفي أن بعض دور النشر الخاصة تنشر مؤلفات رديئة وليست على المستوى المطلوب مما يضر بالثقافة المصرية والعربية لأنها تصدر أفكارًا غير منطقية وإبداعًا مشوشًا من الممكن أن يقرأه الشباب فيعتقدون أنه الإبداع الأمثل».
وعن الحلول فيقول «الجيار»:
أولًا: لا بد من أن يكون لكل دار نشر لجنة استشارية للقراءة يكون موثوق في نزاهتها ومهارتها لتنحي الأعمال الرديئة حتى يكون الإصلاح من الداخل دون وصاية أو رقابة خارجية ولجان القراءة معمول بها في كل دول العالم، وفي كل المؤسسات الثقافية للنشر في مصر.
ثانيًا: النقاد عليهم مسؤولية كبيرة في تقييم هذه الأعمال إذا ما دعوا لقراءتها قبل النشر أو بعد النشر، فإذا توفرت لدى الناقد الموضوعية والرؤية النقدية يستطيع أن يقول «هذا الكتاب جيّد وهذا الكتاب لا يصلح للنشر».
ومن جانبه، قال الروائي محمد صالح البحر إنَّ كثرة دور النشر أثّرت بالسلب في الثقافة المصرية لأن الكثير منها يهدف إلى الربح وليس إلى إثراء الحياة الثقافية بمنتجات أدبية تضيف إلى الإبداع، فليس من الهيّن.
وأرجع «البحر» هذه الحالة إلى تقلّص دور مؤسسات النشر الحكومية التي يجب أن يكون لها دور أكبر من ذلك، لأن ما ينشر اليوم هو تاريخ الوطن في المستقبل.
أما الإذاعية والروائية نهى الرميسي فلها رأي مغاير، إذ تقول: «أرى أن كثرة دور النشر ظاهرة صحية وليس العكس فكثرة المعروض من المنتج الإبداعي يفيد ولا يضر وهو يعطي مساحة أكبر للاختيار بين الصالح والطالح وفي الأخير لا يبقى إلا الجيّد من الأعمال، كما أن الدور التي تنشر مؤلفات رديئة تندثر مع مرور الوقت لأن ما تنتجه مخالف للذوق العام».