عبء أمني واقتصادي .. لماذا لا تحتاج إسرائيل لضم المستوطنات والغور؟
مع اقتراب موعد الضم المقرر في أول يوليو المقبل، ومع تزايد المؤشرات التي ترجح تأجيله أو الإكتفاء بخطوة رمزية، يبدو أن التيار الذي كان يرى أن ضم إسرائيل للضفة الغربية وغور الأردن "غير ضروري" هو من سيفوز في تلك المعركة.
الذريعة الأمنية التي يحاول أنصار الضم استخدامها كمبرر هي حجة لا تتلاءم مع الواقع، فبسط السيادة على هذه الأراضي بشكل معلن وأمام عيون العلم، سيكلف إسرائيل الكثير، وفعلياً لن تجني منه فوائد، خاصة في مرحلة السلاح المنحني المسار الحديث.
فعلى سبيل المثال، غور الأردن فقد أهميته الأمنية بالنسبة لإسرائيل، بعد التطور المذهل في الصواريخ، فلم تعد السيطرة على عشرات الكيلومترات داخل هذه الأرض ستحمي إسرائيل من تهديد الصواريخ الإيرانية وأي سلاح منحني المسار، وهناك من يرى أن استمرار السلام بين إسرائيل والأردن، أهم من التواجد العسكري الإسرائيلي في الغور.
وبالنسبة لمستوطنات الضفة، فهي كما يبدو ليس لها قيمة أمنية بالنسبة لإسرائيل، بل على العكس، هي عبء أمني واقتصادي؛ فالضم سيمنح الفلسطينيين وضعاً قانونياً كمقيمين دائمين شبيهاً بوضع الفلسطينيين من سكان القدس الشرقية، سيجبر إسرائيل على إعطائهم حقوق تعليم وصحة وضماناً اجتماعياً وغير ذلك، والمزيد من الأعباء الاقتصادية التي على إسرائيل أن تتحملها.
الضم سيدهور الوضع في الضفة وسيفرض على إسرائيل استثمارات كبيرة أخرى، وسيزيد العداء في اوساط الفلسطينيين، الغضب الفلسطيني سيزداد وأيضاً الرد الإسرائيلي، وهو ما يعني المزيد من الضحايا في الجانبين.
الضم فعلياً، لن يغيّر الواقع الإسرائيلي، فإسرائيل موجودة بالفعل على هذه الأرض، في الواقع، أراضي الضفة الغربية وغور الأردن ضُمت تلقائياً منذ وقت طويل. كل من زار هذه الأماكن في الـ53 عاماً الأخيرة رأى ذلك. فُرضت سيادة إسرائيلية على المستوطنات منذ لحظة إقامتها. سكانها يصوتون للكنيست ويدفعون ضرائب، وأحياناً يخدمون في الجيش الإسرائيلي، بل وحتى يوجد أيضاً مستوطنان في المحكمة العليا.
فلماذا إذن رغبة نتنياهو في الضم ؟
نتنياهو متحمس لتطبيق الضم كمشروع شخصي له، هو يريد خطوة كبيرة يرضي بها المستوطنين، ويغازل بها الإنجليين، والأهم هو صرف الانتباه عن محاكمته، ويتجاهل حقيقة أن طوال 53 عاماً امتنع قادة إسرائيل مثل مناحيم بيجن ويتسحاق شامير أو أريئيل شارون من اتخاذ قرارات الضم في الضفة، فإذا كانت حقاً بهذا القدر من الأهمية، لمذا لم يقدم عليها أي من الروؤساء حكومات إسرائيل السابقين.
فلو اعتبرنا أن هناك رغبة ناتجة عن أيدولوجية في تجسيد حلم ارض إسرائيل الكاملة، سواء بصيغة الوعد الإلهي أو بصيغة القومية العلمانية، فإن نتنياهو كما يبدو يتجاهل حقيقة أن إسرائيل لا تتحرك في العالم بمفردها، وأن هناك شبكة دولية ومنظومة عالمية لها قواعدها، فضم مناطق بشكل أحادي الجانب غير مقبول اليوم في العالم.