«تجار الموت».. «ترابية» يرفعون أسعار المقابر لـ100 ألف جنيه
شقّت سيارة تكريم الموتى طريق الامتداد المظلم في مدينة 15 مايو، في اتجاهها إلى مقابر الموتى، تتبعها سيارتان تحملان ذوي المتوفي، الذي كُرم في السيارة دون تغسيل، بعدما لفظ أنفاسه الأخيرة بمنزله يوم 15 إبريل 2020 بعد انتصاف الليل، كأحد ضحايا فيروس كورونا.
لا تغسيل لموتى كورونا في الغالب، خوفًا من العدوى وتقويضًا الجائحة، لكن لا دفن لهم هو أمر في غاية الصعوبة، واجهه «عادل.م» 26 عامًا، في مقابر مدينة 15 مايو (حكومية) بتلك المنطقة، بعدما توفي والده جراء الإصابة بالفيروس، ورفض التربي المسؤول عن المقابر السماح لهم بالدخول من أجل دفن الجثمان.
يقول عادل: «بمجرد علمه أن والدي توفي جراء الفيروس استدعى بعض العائلات الأخرى المشاركة معنا في المقابر، ورفضوا دفنه أيضًا، وطالبوني بدفنه في الصحراء بعيدًا عن هنا، حتى لا يسبب لهم عدوى أثناء زيارة موتاهم، وبعد مشاجرات عديدة استطعت دفنه في مقابر مجاورة وليس مع العائلة».
ذلك الأمر تكرر مع أكثر من ذوي متوفي جراء الفيروس، كالطبيبة التي رفض أهل قرية شبرا البهو بمحافظة الدقهلية دفنها، فأصبح الآن أن تجد قبر لدفن موتى الفيروس هو أمر غالي الثمن، لاسيما أن أسعار المقابر ارتفعت بعدما زاد الإقبال عليها بشدة، فارتفاع أسعار المقابر الحالي ربما يعود إلى حالات الوفاة المتزايدة، الأمر الذي دفع كثيرون إلى رفع سعر المقابر استغلالًا لتلك الأزمة، لاسيما مع لجوء كثير من المواطنين إلى الاحتياط بشراء مقابر خاصة وليست حكومية من أجل دفن موتاهم حال إصابتهم بالفيروس.
حسين شوقي، 42 عامًا، تربي في مدافن السيدة زينب، يقول إن أسعار المقابر بالفعل ارتفعت في تلك الفترة بشدة بسبب استغلال الأزمة، فكانت قبل الجائحة تصل إلى 40 ألف جنيهًا، لكن الآن تبدأ من 50 ألف جنيه وقد تصل إلى حد 80 ألف على حسب المنطقة والشكل الخاص بها.
وأضاف: «إذا كانت المقبرة لديها خانتين واحدة للنساء وآخرى للرجال، ممكن أن تصل إلى 100 ألف جنيهًا، وهناك العادي والمميز، لكنها أسعار بالفعل جديدة وارتفعت في الفترة الحالية، ربما بسبب الخوف من الموت بسبب فيروس كورونا».
وتابع: «بعض الترابية يرفضون دفن موتى كورونا لاسيما المقابر التي طرحتها الحكومة أو التي يتشارك فيها أكثر من عائلة، لأنهم يخشون انتقال العدوى لهم أثناء زيارة موتاهم، رغم أنها دائرة قد تدور ويصاب أحدهم ويحتاج ذويه دفنه في ذات القبر».
البعض بالفعل لجأ إلى شراء مقابر خاصة من أجل الاستعداد من الآن، من بينهم الحاج رشوان علي، 65 عامًا، الذي منذ بداية الجائحة لم يتحرك سواء هو أو زوجته من منزلهما إلا للضرورة القصوى: «نحن الأثنان من كبار السن ومعرضون للإصابة والموت أكثر من أي شخص آخر».
أصول رشوان وزوجته من المنوفية، ومقابر العائلة الخاصة بهم هناك، لكنه يخشى أن يصاب إحداهم بالفيروس ويرفض أهل قريته السماح بدفنه في مدافن العائلة، لذلك عمد إلى شراء مدفن خاص في منطقة الوايلي بالقاهرة وتعتبر قريبة من منزله بمنطقة دار السلام.
يقول: «المقبرة لم تكن سوى جزئين فقط ولا تحوي سوى مكانين ليّ أو لزوجتي إذا تعرض إحدانا للإصابة والموت، لكن سعرها مرتفع فقبل الجائحة حين سألت عنها كانت 25 ألف جنيهًا، أما الآن دفعت 50 ألف جنيهًا أي إنها ارتفعت إلى حد الضعف».
وقبل شهرين من الآن، أعلنت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة للشئون التجارية والعقارية، طرح حجز 600 مقبرة جاهزة للمسلمين بمدينة 6 أكتوبر بمساحة 40 م2 للمقبرة، بنظام القرعة وبما يتفق مع أسعار السوق دون الإفصاح عن تلك الأسعار.
وخصصت 510 مقبرة لقاطني مدن (6 أكتوبر – حدائق أكتوبر – 6 أكتوبر الجديدة – الشيخ زايد) و90 لقاطني محافظة الجيزة (أحياء وضواحي)، بنظام حق الانتفاع، أي بسحب كراسة الشروط واختيار من تنطبق عليهم فقط.
وخارج القاهرة، ترتفع أكثر أسعار المقابر، فبلغ سعرها بمحافظات الصعيد 150 ألف جنيهًا، وفقًا لـ"حسام.غ" سمسار مدافن بمحافظة قنا، الذي أكد أن الأسعار زادت خلال الفترة الأخيرة ولا تتخطى المساحة 50 مترًا فقط للمقبرة الواحدة.
ويبين السمسار أن سعر الـ150 ألف هو الأقل على الإطلاق حتى الآن، فكلما اقتربت من المدن كانت أعلى، مرجعًا ذلك الارتفاع الذي وصفه بالجنوني في الأسعار إلى خوف كثيرون من عدم إيجاد مقابر لدفن ذويهم الذين توفوا جراء الفيروس.
ووصلت أزمة الأسعار إلى البرلمان، حيث قدم خالد مشهور عضو اللجنة التشريعية، طلب إحاطة إلى رئيس الوزراء حول ارتفاع أسعار المقابر بأرقام غير مسبوقة، قائلًا: «سعر المقبرة 5 نجوم يتراوح ما بين 400 ألف إلى مليون جنيه حسب المكان والتشطيب، فهي تفوق أسعار الوحدات السكنية في الأماكن المميزة؛ ليصبح المواطن البسيط خارج الحسابات في الحياة وفي الممات».