وصرخ الشاب.. من اليأس
فجأة.. دوى صوت يزعق فى وزير القوى العاملة، كمال أبو عيطة، قطع استرسال الوزير فى كلمته أمام المؤتمر الصحفى الذى انعقد مساء الثلاثاء الماضى، لإطلاق حملة «نورت مصر»، لتدعيم السياحة المصرية ودعم المشروعات الصغيرة لشباب الخريجين،
الذين لا يجدون عملاً منذ تخرجهم وحتى الآن.. كان الشاب الذى تجاوز الثلاثين من عمره، يصرخ من يأسه، يحاول إيصال صوته إلى المسئول عن العمل فى حكومة الدكتور الببلاوى، وفى محفل عام، لعله يجد لها حلاً.. سألته عن المشكلة، فأجابنى بأنه لم يحصل بعد على ثمار الثورة التى شارك فيها مع الوزير، منذ أن كانا زميلين فى ميدان التحرير يهتفان ضد الفساد الذى جثم على صدر مصر لأكثر من ثلاثين عاماً، وكلما توسم هو ــ والشباب من أمثاله ــ الخير فى يوم قادم، اتضح أنه أسوأ من سابقه، من مثل العام الأسود فى حياة مصر، المعروف بعام الإخوان.
ومع أن الجلبة عطلت بعض ما كان مقرراً للمؤتمر، إلا أن العذر كان مقبولاً لدينا.. نزل الوزير عن منصته واحتضن الشاب الذى يعرفه منذ أيام التحرير، وما كان الصراخ إلا من قبيل ما بينهما من مساحة مشتركة من النضال الثورى على مدى الأعوام الثلاثة التى قاربت على الاكتمال.
نعم.. صارت البطالة مشكلة كارثية، وقنبلة موقوتة تهدد استقرار المجتمع فى أى لحظة، بل إنها قد تنذر بثورة جياع إذا لم تسع الحكومة وكل الهيئات المعنية، ومعها منظمات المجتمع المدنى إلى القضاء عليها قبل فوات الأوان، خاصة أن تعداد العاطلين الآن تجاوز الثلاثة ملايين شاب، وربما تجاوزوا هذا الرقم، 60% منهم خريجو جامعات.. وليت أنها مشكلة تتضاءل من عام إلى آخر بحلول ناجعة، حتى ولو مرحلية، تضعها الحكومة وتقوم على تنفيذها، بل إنها مشكلة تتفاقم، دفعت إلى انتحار أحد خريجى كليات الهندسة، أصابه اليأس بعد طول انتظار لعمل لم يأته ويحقق له حياة كريمة.. وهذا مؤشر خطر، إذا ما تذكرنا أن الثورة التونسية قامت صدى لإقدام الشاب «بو عزيزى» على حرق نفسه فى سوق عام.. فهل ننتظر وقوع الكارثة؟!.
فى الماضى.. قام الصندوق الاجتماعى، التابع لمجلس الوزراء، بتقديم القروض لمشروعات الشباب الصغيرة، دونما استفاضة فى دراسات الجدوى لهذه المشروعات، وبلا رعاية لأصحاب هذه القروض ومساعدتهم فى تنفيذ مشروعاتهم بالشكل الصحيح، بل والحرص على إنشاء أوعية تسويقية تستوعب منتجات هذه المشروعات التى لابد أن يكون إنتاجها من خلال خريطة تسويقية تحدد متطلبات المجتمع من منتجات دون غيرها.. وكانت النتيجة أن تعثر الكثير منها، وبدلاً من أن ينعم كل خريج بثمار مشروعه، راح فى دوامة القرض الذى ضاع، ومواجهة تداعيات عدم وفائه بسداد ما اقترضه.
لكن ما يجب إيضاحه هنا، هو أن حل مشكلة البطالة لن يكون مسئولية جهة دون أخرى، بل هى مسئولية الخريج أيضاً، إذ من المهم أن نغير ثقافتنا، بألا ينتظر الشاب العمل فى نفس مجال تخصص شهادته الجامعية، ولكن عليه البحث فى جميع المجالات، حتى يجد عملاً كريماً، ولو مؤقتاً.. وللحقيقة فإننا نقابل فى كل يوم نماذج من هؤلاء الشباب الذين يعملون بعيداً عن مؤهلاتهم.. وعلى الحكومة مساعدة الشباب فى إقامة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، بشكل صحيح.. والأهم من ذلك، هو تبنى الدولة واحداً من المشروعات القومية الكبرى، كتلك التى طرح فكرتها العالم الدكتور فاروق الباز أو الدكتور ممدوح حمزة، وغيرهما.. فذلك أدعى إلى استيعاب الكثير من طاقات الشباب والحد من بطالتهم.
صدقونى.. البطالة من أصعب المشاكل التى يمكن أن تواجه دولة، وتكون سبباً فى انهيارها، لأن الشباب هم أساس أى دولة، ولابد من استيعاب طاقاتهم السلبية التى تدفع بهم إلى اليأس.. وساعتها لا يسألن أحد عمّا حدث.. أو لماذا حدث؟.
هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.