منها زيارة المقابر.. أساطير الاحتفال بالعيد في عصر المماليك
زاد نفوذ المماليك في مصر والشام منذ أواخر القرن السادس الهجري أو الـ 12 الميلادي، ويعتبر السلطان نجم الدين أيوب المسئول عن ازدياد نفوذهم على النحو الذي جعلهم يستولون على الحكم بعد وفاته مباشرة، وشعر المماليك بأنهم غرباء داخل المجتمع المصري، فلم يبذلوا اي مجهود للاندماج، ومنهم من لم يتعلم اللغة العربية من الأساس، وكانت علاقاتهم بالمحكومين علاقة كراهية وعلاقة مضطربة سياسيًا واجتماعيًا.
يتحدث اليوم لـ"الدستور" خبير الآثار الإسلامية "عبد العزيز عبد العظيم" عن كيفية احتفالات المصريين بالأعياد بطابع خاص في عهد المماليك، خاصة مع انتشار أفكار التشاؤم في هذا العصر.
كان المماليك يتشائمون عندما يأتي العيد يوم الجمعة، خوفا من زوال حكم السلطان الجالس على عرش السلطنة ففي عام 1498 ميلاديا وافق العيد يوم الجمعة، وتنبأ الناس بزوال السلطان "قانصوه الأشرفي" وهذا ما حدث بالفعل، ﻭفي عام 902 هجريا أمر السلطان في يوم الأربعاء 29 رمضان أن تدق أجراس القلعة لتعلن أنه نهاية رمضان دون انتظار رؤية الهلال، فرفض ﺍﻟﻘﺎﻀﻲ زين الدين زكريا، فقام السلطان بعزله.
قليل من السلاطين كانوا ضد هذه الاعتقادات التي سادت في بعض الوقت، ففي عام 1444م بدأ ذو الحجة يوم الخميس رغم أن الناس رأوا الهلال ليلة الأربعاء بعدة أماكن من الجوامع وغيرها، ولم يخبروا أحدا برؤيته إلا قليلا خوفا من أن يأتي العيد يوم الجمعة.
وعندما علم السلطان "جقمق" أنكر ذلك، وعنف من حاول أن يجنب توافق صلاة العيد يوم الجمعة، وأرسل للمحتسب وأمره بالنداء في البلاد أن من رأى هلال ذي الحجة ليلة الأربعاء فليؤدي شهادته عند القاضي الشافعي، ولما استوفيت الشروط نودي بأن العيد يوم الجمعة، فاعتمدوا ذلك وصلوا العيد يوم الجمعة.
وفي عام 1436م تعذر على الشهود رؤية هلال عيد الفطر مساء الأربعاء، ومن ثم إعلان الجمعة أول أيام عيد الفطر، فلم يقبل القاضي شهادتهم وردهم، عملا بالتشاؤم السائد وقتها، واستمر الجدل إلى أن احتفل جماعة من الناس بالعيد وصلوا في منازلهم يوم الجمعة اعتمادا على من رأى الهلال ليلة الأربعاء، وقيل إن القاضي فعل هذا محاباة للسلطان.
وكان بعض احتفال الناس بالعيد يتم في المقابر، التي كانت من أشهر أماكن التنزه والفرجة، وكانت النساء تركب الدواب في الذهاب والرجوع منها، وهناك يجتمع الرجال والنساء يغنون ويمرحون، كما كان القراء يقرؤون القرآن، وكان الواعظين يعظون الناس من فوق الكراسي والمنابر التي أقيمت بين القبور، ويحدثون الناس عن القصص الدينية، التي تجعلهم يتجمعون حولهم، وكان البعض يذهب إلى النيل، الذي تكتسي صفحته بالقوارب المليئة بالناس الذين يفرحون ويطربون، وهي نفس احتفالاتهم بعيد الأضحى.
وهذا ما جعل حكومة دولة سلاطين المماليك تنادي في شوارع القاهرة يوم 29 رمضان 1390793، ﻭﻫﻰ ﻟﻴﻠﺔ العيد، بمنع خروج النساء إلى الطرق، أو ركوب المراكب في النيل، وتهديد من يفعل ﺫﻟﻙ بإحراق ﺍﻟﻤﺭكب، حيث رأوا أن سلوك النساء تجلب المفاسد، خاصة مع اختلاطهن بالرجال واستحمام بعضهن في البرك، وتلصص بعض الرجال عليهن وهو ما يجلب الفتن، ولاموا على الأزواج السماح بخروج زوجاتهم إلى المقابر، حيث كن يستأجرن الدواب وهو ما كان يسمح لصاحب الركوبة بملامسة أجسادهن عند مساعدتهن على النزول أو الصعود.
كاﻥ ﺍﻟﻨﺎس يسهرون ﻟﺴﺎﻋﺎﺕ متأخرة ﻟﻴﻠﺔ العيد ﻓﻲ تجهيز الملابس، وهناك فئة أخرى كانت تفضل الاستماع ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺭآﻥ الكريم ﻭﺍﻷﺫكاﺭ، ﻭﻤﻊ ﻁﻠﻭﻉ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ يتوجه الرجال ﻷداء صلاة العيد، وهم يهللون ويكبرون حتى الوصول إلى ساحة الصلاة في موكب كبير، ليقوم الإمام بالصلاة، والذي كان يفضل أن يرتدي زي أبيض، وأن تكون خطبته قصيرة.
واعتاد المصريون تناول الأسماك في أيام عيد الفطر، وكانوا يتبادلون التهنئة عن طريق أطباق الكعك المحشوة بالتمر، الذي كان يجهز في أواخر شهر رمضان، وكان سوق "الحلاويين" من أبهج الأسواق في عيد الفطر بالذات، وكان معد لصنع الحلوى المصنوعة من السكر على أشكال الخيول، وكان الجميع يشترونها لأطفالهم، تلك الحلوى كانت منتشرة يوم العيد في أسواق الريف مثل المدن تماما.
كان سلاطين المماليك يهتمون بكسوة الكعبة، في إطار حرصهم على الواجهة الدينية لحكمهم، والذي قل الاهتمام به في أواخر عهدهم بعد زيادة حدة القتال بينهم.
ومن البدع التي ابتكرها المماليك "الجلبان" أو عفاريت المحمل، وهم مجموعة من المماليك يركبون خيولهم، وقد غيروا هيئتهم وارتدوا الأقنعة المخيفة، ويطرقون أبواب الأعيان والأمراء ويجنون منهم الأموال قسرا، وينزلون بهم أقصى أنواع المهانة، حتى وصل الأمر بهم إلى خطف النساء والأطفال والفسق بهم.
وكان الختان أحد المظاهر الاحتفالية، حيث كان يتم ختان الأيتام والفقراء مع أبناء الأمراء، ويتم صرف كسوة لهم مثل ما حدث أثناء ختان الأمير نجم الدين بن السلطان الظاهر بيبرس عام 1273م.