الشيخ إبراهيم حسن: الصوم يسمو بالإنسان إلى مرحلة الصفاء الروحي
أكد الشيخ ابراهيم حسن، إمام وخطيب بوزارة الأوقاف، أن الصفاء الروحي واليقين بالله وقدرته شرط من شروط الدعاء وإجابته، مؤكدًا أن الصوم يسمو بالإنسان إلى مرحلة الصفاء الروحي واليقين بالله تعالى.
وأوضح حسن، خلال كلمته الليلة في الحلقة السابعة والعشرين من حلقات برنامج "حديث السحور" الذي تقدمه وكالة أنباء الشرق الأوسط "أ ش أ" على مواقع الوكالة على (الفيس بوك) ويوتيوب على الروابط التي يتم إذاعتها يوميًا على الموقعين بمناسبة شهر رمضان الكريم، أن شهر رمضان وفي هذه الأيام المباركة التي نعيشها هي من أكثر أوقات إجابة الدعاء، داعيًا المسلمين إلى كثرة الدعاء لله تعالى في العشر الأواخر من رمضان لما فيهم من ليلة هي خير من ألف شهر ألا وهي ليلة القدر، مضيفًا علينا أن نتضرع إلى الله عز وجل ونطلب منه في كل وقت ما نريده، ونحن على يقين بأن ما هو موجود في القاموس البشري من شئ مستحيل ليس موجودًا في القاموس الإلهي لأن الله قادر على كل شيء وليس عند الله تعالى ما يسمى بالمستحيل، بل على الإنسان أن يدعو بما يظنه مستحيلًا.
وأشار إلى أن الناظر في آيات الصيام "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)، يجد أن هناك آية جاءت في وسطها ألا وهي "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ"، يريد الله تبارك وتعالى من خلالها أن يعلمنا أن من شروط إجابة الدعاء الصفاء الروحي واليقين به الذي ينتج عن الصوم.
وأضاف حسن: أن من علمنا الدعاء المستحيل هم الأنبياء، مستشهدًا بدعاء نبي الله زكريا عليه وعلى سيدنا محمد أفضل الصلاة والسلام حينما تضرع إلى الله بأن يجعل له وليا يرثه، قال تعالى "وَزَكَرِيّا إِذْ نَادَىَ رَبّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىَ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ " [سورة الأنبياء:89، 90]، لافتا إلى أنه في واقعنا المعاصر سنقول على هذا الدعاء مستحيل تحقيقه، لكن نبي الله زكريا كان لديه صفاء روحي وكان على يقين بأن الله عز وجل هو القادر على كل شيء" ولذا قال الله تعالى " قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6).
وتابع قائلا: مقدمات ثلاثة مستحيل مع واحدة منهن بحساباتنا أن ينجب زكريا، ومع ذلك دعا ربه لأنه كان على يقين بأن الله تعالى سيستجيب دعوته، مضيفا: بأنه مادام الانسان ذاكرا لله تعالى ومسبح بحمده وعلى يقين بأن الله عز وجل يستمع له فإن الله سيستجيب له، وليعلم كل منا علم اليقين بأن العطاء على قدر العاطي.. قال تعالى وهي لحظة القبول والإجابة والعطاء: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) ويتجلى العطاء الإلهي بألا تكون الإستجابة لدعوة زكريا بالولي أو الولد فقط، ولكن العطاء الرباني اللامحدود يتجلى في قوله تعالى:"قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15)" آيات مباركات فيها الصفاء الروحي والتسبيح والذكر والدعاء والاستجابة والعطاء على خلاف المأمول في الواقع ولما لا والمنادى والمجيب هو الله صاحب الجود والكرم.
وأشار حسن إلى ما جاء على لسان سيدنا أيوب ويونس عليهما السلام، أيضا حينما تضرعا إلى الله تعالى كل بدعائه كشف الضر عنه والنجاة من بطن وهو في بطن الحوت بدعاء من الممكن أن نقول عليه في زماننا من المستحيل تحقيقه، ولكن الله تعالى استجاب له قال تعالى "وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) "أما ذا النون فجاء قول الحق سبحانه وتعالى بشأنه "وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)"، وكذلك ما جاء في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام وقومه، قال الله تعالى " قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)"، ومن ثم علينا أن ندعوا الله عز وجل في هذه الأيام المباركة وأن نكون على يقين بأنه لا يوجد مستحيل على الله تعالى.. تضرعوا إلى الله واطلبوا منه عز وجل واعلموا أن الله قريب وأنه تعالى أقرب إلينا من حبل الوريد.