ما الذى يحدث فى ليبيا بعد إطلاق الجيش عملية «طيور الأبابيل»؟
فى ٧ مايو الجارى، أعلن الجيش الوطنى الليبى عن إطلاق العملية العسكرية «طيور الأبابيل»، لدحر العدوان التركى والموالين له من ميليشيات حكومة «الوفاق» غير الشرعية برئاسة فايز السراج، فى إطار محاولات الجيش المستمرة لتحرير العاصمة طرابلس وكامل الأراضى الليبية من الإرهابيين.
وقبلها بنحو أسبوع، كشف المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطنى الليبى، عن إلغاء «اتفاق الصخيرات»، الموقع بين القوى السياسية فى ليبيا، عام ٢٠١٥، وقبوله تفويض الشعب الليبى لحكم البلاد، وذلك بعد تدشين العديد من الحملات الشعبية التى تطالبه بذلك.
ما الذى جرى فى عملية «طيور الأبابيل»؟ وما دلالة التفويض الشعبى لـ«حفتر»؟ وهل هناك سيناريوهات محددة متوقعة للوضع فى البلاد أم لا؟ أسئلة تحاول «الدستور» الإجابة عنها بلقاءات مع قادة عسكريين ونواب ليبيين فى السطور التالية.
العميد خالد محجوب: أحبطنا محاولة أردوغان استعادة «الوطية».. وقضينا على أغلب المرتزقة
كشف العميد خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوى فى الجيش الليبى، عن أن عملية «طيور الأبابيل» العسكرية تعتبر مرحلة من عملية «طوفان الكرامة»، التى أطلقها المشير خليفة حفتر، فى العام الماضى، بهدف تحرير العاصمة طرابلس من الإرهابيين.
وأوضح «المحجوب» أن «طيور الأبابيل» ترتكز على تنفيذ غارات جوية لتدمير أهداف لوجستية للإرهابيين، مثل المخازن وغرف العمليات التى تستخدمها القوات التركية وميليشيات حكومة «الوفاق» ومرتزقتها، مضيفًا: «سننجح كما نجحنا فى تدمير أهداف عسكرية حيوية لهم فى معيتيقة وطرابلس ومصراتة وغيرها من المناطق».
وتوقع أن يرسل الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ٣٠ ألف مرتزق سورى لدعم ميليشيات «الوفاق» الإرهابية، فى محاولة لحفظ ماء وجهه، بعدما فاجأه الجيش الوطنى بإحباط محاولة الإغارة على قاعدة «الوطية»، والقضاء على أغلب المرتزقة فى المعارك، ما أجبر الضباط الأتراك على القتال بأنفسهم، مشددًا على أن الجيش لهم بالمرصاد.
وإلى جانب إرسال المرتزقة، توقع «المحجوب» أن يرسل «أردوغان» أيضًا المزيد من الدعم للميليشيات الإرهابية، مثل الطيران المسير والذخيرة ومدافع «الهاوترز» وقذائف صاروخية ومضادات دفاع جوى، لأنه يعلم أن ضباطه الآن هم من يُقتلون فى المعركة، وبعدما فشل فى الثأر لنفسه عقب دحر قواته فى ترهونة، إلى جانب أسر أكثر من ١١ ألف إرهابى فى يوم واحد، فى إحباط هجوم «الوطية».
وبَين أن قاعدة «الوطية» هى معسكر مهم وقاعدة استراتيجية للجيش، وجرى تحريرها من الميليشيات الإرهابية، ما حرم الإرهابيين من السيطرة على غربى ليبيا، وأعطى أفضلية للجيش فى المعارك المقبلة، لذلك حاول المرتزقة استعادتها مجددًا بهجومهم الفاشل، يوم الثلاثاء الموافق السادس من مايو، والذى تسبب فى مقتل ٤٥ إرهابيًا، من بينهم قادة وآمر كتائب منضوية فى صفوف ميليشيات «الوفاق»، مع وقوع أكثر من ١٧٠ جريحًا، معظمهم ممن هجموا فى وقت سابق على مدينتى صبراتة وصرمان.
وقال مدير إدارة التوجيه المعنوى فى الجيش الليبى: «أردوغان تفاخر بعدما أخبره مرتزقته فى ليبيا بأنه سيستقبل أخبارًا سارة قريبًا، وكان يقصد هجوم الوطية، لكن رد الجيش كان أسرع».
وأضاف: «فى وقت سابق قبل هجوم الوطية، خاض الجيش اشتباكات قوية بمحيط منطقة العقربية ضد هذه الميليشيات، وغنمنا منهم كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر والآليات العسكرية، وقتلنا وأصبنا العشرات منهم».
وكشف عن أن غرفة العمليات التركية فى ليبيا هى التى قادت بنفسها الهجوم على «الوطية»، مستخدمة الطائرات دون طيار، بجانب البوارج الحربية التركية المتمركزة فى موانئ طرابلس، وأفراد من القوات الخاصة التركية، إلا أن الجيش نجح فى دحرهم.
ولفت إلى إرسال «أردوغان» أكثر من ٧ آلاف عنصر من المرتزقة السوريين إلى طرابلس، مؤخرًا، لدعم ميليشيات «الوفاق» بشكل عام، ومساعدتها بشكل خاص فى السيطرة على قاعدة «الوطية».
وأوضح أن هؤلاء الإرهابيين ساعدوا سجناء مدينتى صبراتة وصرمان على الهروب، لأن ذلك فى مصلحتهم، فهم مستفيدون من خروج الإرهابيين مجددًا والجنائيين كذلك، لمحاولة الاستعانة بهم فى الحرب ضد الجيش الليبى، بعد الخسائر التى تعرضوا لها فى كل محاور القتال.
ونوه بأن عملية تحرير ليبيا وطرابلس غير مرتبطة بتفويض الشعب الليبى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد، فالجموع تخرج دائمًا لتأييد الجيش فى عموم البلاد، والقوات المسلحة مستمرة فى الدفاع عن الأراضى الليبية قبل التفويض وبعده، لأن قضية تحرير عموم ليبيا، خاصة طرابلس، من الجماعات الإرهابية ليس بها تراجع على الإطلاق من قبل الجيش وقيادته العامة.
قائد «عين زارة»: دمرنا عشرات المعدات والطائرات التركية
أكد اللواء فوزى المنصورى، آمر محور «عين زارة» بقوات الجيش الوطنى الليبى، تكبد ميليشيات «الوفاق» خسائر فادحة، حينما حاولت السيطرة على قاعدة «الوطية»، موضحًا أن هذه الميليشيات «خسرت عشرات المعدات العسكرية المتقدمة التى أرسلتها تركيا، بجانب عشرات الطائرات المسيرة التى جرى تدميرها».
وعن تهريب الميليشيات لسجناء مدينى صبراتة وصرمان، قال: «هذا تصرف طبيعى من حكومة الوفاق، لأنها ضد قيام دولة فى ليبيا تحمى الشعب والجميع من ويلات الإرهاب، لذا من الطبيعى أن يساعد مئات الإرهابيين والمجرمين الذين هربوا من السجون هذه الميليشيات، فمن مصلحتهم جميعًا عدم بناء الدولة واستمرار حالة الفوضى وعدم الاستقرار فى ربوع ليبيا».
وأضاف: «لكن الجيش مستمر فى عمله لتحرير ليبيا بالكامل، قبل وبعد التفويض الشعبى الذى منحه الليبيون للجيش وقيادته بتولى إدارة شئون البلاد واستكمال مهمته فى تطهير جميع ربوع ليبيا من الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية».
وانتقد عدم تصدى أوروبا لأنشطة تركيا الخبيثة فى ليبيا، موضحًا أنه «رغم إطلاقها عملية إيرينى لمنع وصول الأسلحة والمرتزقة إلى ميليشيات طرابلس، ما زالت تركيا ترسل عتادًا للإرهابيين».
واعتبر ذلك مرتبطًا بالسياسة وألاعيبها والمصالح المشتركة بين الجانبين، معقبًا: «لذلك لم نرَ مساعدة لوقف تدفق أطنان الأسلحة وآلاف المرتزقة الذين أرسلتهم وما زالت ترسلهم تركيا إلى ليبيا، عبر البحر والجو، ليمارسوا التخريب والتدمير فى ليبيا، بالتعاون مع حكومة الوفاق وميليشياتها، لكن الجيش ستصدى لكل هذا».
النائب سعد امغيب: نحتاج لمجلس عسكرى يدير المرحلة الانتقالية وإلغاء «اتفاق الصخيرات»
أشاد سعيد امغيب، النائب فى البرلمان الليبى، بقبول المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطنى الليبى التفويض الشعبى وإسقاطه «اتفاق الصخيرات» الموقع عام ٢٠١٥، وإطلاقه لعملية «طيور الأبابيل» العسكرية لتوحيد التراب الوطنى.
وقال «امغيب»: «المجتمع الدولى ما زال يعتبر حكومة الوفاق شرعية، رغم أنها لم تحصل على ثقة البرلمان حتى اليوم، لهذا أراد المشير خليفة حفتر إيصال رسالة للعالم بأن الشعب بطوائفه ومناطقه جنوبًا وشرقًا وغربًا وشمالًا يرفض اتفاق الصخيرات وحكومة طرابلس».
وأضاف النائب: «تلك الرسالة وصلت حين خرجت جموع الشعب الليبى لتفويض القوات المسلحة والقيادة العامة للجيش، التى أوشكت على تحرير طرابلس بالكامل من الميليشيات والمرتزقة والأتراك».
وانتقد استمرار المجتمع الدولى فى دعم حكومة «الوفاق»، رغم أنها السبب فى ما تعانيه ليبيا الآن، بجانب طلبها التدخل التركى فى البلاد، ومساهمتها فى جلب آلاف المرتزقة، متابعًا: «المجتمع الدولى هو من فرض علينا الاتفاق السياسى، وحكومة السراج سبق أن ذهبت إلى البرلمان مرتين ولم تحصل على ثقة المجلس».
وهاجم صمت المجتمع الدولى بشكل رهيب على التدخل التركى السافر فى ليبيا، وعدوان أنقرة على الشعب الليبى، وقصف المدنيين والمنشآت الطبية ومحطات الوقود، بهدف تحقيق مصالح لها من وراء تشتت وضعف الدولة الليبية.
وأوضح أن تحقيق هذه المصالح يتم عبر جلب الإرهابيين من كل بقاع الأرض، بالتعاون مع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، محذرًا من أن الأعداد الهائلة من الإرهابيين ستحول ليبيا إلى بؤرة جديدة للتنظيمات التكفيرية، مستشهدًا بأن العاصمة طرابلس تعج الآن بآلاف الإرهابيين.
ووجه الدعوة للدول العربية ودول الجوار الليبى بأن تدرك الخطر القادم من سيطرة الإرهاب وتركيا على ليبيا، والتحرك لوقف هذا الأمر، ودعم خيار الشعب الليبى، وآخر مشاهده تفويض القوات المسلحة لإدارة شئون البلاد للخروج بأقل الأضرار.
وتحدث عن الموقفين الجزائرى والتونسى تجاه ما يجرى فى ليبيا، قائلًا: «الرئيس الجزائرى عبدالمجيد تبون قال إنه بعد اتفاق برلين الذى عقد فى يناير الماضى، دخلت آلاف الأطنان من الأسلحة إلى ليبيا، وحذر من تهديد ما يجرى فى ليبيا لبلاده».
وفيما يتعلق بتونس، رأى أن حركة «النهضة» لا تزال تناور وتتعاون مع حكومة «السراج»، وتسهل وصول الدعم التركى والميليشيات إلى ليبيا، مشيرًا إلى أن الكثير من الحقوقيين والنواب التونسيين تحدثوا عن هذا الأمر، وحذروا الحكومة والرئيس التونسى من التعاون مع حكومة «السراج» والأتراك فى تدمير ليبيا، واستمرار دعم تركيا فى إرسال الأسلحة إلى هناك.
وتوقع أن تتخذ المعارضة فى تونس خطوات تلجم تحركات النظام ومحاولاته لدعم تركيا فى السيطرة على ليبيا والإقليم العربى بالكامل والبحر الأبيض المتوسط.
وحول خارطة الطريق والإعلان الدستورى الجديد، المقرر طرحهما لإدارة المرحلة المقبلة، توقع «امغيب» أن يتضمن الإعلان إسقاط «اتفاق الصخيرات» السياسى، وإسقاط الإعلان الدستورى القائم، الذى أصدره المجلس الانتقالى الليبى فى وقت سابق، معتبرًا ذلك خطوة مهمة من أجل تأسيس مرحلة انتقالية جديدة فى ليبيا، إلى جانب تشكيل حكومة وطنية.
ورأى أنه سيتم تحديد مدينة عاصمة للبلاد بشكل مؤقت، بسبب سيطرة «الوفاق» والميليشيات على طرابلس، وتحديد أسقف زمنية محددة للاستحقاقات المقبلة، وتحرير العاصمة من الميليشيات، على أن يسبق الإعلان الدستورى تشكيل مجلس عسكرى أو جهة تتولى إصدار هذه الترتيبات.
ووعد بأن يدعم البرلمان «الإعلان الدستورى» الذى قد يصدره الجيش فى وقت قريب، فى حالة حظى بدعم المجتمع الدولى وجامعة الدول العربية أو بعض الدول الإفريقية، مضيفًا: «حينها لن يكون أمام مجلس النواب سوى الاعتراف بهذا الكيان الجديد، أما إذا كان هناك تباطؤ من قبل المجتمع الدولى فإن مجلس النواب سيظل قائمًا وسيظل يمارس مهامه».
واعتبر أنه لا يوجد تعارض بين مبادرتى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وخطة المشير خليفة حفتر، اللتين تطرحان تولى القوات المسلحة إدارة شئون البلاد، متابعًا: «يمكن السير فى تنفيذ المبادرتين معًا، فمبادرة الجيش طلبت إسقاط المجلس الرئاسى وحكومة الوفاق غير الشرعية برئاسة فايز السراج، والبرلمان طلب سحب موافقته على اتفاق الصخيرات السياسى فى يناير الماضى، وكلا الهدفين متوافق».