«درس قاس».. قصة محمد نادي من الاستهانة بكورونا حتى الوفاة به
"الدستور" تحاور أصدقائه وأهله: "استهان بالفيروس وسخرنا منه".. وآخرون: "كان نعم الرجل والخلق"
فيديو مدته دقيقتان، تناقله كثيرون من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ظهر فيه شاب يتحدث عن جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19"، بتأكيده أنه مجرد وهم أنتجته دول خارجية للسيطرة على العالم، و"أن الموت بيد الله فقط"، ولن يكون بسبب الفيروس.
محمد النادي، الذي يعمل في قطاع السياحة، قال بمقطع الفيديو الذي نشر بتاريخ 16 مارس الماضي على صفحته: "أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة، دي عقيدتنا ودينا، كورونا فزاعة وأونطة وطعم إحنا بنبلعه، مجرد دور برد عادي محدش يخاف".
لم يمر سوى 9 أيام حتى أصيب الشاب بالفيروس وبدأ في إطلاق فيديوهات تحذيرية للجميع بالتزام البيوت وعدم الاستهانة به، من داخل مستشفى العزل الصحي بمدينة 15 مايو، والتي تم حجزه بها وتوفي داخلها جراء إصابته بالفيروس.
"محمد" ليس فردًا واحدًا، بل يمثل قطاعا عريضا من الشعوب حول العالم التي لازالت تستهين بفيروس كورونا، رغم قضائه على 286 ألف شخص وأصاب 4 ملايين آخرين، وتخطت الإصابات في مصر تعداد الـ10 آلاف حالة.
"الدستور" اقتربت أكثر من كواليس ما حدث مع الشاب محمد النادي، بالحديث مع عدد من أصدقاؤه وأقاربه إلى جانب أطباء نفسيون يفسرون ظاهرة الاستهتار التي تصيب بعض الشباب تجاه الفيروس والحلول العملية لها.
محمد سعد: "النادي شعر بالكارثة بعد فوات الآوان.. وكان خلوق وجدع"
يروي محمد سعد، أحد أصدقاء الشاب محمد النادي: "في يوم 16 مارس اللي فات محمد عمل فيديو لاقى انتشار واسع كان بيأكد فيه أن فيروس كورونا مجرد مؤامرة سياسية عالمية ومفيش فيروس ولا حاجة وده وهم وأن المصريين مش بيأثر فيهم حاجة زي كده، لكن في نهاية شهر أبريل اللي فات كان هناك خبر صاعقة بالنسبة لينا إن محمد أصيب بالفيروس وهو شغال في قطاع السياحة، لكن إصابته كانت بعد فوات الآوان، لأن أفراد من عائلته خالطهم خلال فترة إصابته".
يقطن النادي وفقًا لصديقه في شبين الكوم بالمنوفية، وأصيب من بعده والده الذي تم عزله في مستشفى الصدر بشبين وشقيقه في مستشفى حميات القوات المسلحة، وعزل هو في مستشفى 15 مايو، مبينًا: "بدأ من وقتها رحلة جلد ذاته والندم على الاستهانة بالفيروس".
أوضح أن صديقه قبل أيامه الأخيرة كان يستغيث بأي أحد ينقذ والده وينقله مستشفى أفضل، وينقله هو بسبب ارتفاع درجة حرارته بشدة، مشيرًا: "الجميع تعامل مع استغاثته بنوع من السخرية وأنه مبالغ في أدائه، إلا أنه كان يشعر بألم شديد نتج عنه وفاته ومشاركتنا في دفنه بالفعل".
اختتم: "النادي كان شاب خلوق للغاية وجدع وطيب وابن بلد، إلا أن استهتاره بالفيروس كانت نتيجته كبيرة، ولازال والده وشقيقه يدفعان التمن إلى الآن، ويعانين بعد إصابتهم بالفيروس ربما يكونا اقتنعا بحديثه أيضًا".
محمد رفعت: "والده وشقيقه يدفعان الثمن حاليًا.. ومحمد كان بيجري ورا لقمة العيش"
محمد رفعت، صديق آخر للشاب محمد النادي، قال: "الدرس كان قاسي جدًا على محمد وعلينا وعلى ذويه، الذين لازالوا يدفعون الثمن إلى الآن، وملخص الدرس أن الفيروس قاتل ويعتبر وباء مينفعش الاستهانة بيه وأن الناس لازم تلتزم بيوتها".
أضاف: "محمد كان بيجري ورا لقمة العيش لأنه مينفعش يسيب شغله ويقعد في البيت، لكن مكنش بيأخد احتياطات وقائية خصوصًا مع طبيعة عمله في السياحة، بسبب اعتقاده أن الفيروس مجرد وهم ولعبة سياسية، استهان بالوباء وأنكره وفي النهاية توفي بسببه، وكان هدفه لقمة العيش بدل قعدة البيت، محدش بيموت من الجوع بس بيموتوا بالكورونا، خصوصًا أن المنوفية فيها مناطق صناعية لازالت شغالة لحد دلوقتي بكامل طاقتها".
اختتم: "حاليًا والده الحاج النادي وشقيقه بهاء الاتنين بيعانوا في مستشفيات العزل الصحي بسبب عدم وجود أجهزة تنفس صناعي، وهما اللي بيدفعوا التمن حاليًا، لكن القصة كلها أصبحت درس قاسي مر على الجميع للتعلم منه وعدم الاستهتار بالوباء".
طبيب نفسي: "الاستهانة بالفيروس تزيد من قوة انتشاره"
الدكتور محمد مهدي، استشاري الطب النفسي بجامعة الأزهر، رأى أن الأزمة ليست في استهانة البعض بفيروس كورونا وقدرته على قتل الإنسان خلال أيام، ولكن سخرية هؤلاء من الآخرون الذي يتخذون جميع التدابير الوقائية اللازمة.
أوضح مهدي أن الاستهتار قد يكون ناتجا عن خوف جم، يحاول صاحبه أن يتخفى خلف عدم اللامبالاة من شدة خوفه من الفيروس، مبينًا أنه سلوك نفسي سيء يضعف الجهاز المناعي ويضلل الآخرون لاسيما أن كانوا على ثقة بذلك الشاب.
وعن خطورة فكرة الاستهانة بالفيروس قال: "يدفع ذلك كورنا للانتشار بشكل خارج عن السيطرة، لأن اعتياد الشيء أو الاستهانة به يقلل من فكرة الاجراءات الوقائية وينتج عنه شعور بالاستسهال".
بخاتي: إصابة محمد كانت مفأجاة لينا كلنا لقوته الجسمانية
أحمد بخاتي، صديق آخر لـ"محمد نادي" قال: "محمد كان من أطيب الناس اللي قابلتها بالرغم من قوة بنيانه الجسمي ولياقته البدنية، إلا أنه لم يستخدم هذه القوة إلا في مساعدة الناس وكنا دائمين الهزار معه ونقول (لو كنا زيك في قوتك كنّا قفلنا شوارع) ليكون رده علينا (العافية والصحة مسيرها للدود)".
أضاف: "كان مستهتر بالفيروس وكان دايمًا يقول مفيش فيروس ولا حاجة سيبها على ربنا؛ وكان دائمًا ينزل من غير كمامة أو جوانتي في يوم من الأيام أو حتى كان حريص على استخدام الكحول، كان ماشي بالبركة".
تابع: "وللأسف مع أول يوم حس بالتعب دخل المستشفى، وتسبب في عدوى والده وأخوه وزوجته وقام بكتابة بوستات على فيسبوك يصف فيها إحساسه بالمرض وما يشعر به من تكسير في العظام وحرارة مرتفعه، وبالرغم من وجوده 14 يوم بالمستشفى ولكن حالته لم تتحسن أبدا بالرغم من قوةً مناعته وللأسف مات بعد الفيديو الذي بثه عبر صفحته الشخصيه بدقائق".
فرويز: تزايد أعداد الإصابة والوفاة بكورونا نتيجة استهتار الشباب
دكتور جمال فرويز، أستاذ الصحة النفسية بجامعة القاهرة؛ أكد أن إرتفاع أعداد المصابين من فيروس كورونا وكذلك المتوفيين يعكس استهتار الشعب المصري بخطورة الفيروس على حياتهم؛ ونظرًا لأن 10% فقط من المواطنين يشاهدون فقط البرامج الإخبارية والثقافية بينما 90% يفضلون برامج الترفيه والدراما وغيرها.
قال فرويز، إن الأسرة والمجتمع لم ينجحا سويًا في تشكيل وعي المواطن الذي يظهر في وقت الأزمات ويعكس مدى انضباطه بالتعليمات والإجراءات الضرورية، لذا فإن ما يحدث من خرق لأوقات الحظر وعدم الالتزام بإجراءات السلامة والوقاية أدى لما نحن عليه الأن من كارثة بارتفاع أعداد الوفيات والمصابين.
أشار إلى أن كثيرًا من الناس أصبح لديهم هوس ورعب مبالغ فيه من الفيروس بعد ارتفاع الأعداد لدرجة وصلت للانهيار العصبي خوفًا على أنفسهم وعلى عائلاتهم من خطر الإصابة؛ وهناك أخرون يعتمدون على مبدأ الاتكالية في كل شيئ، وهم سبب الأزمة، حيث يعتقدون دائما أن الله سينجيهم من كل شر دون الأخذ بالأسباب أو الاحتياطات اللازمة وللأسف هم الفئة الأكبر.
وأضاف أستاذ الطب النفسي جامعة القاهرة أن إعلان الحكومة لعودة الحياة لطبيعتها بعد عيد الفطر المبارك ينذر بكارثة في ظل عدم الوعي بخطورة الأمر؛ مشيرًا أن الناس خائفة من إعلان مرضها أو إصابتها بالفيروس خوفًا من التنمر عليها، ويمارسون حياته بشكل طبيعي فتزيد أعداد المصابين، لذا فإن عودة الحياة لطبيعتها ينذر بكارثة إذا لم يلتزم الشعب بإجراءات الوقاية والسلامة.
طبيب نفسي: لا بد من التعريف بالفيروس لعدم الاستهتار به
دكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، أوضح أن الشعب المصري بطبيعته دائما ما يبني قناعاته على الخبرة الحسية والملموسة، لذا فإن فيروس كورونا بالنسبة له غير معترف به لدرجة وصلت للاستهتار والتعامل باستخفاف معه.
أضاف: "قام البعض بعمل حلوى للأطفال على شكل فيروس كورونا، أيضًا الفقر والجهل والمرض ساعدو بشكل كبير على زيادة هذا الاستهزاء بالفيروس يعززها من الناحية الصحية معاناة الشعب المصري مع العديد من الأوبئة مثل الإيدز والسارس وإنفلونزا الطيور والخنازير وغيرهم من الأوبئة التي تغلب عليها الشعب المصري وبالتالي أصبح لديه قناعة أنه الشعب الذي لا يقهر ولديه تاريخ من النجاحات في القضاء على الأوبئة فتعامل بهذا الاستخفاف مع المرض".
وذكر هندي أن ما عزز ذلك الشعور بالاستهزاء بالمرض عند الشعب المصري أن الأخير من أكثر الشعوب التي تتأثر بالشائعات، حيث أكدت بعض الإحصائيات أن هناك نحو 65 مليون إشاعة ومعلومة مغلوطة تم بثها عبر تطبيق الـ"واتس أب" فقط منذ ظهور فيروس كورونا في العالم، وهو ما أدى لحالة من البلبلة وتشكيل ذهني خاطئ ومتضارب للتعامل مع الأزمة لدرجة أن البعض كفر بكورونا وأعتبرها لعبة سياسية من الحكومات على شعوبها فضربوا بعرض الحائط الالتزام بالإجراءات أو سُبل الوقاية منها.
وأضاف ساعد أيضًا في تعميق هذا الشعور بالاستهتار بالمرض الإعلام المضلل لبعض قوى الشر وشيوخ الفتنة، اللذين حسوا الناس على العناد والوقوف أمام قرارات الحكومة ودعوهم لإقامة الصلاة والتجمع خلسة على أسطح المنازل أو في الشوارع أمام المساجد.
وأشار إلى أن فئة الشباب هذه الأيام يفتقد الصلابة النفسية والقدرة على تحمل الشدائد؛ لأنه لم يتعب في شيئ ولم يعش الأزمات الطاحنة التي عصفت بالبلاد والأسرة المصرية.