ثناء هاشم: نهاية «القمر آخر الدنيا» تحمل مضمون وفلسفة العمل
ظلت الدراما المصرية لفترات طويلة تتراوح بين ثنائية طبقتين من طبقات المجتمع المصري٬ طبقة الأثرياء الجدد فاحشي الثروة والجاه والسلطة٬ والمهمشين المتروكين على قارعة الحياة لا أحد يدري عنهم شيئا، إلا أن السيناريست الدكتور ثناء هاشم، غردت خارج السرب٬ وقدمت هذا العام مسلسل "القمر آخر الدنيا" عن رواية "طعم الحريق" للكاتب محمود الورداني، وفي سباحة ضد التيار اختارت "هاشم" الأصعب٬ انحازت للطبقة الوسطى في المجتمع٬ تلك التي تعبر مساحتها في أي مجتمع عن مؤشر صحته وعافيته.
في "القمر آخر الدنيا" تقدم ثناء تشريح للطبقة الوسطى وتحولاتها٬ وما أصابها من خلل ومتغيرات أصابت أفرادها بما ينعكس على المجتمع بشكل عام، وهو ما تبينه "الدستور" في حوارمع هاشم.
ــ ما الذي لفتك إلى رواية "طعم الحريق" للكاتب محمود الورداني لتحوليها لمسلسل درامي؟
رواية الورداني كانت ملهمة إلى حد بعيد منذ أن قرأتها من سنوات، هي رواية صغيرة الحجم تدور في فترة زمنية معينة ترجع لأكثر من عقد في تاريخ مصر وتشكل الظروف السياسية وقتها بطلا أساسيا في الرواية، ولكنني التقطت الفكرة الأساسية لدى الكاتب ورمزية اختفاء الأم ونسجت حولها عالم آخر يخصني قمت ببنائه في زمن معاصر ارتأيت أنه مناسب للمعالجة والخطوط والأفكار التي قمت ببنائها حول الفكرة.
هناك قاعدة في الكتابة عندما نتناول فترة زمنية خلت تقول "تذكر أنك تتناول التاريخ من أجل الحاضر"، فلو لم تكن هناك ضرورة ملحة للرجوع بشكل فعلي للوراء فسحب دروس التاريخ على الحاضر بشكل ضمني وهضمه عضويا أوقع وأكثر موضوعية وهذا ما قمت بعمله بالفعل.
ــ أيا من الشخصيات التي كانت أصعب في كتابتها؟
شخصيات المسلسل الرئيسية جميعها كان رسمها مجهدا بالنسبة لي، الأبناء الثلاثة كان يجب بناء شخصياتهم بدقة لتبيان الفروق الجوهرية في سلوكهم ومفهومهم للحياة ونقاط ضعفهم وقوتهم وشكل علاقتهم ببعضهم وبالعوالم الخاصة بهم لتشق طريقها بشكل منطقي وسلس، وهناك شخصيات تمردت علي أثناء الكتابة وأصرت على بناء يخصها بشكل غريب وفرضته بقوة وهي ظواهر تحدث لكل كاتب عندما تصبح الشخوص حية وتحاول الاستقلال على صانعها مثل شخصية مجدية وفريال وجلال.
ـــ هل دارت بينك وبين فريق العمل ومخرجه مناقشات حول فكرة السيناريو وطريقة تنفيذه؟
للأسف لضيق الوقت ودخول المسلسل خريطة العرض في شهر رمضان لم تتم مناقشات مطولة مع المخرج قبل التنفيذ٬ لكن ما سمح به الوقت من مناقشات مع منتجة العمل شيرين مجدي ومخرج العمل تامر حمزة وعبير سليمان التي بذلت جهد مقدر في تسويق النص كان معقولا ليبدأ التصوير في ظروف صعبة ويوضع على خريطة العرض الرمضاني.
وبشكل عام أنا حذرة في التدخل في عمل المخرج إلا في الحدود التي يرتأيها هو حتى لو كانت هناك اختلافات فهي بلا شك في إطار رؤيته واحساسه وفهمه الخاص للعمل٬ وكاتب السيناريو يعتبر محظوظا إذا كانت عقليته وروحه متسقة إلى حد بعيد مع عقل وروح المخرج.
وتعتبر فترة ما قبل التصوير والمناقشات الأولى فترة الحضانة التي تتقارب فيها الرؤى والأفكار، أما وقت التنفيذ فالأمر يختلف ويصبح العمل مسؤولية المخرج بشكل كامل، هكذا تعلمنا أدبيات المهنة من أساتذتنا الكبار.
ـــ كيف تم اختيار أبطال المسلسل٬ وهل كان لك دور في اختيارهم؟
اختيار الممثلين مسؤولية المخرج وقراره ولكن كان هناك بعض المشاورات الودية في الترشيحات وأنا بشكل شخصي راضية وسعيدة بغالبية النجوم الذين تم إسناد الأدوار لهم بشرى، مؤمن نور،عمر عابد، ثراء جبيل، ساندي، هدى الإتربي، وضيوف الشرف، جميعهم دافئين وأضافوا وهجا لأدوارهم، ولعل الممثل الجيد ليس هو الممثل الأسطورة، وإنما الممثل الذي يشعرك أنه خلق لهذا الدور ولا يسمح لعقل المتفرج أن يفكر في بديل له في الدور أبدا.
ــ ألم تخشي من الكتابة عن الطبقة الوسطى وسط زخم دراما تتراوح ما بين فاحشي الثراء والمعدمين؟
منذ تسعينيات القرن الماضي والسينما والتليفزيون نفضا أيديهما بشكل هروبي من الطبقة المتوسطة٬ ربما بوعي أو بدون قصد، والتي تمثل غالبية قوام مجتمعنا، وبدت الدراما سابحة في عوالم افتراضية، أنا لم أقصد أن أغرد خارج السرب، أنا أكتب عمن أعرفهم وعما أعرفه وأستشعره، كنت أحلم أن أكتب عن الحياة كما نعيشها لا كما نتخيلها فحسب، أن أكتب عن بشر من لحم ودم، وآمل أن أكون قد وفقت.
ــ خلال كتابتك للمسلسل ما الذي رصدته من متغيرات أصابت الطبقة الوسطى خلال الــ40 عاما الماضية؟
أهم ما كان يميز الطبقة الوسطى بكافة شرائحها على مر الزمن هو الترابط والتقارب الشديد بين أفرادها والقيم المتشابهة التي توحد بينهم، وهو ماكان يميزها عن الطبقات العليا والدنيا في المجتمع، ومن ثم كان التشتت والاغتراب والفرقة والأنانية، إلخ من الأعراض المرعبة السرطانية التي مزقتها من قلبها لأسباب كثيرة سياسية واجتماعية واقتصادية طرأت على حياتنا وهو لب ما حاولت طرحه في المسلسل.
ـ أيهما الأصعب، تحويل عمل أدبي لسيناريو درامي أم كتابة السيناريو مباشرة؟
الكتابة بكل أشكالها ليست بالأمر اليسير سواء مرتكزة على عمل أدبي أو فكرة أصيلة للكاتب، والصعوبة واليسر تكمن في كيفية البناء والتناول وليس من أين تأتى الفكرة، فهناك مثل يقول أن الله يهب الشاعر البيت الأول، ثم بعد ذلك يأتي ماهو أصعب وأهم.
ــ هناك أخبار متواترة عن أن نهاية المسلسل مفتوحة٬ فلماذا لجأت لهذا التكنيك؟
النهاية المفتوحة بالمناسبة لا تعني أن الكاتب عجز عن وضع نهاية لعمله فيترك الخطوط مفتوحة ويفر، النهاية المفتوحة هي نهاية محكمة وتكون حتمية في بعض البنى الدرامية لتفتح رؤى وتحدث تمدد فكري وفلسفي وعاطفى فى عقل وروح المتفرج مثل نهاية فيلم أحلام هند وكاميليا، أما عن نهاية مسلسلي فهي ليست مفتوحة بالمعنى الدقيق ولكنها نهاية تحمل كل مضمون وفلسفة العمل وآمل أن تبقى وتظل مع المتفرج وتلح على عقله، ومنذ أن كتبت المسودة الأولى للعمل ونهايته تلوح لي بشكل واضح ولم أتزحزح لحظة عن وجودها واعترف أنها ستبدو غريبة على ماهو معتاد في الدراما التليفزيونية ولكنها نابعة من نسيج العمل وفلسفته ورمزيته وأصيلة في نفسي وليست مفتعلة وأتعشم أن تصل لعقل وروح المتفرج المتابع للمسلسل من أوله.
ــ يبدو المسلسل رحلة يتعرف من خلالها الأبطال عن ذواتهم٬ هل المحك هنا الرحلة ذاتها أم في نتائجها وما يسفر عنها؟
أنا مولعة بالرحلة فى التراث الإبداعى الإنسانى للحد أننى أقوم بتدريس كورس كامل فى معهد السينما لطلاب قسم السيناريو عن الرحلة فى الأدب كأحد الأشكال الكبرى الأم للتراث الانسانى الإبداعى، ولولاها ما تقدم وعى البشرية وما اكتشف الإنسان ذاته والعوالم الأخرى، وفي الإبداع لابد من وجود مفتتح للرحلة كشعلة النار التي تؤذن بسير القوافل قديما ولابد من وجود هدف وبحث عن شيء ما ليعيد أبطال الدراما اكتشاف ذواتهم ونؤسس لفكرتي التحول والتغيير اللذين هما عماد الدراما منذ أرسطو وحتى الآن، وغياب الأم ورحلة البحث عنها هنا هي المفتتح لهذا الغوص في أعماق الشخصيات وليس بناء تشويقيا تقليديا حول شخص مفقود في صفحة الحوادث بجريدة، الأمر أبعد من هذا بكثير وأعتقد أن غالبية المشاهدين فطنوا بشكل فطري لهذا البناء وهو ما كنت أرجوه وأتمناه ليتمكن المتفرج من مشاهدة المسلسل مرة أخرى مستمتعا بالتفاصيل وليس منتظرا لنتيجة البحث ويمضي بعد ذلك، وهذا البناء هو ما سيحيلنا مرة أخرى لحتمية تصميم نهاية المسلسل التي ستكشف بجلاء الهدف من هذه الرحلة برمتها من أولها لآخرها.