مرسى.. الإمام المحجور
غداً صباحاً، تبدأ محاكمة القرن الثانية، بوقوف الرئيس المعزول محمد مرسى فى قفص المحكمة بتهم عديدة.. هذه المحاكمة التى تعد تحدياً للدولة المصرية ومؤسساتها السياسية والأمنية، لكى تثبت مصر أن نظام الإخوان قد سقط فعلياً، وأنه مهما فعل مؤيدوه بمصر وأهلها، من الإفساد والتقتيل والتظاهر، فإن عجلة التاريخ لن تعود إلى الوراء، حتى ولو نفذ مرسى طلبات التنظيم الدولى بالإصرار أمام المحكمة على «أنا لست متهماً.. فأنا مازلت الرئيس الشرعى للبلاد»!.. وقبل أن نستطرد.. دعونا نقف على مدى شرعية مرسى لحكم البلاد من عدمها، وطبقاً لأصول الفقه الإسلامى، الذى لابد وهذه مغالطة منى أن تكون جماعة الإخوان ورئيسهم المعزول على علم أكيد بها.
فى فقه الإسلام، وهو فقه التطبيق، بما يتناسب مع الزمان والمكان فى الواقع الحالى، فإن الحاكم أو الإمام إذا جاء من خلال الشعب، فبالتالى عندما يعزله الشعب، لابد أن يخضع للأمر حتى لا تحدث فتنة أو تتم إراقة الدماء، كما يحدث الآن.. فوفقاً للشريعة الإسلامية، وكما يقول د. نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء، والمفتى الأسبق للبلاد، فإن الحاكم ملتزم بتحقيق الأمن والسلام والعدالة الاجتماعية فى بلده، وإذا لم يستطع تحقيقها، فلا بد أن يتنازل عن حكمه، وإذا لم يتنازل وأنزله الشعب بطريقة سلمية، ففى تلك الحالة لابد أن يخضع لرأى الجماهير الغفيرة حتى لا تُراق الدماء (انتهى)، وهذا ما حدث.. فقد طلب الشعب من الرئيس المعزول محمد مرسى أن يترك الحكم ولم يستجب، مع أن الحسين بن على، رضى الله عنهما، تنازل عن الحكم، رغبة منه فى حقن دماء المسلمين، فاضطر المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يستخدم سلطاته وقوته حتى يحقق مطالب الشعب، فالشعب هو الذى عين مرسى وهو الذى عزله، أى (حَجَرَ عليه) ومنعه من مزاولة عمله، وهو عين ما سبق وقاله مفتى الجمهورية السابق د. على جمعة، من أن «مرسى سقطت شرعيته، لأنه ينطبق عليه فتوى (الإمام المحجور) لأن الشريعة تقر بهذا الحجر ولا تُحرّمه، منعاً لإراقة الدماء، لأن الفتنة أشد من القتل».
نعود إلى المحاكمة.. لنقرر من جديد أن مرسى كان على درجة منخفضة من العقل، لم تؤهله للتصرف فى أمور الدولة بالطريقة الصحيحة التى تحقق لهذه الدولة مكانتها وتحفظ للمواطن المصرى كرامته وحقوقه، فى مقابل أعضاء الجماعة أولاً، ومع نظرائه فى أى دولة أخرى ثانياً، وهو الذى جاء على هذه الشروط ولم يحققها، بل إنه جاء بتصرفات أشبه بالخبل والجنون، وكان غير قادر على اتخاذ أى قرار بمفرده، فكم سيطرت جماعته على قصر الرئاسة، وكان خيرت الشاطر هو الفاعل الحقيقى فى إدارة الدولة.. وحتى الآن، ومن داخل السجن، فإن الرسائل المتبادلة بين الشاطر ومرسى لم تنقطع، من خلال أبناء وزوجة المعزول عند زيارتهم له، والتى يطالبه فيها بألا يرد على القاضى بـ «نعم يا أفندم»، مثلما فعل الرئيس صدام حسين أثناء محاكمته فى العراق، ونسى الاثنان الشاطر ومرسى أن صدام حاكمه الأمريكان لأنه عارضهم، بينما يمْثُل مرسى أمام القضاء المصرى بعد أن انصاع، إلى أقصى حد، لطلبات أمريكا التى تهدد الأمن القومى المصري!.. ليبقى لنا بعد ذلك، تخوف البعض من الانفلات الأمنى الذى عقد التنظيم الدولى للإخوان خلال اجتماعه الأخير فى بيشاور الباكستانية العزم على إحداثه فى الشوارع، لإرباك جهاز الشرطة وتشتيت انتباهه عن تأمين المحكمة، خاصة أن الجماعة هددت بحرقها وتحرير مرسى من القاعة.
وإلى هؤلاء أعيد ما أكده اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، من أن التعامل بالذخير الحية، سيكون الأسلوب الفعلى للرد على من يحاول اقتحام المحكمة من أنصار المعزول، وقد رصد جهاز الأمن الوطنى تجنيد قيادات الإخوان لعناصر تتولى اقتحام المحكمة بالأسلحة الآلية ومحاولة تحرير مرسى، إلى جانب خطتهم للإطاحة بهيبة الدولة، مع أن (رجلهم) ينتظر عقوبة الإعدام أو المؤبد فى قضية التخابر.. واسمحوا لى بمقارنة بسيطة، بين هوس أنصار مبارك الذى حكم لثلاثين عاماً واستفاد هؤلاء منه حتى الثمالة، ومع ذلك فإن هوسهم لم يتجاوز حد التظاهر المحدود مع رفع لافتات أمام المحكمة، بينما يهدد أنصار المعزول بحرق الوطن!.. لأتساءل: كيف يفرط إنسان فى وطنه، ثمناً لولائه لجماعة، أو لمن كان رئيساً للبلاد من هذه الجماعة؟.. هل يستوى الطيب والخبيث؟.. والإجابة عن هذا السؤال، هى مقال الغد، إن شاء الله.
هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.