حاربوا كورونا.. بالإيمان والقرآن
ينبغي الاعتراف بأن عالم اليوم هو عالم الأزمات، لأسباب تتعلق بالتغيرات الكثيرة التي حدثت في مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والسكانية والبيئية، والتي أثرت في حياة الإنسان داخل كيانه الاجتماعي وفي حدود دولته.. وبات من المعروف أن التحدي الكبير الذي يواجه الأفراد والدول يتحدد بسلسلة من الأزمات، التي تختلف في طبيعتها وحجمها وعوامل تحريكها، مؤدية إلى خلق الصعوبات والمشكلات وإحداث الانهيارات في القيم والمعتقدات والممتلكات.. لذا فإن مواجهة الأزمات والوعي بها يعد أمرًا ضروريًا لتفادي المزيد من الخسائر المادية والمعنوية.. وقد عرّف المختصون الأزمة بأنها (تهديد خطير، أو غير متوقع، لأهداف وقيم ومعتقدات وحياة الأفراد، بالإضافة إلى ممتلكات المؤسسات والدول).. وتتجلى عبقرية إدارة الأزمة في (فن السيطرة، من خلال رفع كفاءة وقدرة نظام صنع القرارات، سواء على المستوى الجماعي أو الفردي، للتغلب على مقومات الآلية البيروقراطية الثقيلة، التي قد تعجز عن مواجهة الأحداث والمتغيرات المتلاحقة والمفاجئة، وإخراج الدول من حالة الترهل والاسترخاء التي هي عليها، إلى حالة المبادأة والدفاع المبكر عن النفس).. وإذا كان الفكر الإداري الحديث وضع عدداَ من الخطوات يمكن إتباعها عند حدوث الأزمة، إلا أننا تمسكنا قبل هذا الفكر ومعه، بما يمكننا من تحويل المحنة إلى منحة والموقف السلبي إلى إيجابي، بشعورنا بالطمأنينة والثقة بالله سبحانه وتعالى، ثم الثقة بالذات والنفس، والأخذ في الاعتبار قوله تعالى: ﴿ومن يتوكل على الله فهو حسبه﴾، بعد أن عقلناها وتوكلنا على المولى، وبعد أن فعلت الدولة المصرية بما لم يأت به الأولون.
من فوائد هذه الأزمة، أنها جعلتنا متعلقين بالله جل وعلا، ومعظمنا يكثر من الدعاء، أسوة برسول الله ﷺ في غزوة بدر، عندما ظل النبي رافعًا يديه إلى السماء يدعو ربه ويقول: (اللهم إن تُهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لن تُعبد في الأرض بعد اليوم)، فما زال يهتف بربه، مادًا يديه مستقبلًا القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، وجاءه سيدنا أبو بكر ــ رضي الله عنه ــ قائلًا: (إن الله مُنجز وعدك يا رسول الله).. ويوم أن قال له الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فقال ﷺ (حسبنا الله ونعم الوكيل)، ويقول تعالى: ﴿وقال ربكم ادعوني أستجب لكم، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين﴾ (غافر:60)، ويجب علينا ألا ننسى (إن الله يحب المُلحين بالدعاء)، ومن ذلك، فعل النبي ﷺ، كما حدثنا به علي رضي الله عنه: لقد أتينا ليلة بدر وما فينا إلا نائم، إلا النبي ﷺ كان يصلي عند شجرة ويدعو.. ويقول ﷺ (ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه السوء مثلها، ما لم يدعو بإثم أو قطيعة رحم) رواه الترمذي.. وما تنفك ثقتنا بالله موصولة، لأن المولى بشرنا بقوله تعالى: ﴿فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا﴾، وقوله تعالى: ﴿ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين﴾ (آل عمران: 139).
ومن المعلوم طبيًا، وبصورة قاطعة، أن التوتر والقلق يؤديان إلى نقص في مناعة الجسم ضد كل الأمراض، وأنه كلما كانت الحالة النفسية والعصبية للإنسان غير مستقرة، كلما كانت فرص تعرضه لهجمات الأمراض أكثر، وتتجلى أهمية المناعة في قدرة الجسم على التمييز بين ما هو غريب وما هو ذاتى، بغرض دفاعه ضد أى هجوم خارجى أو داخلى، وأيضًا التعرف المبكر على أى تحور فى الخلايا ومقاومة ذلك.. وتنقسم المناعة إلى المناعة التى تتفاعل سريعًا مع التعرض لأى هجوم ميكروبى، ولكنها لاتستمر طويلًا، ولذلك يحتاج الجسم اإلى المناعة ذات التأثير طويل المفعول.. فكيف تتأتى؟.
ضمن أسباب حياتية كثيرة، تعمل على تقوية المناعة، تتضح الحقيقة الجلية، (القرآن شفاء بدني كما أنه شفاء روحي ونفسي)؛ لأنه يعمل على إعادة توازن الجهاز النفسي والعصبي للإنسان، باستمرار قراءته والاستماع إليه وتدبر معانيه، وبالتالي يزيد من مناعة الجسم ويؤمن دفاعاته الداخلية، فيصبح في أمان مستمر من اختراقات المرض له بإذن الله، ويقاوم بتلك القوى النورانية المتدفقة الميكروبات والجراثيم التي تهاجم الجسم في كل لحظة.. وعليه، ففي الأزمات، يظهر دور الإيمان بالله والثقة في نصره، عاملًا مهمًا على مواجهتها وخروج العبد منها سالمًا.. فقد أكد باحث هولندي، غير مسلم، في جامعة أمستردام، أن تكرار لفظ الجلالة وقراءة القرآن يعالجان الاكتئاب، وتوصل إلى أن تكرار لفظ الجلالة يُفرغ شحنات التوتر والقلق بصورة عملية ويعيد حالة الهدوء النفسي والانتظام التنفسي، مشيرًا إلى أنه أجرى دراسة على مدار ثلاث سنوات، على عدد كبير من المرضى، منهم غير مسلمين ولا ينطقون العربية، وكانت النتائج مذهلة، خاصة للمرضى الذين يعانون حالات شديدة من الاكتئاب والقلق والتوتر.
وقد أثبتت الدراسات الطبية للمجمع الطبي العالمي فوائد مهمة لقراءة القرآن الكريم، منها تنشيط الذاكرة، وتنظيم ضربات القلب، وتقوية الأحبال الصوتية، وعذوبة الصوت، وتخفيض ضغط الدم، والإحساس بالراحة النفسية، والتخلص من الهموم، وتقوية عضلات الفكين.. وقدم د. أحمد القاضي، رئيس معهد الطب الإسلامي للتعليم والبحوث في أميركا وأستاذ القلب المصري، دراسة عن كيفية تنشيط جهاز المناعة بالجسم للتخلص من أخطر الأمراض المستعصية والمزمنة، وأثبت من خلاله أن سماع الإنسان للقرآن الكريم يعمل على تنشيط الجهاز المناعي، مشيرًا إلى أن 79% ممن أجريت عليهم البحوث بسماعهم لكلمات الله، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، ظهرت عليهم تغيرات وظيفية تدل على تخفيف درجة التوتر العصبي التلقائي، وقد أمكن تسجيل ذلك كله بأحدث وأدق الأجهزة العلمية.
وكانت نتائج الأبحاث التي أجريت على مجموعة من المتطوعين في الولايات المتحدة عند استماعهم إلى القرآن الكريم مبهرة، فقد تم تسجيل أثر مهدئ لتلاوة القرآن على 97% من مجموع الحالات، ورغم وجود نسبة كبيرة منهم لا يعرفون اللغة العربية، فقد تم رصد تغيرات فسيولوجية لا إرادية عديدة حدثت في الأجهزة العصبية لهم، مما أدى إلى تخفيف درجة التوتر.. كما تمت تجربة دقيقة بعمل رسم تخطيطي للدماغ أثناء الاستماع إلى القرآن الكريم، فوجد أنه مع الاستماع إلى كتاب الله تنتقل الموجات الدماغية من النسق السريع الخاص باليقظة إلى نسق حالة الهدوء العميق داخل النفس، وأيضًا شعر غير المتحدثين بالعربية بالطمأنينة والراحة والسكينة أثناء الاستماع لآيات كتاب الله، رغم عدم فهمهم لمعانيه، وهذا من أسرار القرآن العظيم، وقد أزاح الرسول ﷺ النقاب عن بعضها حين قال: (خير الدواء القرآن)، وقال ﷺ (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده) رواه مسلم.. إن القرآن يزيل أسباب التوتر، ويضفي على النفس السكينة والطمأنينة، ولا ينحصر تأثيره في النفوس فقط، يقول الله تعالى في سورة الإسراء ﴿وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين﴾، فالقرآن شفاء بشكل عام كما ذكرت الآية، ولكنه شفاء ودواء للمؤمنين المتدبرين لمعاني آيات الله.. وفي كل الأديان، وعبر الكتب السماوية، يتحقق الأمان وتتنزل السكينة، لأنها الجسر بين العباد وبين الخالق العظيم.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.