أحمد غنام يكتب: 7 أيام دون «فيسبوك».. هروب من «سجن اختيارى»
لطالما عرفت الأيام من بداياتها، فأنا أؤمن رغما عني بالتفاؤل والتشاؤم، وحينما أستيقظ على رسالة تظهر في تطبيق "فيسبوك" على هاتفي تفيد بأن حسابي "معطل"، حتما وقتها سأخبر نفسي بأنه "يوم سيء".
لن أحدثك في هذه المقالة عن مساوئ مواقع التواصل، والإشاعات اليومية المنتشرة فيها، ومدى تأثيرها في الرأي العام وتزوير الانتخابات، وتسريبات البيانات التي باتت حديث الساعة، ولن أحدثك أيضا عن تعرض حسابك للاختراق وفضح أدق أسرارك، لكن سأحدثك عن تجربة مختلفة تماما، أحضر كوبا من الشاي، واقرأني.
بدت تجربة الـ"7 أيام" دون "فيسبوك" وكأنها مرحلة للتعافي من الإدمان، فبعد تعطيل حسابي قرأت عن أعراض الإدمان الإلكتروني، والتي تمثلت في "تفقد الفيس بوك" في الصباح، الشعور بالفراغ بدونه، عدم استطاعة قضاء يوم بعيدا عنه، فقدان المتعة بعد تعطيل الحساب، التفكير في إنشاء حساب بديل، كلها بلا شك علامات على السلوك القهري، تحولت في النهاية إلى "لخبطة" بشكل عام في روتين حياتي اليومي. لكن قبل أن تعتقد إنني من مستخدمي "فيسبوك" على مدار الدقيقة وأن شعوري طبيعي، لنتوقف قليلا لأمحو تلك الصورة من ذهنك.
عادة أستخدم "فيسبوك" بشكل طفيف، ونادرا ما أتفاعل مع أي منشورات، عدا أوقات يجتاحني فيها "فيروس الشير"، فأنطلق بلا هوادة ملتقطا بعض المنشورات من هنا وهناك، دون أي اهتمام بالتعليقات عليها أو ردود فعل الأصدقاء بشأنها. لكن "إدمان فيسبوك" كان كإدمان "الضجيج الأبيض"، والذي يتمثل في صوت المروحة أو التكييف عند النوم، أنت لا تشعر بالحر؛ لكنك اعتدت على الخلود إلى النوم مصطحبا معك رفيقك اليومي، هذا الضجيج.
عندما تم تعطيل حسابي، شعرت بهدوء لم أعتده، فمجموعات العمل الخاصة بـ"فيسبوك" و"واتساب" لدى الصحفيين، تزعج أي شخص لا يعمل في المجال عندما يقترب منهم. ناهيك عن فقدان التواصل التام مع مجريات العمل اليومية. ما الحل إذا؟ ظللت أفكر، هل أنشئ حسابا جديدا، أم أتجاهل فيسبوك وأستبدله بـ"واتساب" و"تويتر"؟ هل الحساب الجديد سيعوضني عن ذكريات مسجلة استمرت لأكثر من 10 سنوات؟ كان "فيسبوك" بمثابة يوميات لكل مستخدميه، شئنا أم أبينا، إضافة لكونه وسيلة للبقاء على قيد "التريند"، ومعرفة ما يدور في البلاد.
انتهى اليوم الأول بمحاولات مضنية للتواصل مع الشركة، إذ أنني لم أرتكب أي مخالفة تستوجب "تعطيل حسابي"، بجانب أن غلق الحساب لم يكن قراري الشخصي، وأنا لا أحب الإكراه على فعل أبدا مهما بلغت فائدته، لكن لا رد. حاولت التواصل مع عدد من الأصدقاء ذوي علاقة بآخرين يعملون لدى "الشركة"، لكن لا حل، بدأت استبدل أوقات "تويتر" بأوقات "فيسبوك"، لكن "الأزرق" هنا يختلف عن "الأزرق" هناك.
في اليوم الثاني أدركت مدى الفجوة المتمثلة في عدم وجود حساب فيسبوك؛ هذا يعني أن وقتي على الموقع الأزرق أضحى ملكي، وبات في الإمكان عمل أي شيء، بدءًا من القراءة وحتى الكتابة، وبينهما الكثير. بدأت أخط أوراقا كانت مؤجلة منذ شهور، و أقرأ قصاصات لأفكار نزلت علي في أوقات متفرقة، بدأت كل ذلك على "مضض"، فلم أكن مقتنعا بعد بالتغيرات المفاجئة.
يوم ثالث بلا "فيسبوك"، وبلا رد من الشركة، كنت قد بدأت أدرك مدى تأثير فيسبوك في شخصيتي، وكيف كان يسرق من وقتي الكثير، عاودت التواصل مع بعض الأصدقاء عبر "تويتر"، وأضحى لدي وقتا للموسيقى، ومشاهدة المسلسلات الأمريكية التي أعشقها، بل وكتابة هذه المخطوطة. مر اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع، هنا قررت ألا أهتم، وقد كان.
بقي شيء هو أن أخبرك عزيزي القارئ أنني وجدت سبيلا لتشغيل حسابي على الموقع، في وقت وجيز، لكنني حِدتُ عن ذاك الطريق تحت حجج مختلفة، لم أدرك ذلك سوى الآن وأنا أكتب هذه الكلمات، ربما تخلصت من الإدمان في النهاية، ربما تصيبني انتكاسة، لكن بالتأكيد إن عدت، سأقلص تماما مساحة تواجدي في ذلك الوباء الأزرق.