«أبيض وأسود».. حكايات شباب أعادوا إحياء كاميرا الفيلم (صور)

ما بين ضغطة زر لالتقاط صورة ورؤيتها في شكلها النهائي، باع طويل من التحدي والأمل يقوم به قرابة الـ3000 آلاف شاب، قرروا التحرر من قيود التكنولوجيا والتحليق في آفاق مختلفة هي العودة إلى الوراء، باقتناء «كاميرا الفيلم».

كل واحد من هؤلاء يدفعه سبب خاص للبعد عن الكاميرات الاحترافية والتصوير من خلال هذا النوع من الكاميرات القديمة، البعض لانخفاض أسعارها مقارنة بالديجيتال والبعض الأخر لاختبار مجالات جديدة، أما الشيء الوحيد والأكيد الذي يجمعهم هو المتعة والتحدي الكبير المتمثل في التقاط أكبر قدر ممكن من الصور، الجميع هنا محكوم بـ35 صورة «أبيض وأسود».

الشناوي: صورت بنجاتيف منتهي الصلاحية من 20 سنة وحبيت الصور لأنها تشبه فلتر "سناب شات"

جيل الألفية الجديدة وما قبلها بسنوات قليلة، لم يشهدوا عصر الكاميرا الفيلم، ولا يملك أي منهم صورًا أبيض أسود تشهد على طفولته، وإن كان بعض منهم شاهد صورًا لأجدادهم وآبائهم، ومن ثم تولد لدى البعض منهم، رغبة في اختراق هذا العالم الغريب، وهو ما فعله نور الدين.

«نور الدين» شاب يدرس بكلية الهندسة، لم يتجاوز السنة العشرين من عمره بعد، تعرف على الصور الأبيض والأسود أولًا من مقتنيات أبيه وجدة، ومؤخرًا عندما قرر شراء كاميرا فيلم، بهدف الحصول على شيء من التراث باعتبارها "أنتيكا".
صديق نور الدين، لفت نظره ذلك مرة إلى إمكانية التصوير بهذه الكاميرا العتيقة، "مكنتش أعرف أنه بينفع يتصور بيها أصلا"، بهذه الكلمات تحدث نور الدين عن دهشته في المرة الأولى التي قرر فيها النزول إلى الشارع ومحاولة الحصول على نيجاتيف يصلح للاستخدام على كاميرته الخاصة.

من هنا، شارع الحسين، التقطت نور الدين وصديقه أول صورة له، تولد لديه منذ اللحظة الأولى شغف لم يعرفه من قبل، هو من اعتاد على التصوير بالكاميرا الديجيتال وجد لذة غريبة، لم يشعر بها من قبل، عند التقاط صورة لا يعرف كيف تبدو في صورتها النهائية عندما يمر بجميع مراحلها.



"الجهد، الدقة، الأموال المبذولة"، كل هذه العوامل جعلت التصوير بكاميرا الفيلم له متعته الخاصة، الفيلم يتكلف من 150 إلى 200 جنيه، والفيلم المنتهي الصلاحية سعره 50، بالإضافة إلى أسعار التحميض والإسكان التي تتكلف كل واحدة فيهم 50 جنهيهًا أخرى، يبذلها الشاب العشريني راضيًا، مطمتنًا إلى السعادة التي تحققها له هذه الرحلة.

طالب الهندسة الذي لا يملك صورًا له من الأبيض والأسود غير تلك يحققها تطبيقات التصوير المختلفة على الهواتف المحمولة الحديثة، تعمد نور الدين شراء نيجاتيف منتهي الصلاحية، ليشاهد ما الذي يمكن أن يقدمه من خلاله، فرأي صورًا ملونة وأخرى أبيض وأسود، ونموذج يمزج بين اللونين، التي يعتبرها ميزة وإن اعتبرها متخصصون عيب كبير.

أبو السعود: بعد ارتفاع أسعار الكاميرات البروفيشنال وجدت ضالتي في كاميرا الفيلم وصور الأبيض والأسود

شهد العام 2012 بداية معرفة مصطفى أبو السعود، بكاميرا الفيلم، لم يكن هذا العام هو تجربته الاولى في التصوير، وإنما سبقته تجارب أخرى أثناء دراسته في الثانوية العامة بكاميرات ديجيتال وأكثر احترافية، لكن هذه الكاميرا الحديثة لم ترضي غروه كمصور يبحث دائمًا عن الأفضل كما أن الكاميرات صاحبة التقنيات الأكبر أسعارها أعلى بكثير.

كاميرا الأب، كانت بوابة أبوالسعود الأولى في التعرف على صور الأبيض والأسود، يقول إنه لم يكن رأي نيجاتيف أبيض وأسود قبل ذلك اليوم الذي أخبره صديق على مكان يمكن أن يبتاع من خلاله فيلم يلتقط به صورًا أبيض وأسود.

"لقيت ضلتي فيها ومبقتش محتاج كاميرا بروفيشنال"، بهذه الكلمات البسيطة استطاع الشاب العشريني أن يصف حالة العشق والتواصل الروحي الذي حدث بينه وبين الكاميرا الفيلم، لم يعد الأمر يمثل له كاميرا سعرها المالي أوفر، وإنما هي رغبة في المرور من باب المغامرة من أول التقاط الصورة إلى رؤتيها، والدقة التي تتمثل في اختيار أفضل زاوية من أول مرة حتى لا يهدر صورًا في فيلم لا يحتوي على أكثر من 35 لقطة.

عبدالوهاب: نحن 3000 مصور بكاميرا الفيلم والأعداد تزداد في الجيل الجديد
يقول محمد عبدالوهاب، إنه ولد لأب مصور، تربى داخل الاستديو الخاص به، شاهد طريقة تحميص الفيلم التي ينفذها أبيه وهو في سن مبكرة حتى طغى عصر الديجيتال على السوق، لكنه لم يطغى على روحه واستطاع أن يحتفظ داخل ذاكرته بهذه الروح المحبة للتصوير بالكاميرا الفيلم حتى أرسى لها من جديد.

البداية كانت في العام 2017، عندما قررت اقتناء كاميرا فيلم مرة أخرى إلى جوار الكاميرا الديجتيال الخاصة بي والاستماع بسحرها وعالمها الخاص، والأمر لم يقتصر على عبدالوهاب وحده، إذ قرر فتح باب التحميض لعدد أكبر من المريدين في غرفة مخصصة داخل أستديو والده، حتى تشعب الأمر.

أصبح العدد أكبر مما كان متوقعًا، حتى استقل الشاب الثلاثيني بمكان مخصص للتحميض وشراء الأدوات الخاصة بالتصوير، بالإضافة إلى إعطاء الدعم والنصيحة لكل من يريد، خاصة الشباب الصغار من الجيل الجديد الذي اتجه إلى تصوير الفيلم أول مرة لتطبيق صورة أبيض وأسود كالتي تخرجها تطبيقات الهواتف الحديثة ولكن بأيديهم، خاصة وأنهم لم يعاصروا هذه التقنية.

20 مصورًا من مصوري كاميرا الفيلم بدأن معًا في العام 2017، واليوم ونحن في مقتبل العام 2020، وصل عدد المصورين إلى 3000 مصور، بحسب رواية عبدالوهاب، الذي يصادق الكثير منهم، مشيرًا إلى أن عدد كبير من هؤلاء من طلاب المدارس والجامعات، مرجعًا السبب وراء ذلك بأن هذا النوع من التصوير أصبح "موضة"، لذلك يتهافت عليه الشباب الآن.