حاجة واحدة بـ طريقتين
اللي بـ يقولوا إنه قوم القاهرة وقوم إسكندرية، بـ يتكلموا "نفس اللغة"، عندهم حق طبعا. واللي بـ يقولوا
إنه قوم القاهرة عندهم لغة، وقوم إسكندرية عندهم لغة تانية، كمان عندهم حق.
الفريق الأول عنده حق، استنادًا إلى "التطابق"، في كل مستويات منظومة اللغة، صوتيًا صرفيًا نحويًا بلاغيًا قاموسًا، كله كله. الفريق التاني عنده حق، لـ إنه فيه "اختلافات" داخل هذا "التطابق"، تمنعه في النهاية من إنه يكون "تطابق" فعلًا.
أظن مش محتاجين نذكر الاختلافات دي، كلنا عارفين، وهي تطال المستوى الصوتى أحيانًا، الصرفى أحيانًا، القاموسي أحيانا، بل والنحوي كمان، لـ إنه الإسكندراني بـ يقول: "أني نشرب"، و"إحنا نشربوا"، بينما القاهريون بـ يقولوا: "أنا أشرب"، و"إحنا نشرب".
لكن يا صديقي، الموضوع مش مين عنده "حق"، الحق والمستحق دي مسائل نسبية، الموضوع في إنه "عالم اللغة"، لو اعتبرنا إن القاهريين بـ يتكلموا لغة، والسكندرية بـ يتكلموا لغة تانية، هـ تواجه مشكلتين:
الأولى من الناحية العملية، إنه قد لا يتمكن من دراسة أي حاجة، ولا أي لغة، لـ إنه لو مدينا الخط على استقامته، فـ إنه لغة أهالي الوراق الكرام، مش زي لغة حي الرحاب، ولغة الكبار في السن، مش زي لغة الشباب، ولغة الصنايعية مش زي لغة رجال الأعمال، بـ اختصار:
جغرافيًا فيه اختلافات، طبقيًا فيه اختلافات، عمريًا فيه اختلافات، مش بس كدا، دا إحنا ذات نفسنا، لو عملت تقعيد لـ لغتنا قبل 25 يناير، هـ تلاقي فيها اختلافات عن بعد 25 يناير، ودا بـ جد، كلمات كتير جدًا دخلت القاموس، طرق تعبير جديدة ابتكرت، زي إنك تعمل جملة اعتراضية، وتقول "بـ صوت فلان الفلاني" أو "فلان الفلاني ستايل"، ودي ما كنتش موجودة قبل الفيسبوك.
فـ إيه بقى؟ هـ أدرس إزاي أنا كـ عالم لغة؟
دي حاجة، إنما مش بس الاعتبارات "العملية"، فيه كمان حاجة تتعلق بـ "الموضوع"، دلوقتي أنا لو قلت إنه القاهريين ليهم لغة، والسكندريين ليهم لغة مختلفة، وخدت "الحكم" دا على جنب. وقلت كمان إنه القاهريين ليهم لغة، وأهل مدينة سيول (كوريا الجنوبية) مثلا ليهم لغة تانية، وخدت "الحكم" دا على جنب. وجيت أحط الحكمين في معادلة، هل المعادلة دي مظبوطة؟
أكيد لأ، لـ إنه لغة القاهرة ولغة سيول، نسبة التشابه بينهما صفر تقريبًا، لـ درجة إنهم لا يعتمدوا نفس الطريقة الفيزيائية في إصدار الأصوات، بينما أهل القاهرة وأهل إسكندرية، بـ يعملوا نفس الحاجات، بـ نسبة ممكن تعدي 95%، فـ أنا كدا كمان مش دقيق من الناحية العلمية.
فـ لازم نلاقي حل لـ القصة دي، من هنا، جات فكرة اللغة واللهجة، اللي هي أصلا كانت اللسان واللغة، يعني العرب القدامي، كان بـ يستخدموا كلمة "لسان"، بـ الظبط زي ما إحنا بـ نستخدم كلمة "لغة"، وبـ يستخدموا كلمة "لغة"، بـ الظبط زي ما إحنا بـ نستخدم كلمة "لهجة"، فـ يقول لك: "لسان عربي"، لكن "لغة طيء" و"لغة الحجاز" و"لغة تميم"، وهكذا وهكذا.
إنما ما علينا من التسميات والمصطلحات، ظريفة أوي الحكاية دي، لما يكون عندي قوم وقوم تانيين، بـ يتكلموا بـ طريقة متشابهة، وعندهم بعض الاختلافات، نعتبرهم بـ يتكلموا لغة واحدة بـ لهجتين، أو لسان واحد بـ لغتين.
المهم إنها حاجة واحدة بـ طريقتين.
تعالى بقى نطبق الفكرة الجهنمية دي، ونسأل نفسنا: هل أهل القاهرة وأهل الصعيد، هم كمان عندهم لغة واحدة ولهجتين؟
دا سؤال محتاج مقال منفصل
فـ خلينا لـ مقال جي