منطق الضحك
هات ورقة وقلم، حاول تشخبط في الورقة بـ القلم، شخبطة عشوائية تماما، شخبطة بـ معنى شخبطة خالص، بعد ما تخلص، تأمل اللي إنت عملته، هـ تلاقيه خضع لـ منطق ما: خطوط دائرية مربعات منحنيات أسهم، خطوط عريضة رفيعة، مليت كل الورقة كنت بـ تشخبط في جزء من الورقة.
مش ممكن يكون اللي عملته مالوش أي منطق من أي نوع، مخ الإنسان أساسا، مش بـ يشتغل إلا من خلال المنطق، مقدمات تؤدي إلى نتايج، تخلق نسق، فـ أي نشاط إنساني في الدنيا، قائم على كيفية خلق منطق ما، وخاضع لـ منطق ما، الضحك كمان خاضع لـ المنطق، لـ إنه في الأساس الإنسان بـ يضحك نتيجة المفارقة، اللي بـ تحصل من كسر المنطق:
سقراط يموت
القطة تموت
إذن سقراط قطة
هنا عملنا منطق ما، ثم كسرناه، أو حد كسره قدامنا، فـ دا شيء يضحك، لكن، هل كل كسر لـ المنطق
يؤدي إلى الضحك؟ بـ الطبع لأ، لـ تلات أسباب:
أولهم: لـ إنه في أحيان كتير، كسر المنطق بـ يبقى منطقي، فـ مش بـ يبقى كسر لـ المنطق، لـ إنه كل حاجة في الدنيا ليها منطقها، فـ السؤال: إنت كسرت أنهي منطق؟
هـ أديك مثال بسيط: لو سألت حد، بعد التلاتة كام؟ فـ قال لك: خمسة، دا كسر لـ المنطق، لكن لو إحنا بـ نعد الأرقام الفردية بس، هنا يبقى بعد التلاتة خمسة صح، وما نبقاش كسرنا المنطق ولا حاجة.
لما قلت لك
إنه فيه ناس ممكن تضحكك في الحقيقة، بس في عمل فني ما تضحكش، دا لـ إنه الأعمال الفنية ليها منطقها، فـ كسره محتاج معادلة تانية، محيي إسماعيل وهو بـ يقول: وكنت عبقري، كان بـ يضحك، علشان كسر منطق الفنان
في إدلاؤه لـ التصريحات، ولـ إنه الناس ما تعرفش محيي إسماعيل، ضحكت.
لكن لو إحنا في فيلم، وعامل شخصية فنان لاسع، فـ هذه الشخصية أصبح لها منطقها، وبقى لما يقول: وكنت عبقري، دا منطقي جدا، اللاسع بـ يعمل كدا، بـ اختصار: إن طلع العيب من أهل العيب، ما يبقاش عيب،
شيل العيب وحط "كسر المنطق".
السبب التاني: إنه علشان المنطق يتكسر، لازم يبقى فيه منطق أساسا، ولو رجعنا لـ مثال بعد التلاتة كام، لو إحنا مثلا بـ نعمل قرعة، وبـ نسحب أرقام وخلاص، هنا ما بقاش فيه منطق لـ الرقم اللي هـ ييجي بعد تلاتة
فـ لو حد قال 5، زي ما حد يقول 17، مفيش أي رقم هـ يكسر المنطق، لـ إنه أساسا مفيش منطق.
لـ ذلك، فيه ناس بـ تبقى متصورة، إنها لما تكتب أي هبل، هـ يبقى كوميدي ويضحك، إنما دا مش صحيح، وأشد أنواع الهلس هي القائمة على كسر أكثر أشكال المنطق عقلانية.
تالت سبب: كسر المنطق علشان يضحك، لازم ما يكونش بـ يؤدي إلى "ضرر" على المتلقي، المأساة بـ تشترك مع الملهاة، في إنهم الاتنين كسر لـ المنطق، إنما المأساة تؤدي إلى ضرر، أو ما هو أكثر من الضرر، وساعات بـ تكون العملية مركبة، وزي ما فيه منطق لـ اللي إنت بـ تعمله، وفيه منطق لـ اللي إنت بـ تشوفه، أو بـ تسمعه أو بـ تقراه، فيه منطق بـ يحكم المشهد كله على بعضه.
لو إحنا في محاضرة مثلا، وطالب عمل حاجة تكسر المنطق، زي إنه اتاوب واتمطع بـ صوت عالي، أو إنه حاطط هاند فري وبـ يسمع أغنية، فـ انسجم وبدا يغني معاها بـ صوت عالي، المشهد دا ممكن يضحك الطلاب، إنما الأستاذ اللي بـ يشرح، غالبا مش هـ يضحك، وهـ يغضب، وغالبا هـ يعاقب الطالب، وهـ يعاقب اللي ضحكوا،
لـ إنه هو شخصيا عنده منطق تاني لـ المشهد، يخلي كسر المنطق هنا، تسبب له في ضرر أو أذى، بينما دا مش حاصل لـ الطلاب.
أكبر مثال فني على كدا، مشهد في فيلم "حافية على جسر الذهب"، لما شكري عبد الحميد (أحمد توفيق)، دخل على الفنانين في سهرتهم، وقال إنه هـ يعرض عليهم موهبته، فـ هـ يأدي مشهد لـ شكسبير، بـ النسبة لهم
اللي بـ يعمله دا قمة الضحك، علشان منطقهم لـ القعدة، لا يحمل أي شكسبير من أي نوع، دي ناس بـ تسكر،
وبـ تهوي دماغها من أي حاجة جد، فـ هو جايب قمة الجد وجي، منتهى كسر المنطق.
بـ النسبة له، ضحكهم كان شيء مؤلم جدا، علشان منطقه هو لـ القعدة، إنه دول "أهل الفن"، فـ "المنطقي" إنهم بـ يتنفسوا شكسبير، دا جايب لهم "الغالي"، تصرفه ينم عن سذاجة في التصور، وعدم خبرة بـ الحياة، ولا بـ طبيعة الوسط الفني، فـ هم قرروا استثمار السذاجة، في صنع المزيد من كسر المنطق، علشان يزود عندهم جرعة الضحك.
كاميليا (ميرفت أمين)، لـ إنها ما عندهاش قسوتهم، اعترضت على عملية الاستثمار دي، وتأثرت بـ ألمه، لـ إنها شافت المشهد من زاويته هو، إنما دا ما خلاهاش تشوفه حاجة تانية، غير إنه راجل ساذج، فـ بقى لها منطق تالت.
طول أوي المقال دا، إنما لسه الكلام متواصل، فـ ابقوا معنا