بلاسيبو الضحك
وأنا صغير، كنت بـ أسأل نفسى، هو ليه لما نبقى قاعدين، وحد عايز يقول نكتة، بـ يقول قبلها: «سمعتوا آخر نكتة؟»، ما يقول نكتته على طول، هو خايف مثلًا نفتكرها حاجة حصلت بـ جد، ما النكتة باينة إنها نكتة.
لما كبرت شوية، خدت بالى من حاجة أظنها مهمة، وهى إنه الضحك محتاج «استعداد»، وكل ما درجة استعدادك لـ الضحك زادت، بـ تضحك، وكل ما قلِّت ما بـ تضحكش، كلنا عندنا أوقات بـ نبقى جاهزين لـ الضحك، وأوقات لأ.
هـ أقول لك مثال جاد جدًا، لما الأهلى بـ يتغلب، خصوصًا لو ماتش مهم، أو هزيمة كبيرة، لا يمكن أى حاجة تضحكنى، لا يمكن يعنى لا يمكن.
دا مش معناه خالص إن الاستعداد هو كل حاجة، لكننا بـ نتكلم هنا عن عامل مهم، تعالى ناخد أمثلة من التاريخ:
اتولدت فى السبعينات، وعشت طفولتى فى التمانينات، وقتها، كان مصدر الأفلام الأساسى وربما الوحيد، هو عرضها فى التليفزيون، إذا استثنينا إنك تروح السينما، بـ أتكلم وإنت فـ حياتك الطبيعية، مفيش نت، مفيش كومبيوتر أصلًا، وحتى الفيديو قليل، ولو عندك فيديو فـ ما عندكش أفلام كتير، بس أفلام التليفزيون.
وقتها، كان الفيلم الكوميدى يتعرض فى العصر، لكن فيلم السهرة نادر جدا جدا ما يكون كوميدى، ولو كوميدى يبقى لـ إنه جديد، أو لـ إنه مش كوميدى صافى، ليه؟
لـ إنه معظم الناس وقتها كانت بـ تشتغل من ٨ لـ ٢، تروح البيت، تتغدى، وتبقى عايز تفسى دماغك بقى، وتشوف «أى حاجة تضحك»، إنت هنا «مستعد» لـ الضحك، فـ إيه بقى؟
محمد عوض يضحكك، أحمد الحداد يضحكك، أمين الهنيدى يضحكك، أى حد يعوج بقه، يعمل حركة مش طبيعية بـ جسمه، يقول كلام أهبل بـ طريقة مبالغ فيها، أى حاجة كانت بـ تضحك، إنما هل أى حاجة من ديى زى مثلًا «اعترافات زوج» أو «إشاعة حب» أو «ابن حميدو»؟ لا، ولاحظ تانى إننا مش بـ نتكلم عن حاجة بره الضحك، «الطبيعى» فى تقديرى إن محمد عوض ما بـ يضحكش، لكن ابن حميدو بـ يضحك، هل دا معناه إن الأجيال اللى ضحكت على محمد عوض كانت عبيطة أو متخلفة؟ لا، الحكاية دى عاملة «البلاسيبو» فى الدوا، هل إنت اتحسنت لما خدته؟ آه، هل هو بـ يحسن الحالات الشبيهة؟ لأ.
خلينا نرجع أكتر فى الزمن، بعد الحرب العالمية الأولى، ثم ثورة ١٩١٩، زاد استعداد الناس بـ شكل عام لـ الضحك، ما هو زى ما البنى آدم الفرد بـ تيجى له لحظات استعداد أكتر من لحظات تانية، المجتمع كـ كل نفس الحاجة، فـ فى الفترة دى انتشرت المسارح والتياتروهات اللى بـ تقدم حاجات تضحك.
خلينا نبص على نموذجين: نجيب الريحانى وعلى الكسار، دا الناس بـ تروح له وتضحك، ودا الناس بـ تروح له وتضحك، طيب، الموجة انحسرت فى التلاتينات، وما بقاش «استعداد الضحك التلقائى» موجود، إيه اللى حصل؟ نجيب الريحانى استمر، وفضل لـ حد ما مات، وهو بطل ونجم ورقم ١، فى حين على الكسار توارى، ووصل بيه الحال، إنه بقى يطلع كومبارس فى بعض الأفلام.
أكيد مش عامل واحد هو اللى عمل الفرق دا، إنما الأساس بـ النسبة لى، إنه «فى الطبيعى» على الكسار ما بـ يضحكش، إنما نجيب الريحانى هاز نو إند.
ممكن نتتبع أمثلة كتيرة كدا، إنما الفكرة الأساسية، هو إنه كثيرا ما نضحك، لـ إننا عايزين نضحك، فـ أنا حريص دايما، على إنى ما أبصش لـ الأمور بـ منطق: أنا ضحكت ولا لأ؟ وأدخل درجة استعدادى فى التقييم، ولما اتعرض فيلم «طير إنت»، دخلته أول يوم عرض مع مجموعة أصدقاء. بعد الفيلم، قلت لهم الفيلم هـ ينجح جدا، ليه؟ قلت لهم عشان «بـ يضحك»، حد قال لى: يا عم إنت ما ابتسمتش طول الفيلم، قلت له: أنا ما ابتسمتش، بس هو يضحك، وأنا ما ضحكتش مش لـ إنى «لا أضحك بـ سهولة»، ولا ذكى جدا ومش أى حاجة تضحكنى، لا، خالص، أنا بـ أتلكك ع الضحك، بس «وقتها» ما كنتش مستعد، لكن الاستعداد وحده لا يكفى وفيه أسباب تانية كتير بـ تخلينا نضحك، حتى لو الحكاية ما تضحكش فـ نشوفها المرات الجاية.