صالح الشرنوبى.. اللا منتمى
سيبك إنت من أى كلام يتقال عن الصعاليك أو الفنانين البوهيميين اللى عاشوا حياة متشردة أو الأسماء اللى بنت اسمها وشهرتها ع الموضوع ده، وخليك مع الشاعر صالح الشرنوبى، ده القالب اللى عملوا عليه نموذج البؤس فـ الحياة والممات، وعاش سنين عمره القصير ضياع فى ضياع رغم أعماله الكتيرة اللى سابها.
اتولد الشرنوبى فى بلطيم يوم الإتنين ٢٦ مايو ١٩٢٤، وسبحان من خلاه يكمل التعليم الأولى فى الأزهر، لأن دى كانت آخر حاجة يلتزم بيها سواء فـ التعليم أو فـ الشغل أو فـ أى موضوع باستثناء كتابة الشعر.
بدأ أهله يعاملونه على إنه مجنون بدرى بدرى نتيجة تصرفاته من نوعية إنه يقعد يألف الشعر بصوت عالى فى أوضة مقفولة بالساعات، أو مثلًا يرجع من الدراسة بعد نص الليل، فـ أمه تسأله، فـ يحكى لها حكاية لطيفة:
كان واقف مستنى الركوبة اللى هـ توديه البيت، والمعهد بعيد جدًا عن البيت، فـ تعدى شحاتة وشها حلو، يديها كل الفلوس اللى معاه، ويقول لها: «لوجهك لا لوجه الله»، فـ زملاته يروحوا يشتكوه عند مدرسهم «اللى هو محمد متولى الشعراوى» فـ يقعد يلومه ويهزقه، فـ يقرر يروح بيتهم مشى، ويرفض ياخد فلوس يروح بيها.
حاجات من دى كتير، فـ أهله يبعتوه مستشفى المجانين شوية، ويخرج، ويروح القاهرة يحاول يدخل دار العلوم، فـ ما يفلحش، ولأن نجمه خفيف، يروح يدخل عالم المكيفات، ويبدأ سكة اللى يروح ما يرجعش.
أهله يلموه، ويرجعوه بلطيم، ويقعد شوية، ويشتغل مدرس ابتدائى، لـ حد ما صالح جودت يبعت له علشان ياخد منه قصيدة تغنيها لور دقاش «مش لوردكاش»، ودى أول مطربة لبنانية تيجى مصر، وفـ نفس الوقت أمه ما ترضاش تجوزه بنت عمه، فـ يهج تانى على مصر، ويبدأ رحلة جديدة من الضياع.
محاول تانية مش ناجحة لـ دخول دار العلوم، وبعدين التحاق بكلية أصول الدين، وسابها، والشريعة وسابها، وطبعا مفيش فلوس، ومفيش دخل، ومفيش سكن، فـ يعيش فى عشة فراخ فترة، وفـ مغارة لقاها فى جبل المقطم، وفـ الشارع، وكل ده وهو بـ يكتب شعر بـ انتظام، وفـ مغارة المقطم كتب قصيدة «على ضفاف الجحيم»، وعمل لها مقدمة تلخص لك اللى حصل كله:
إليك يا قاهرة، إلى أضوائك القاسية التى عذبت عينى، وأنا قابع هناك فى الجبل المضياف بصخوره الحانية وكلابه العاوية وصمته الكئيب، وإلى هؤلاء المترفين الكسالى الذين ينكرون على إيمانى بالألم وعبادتى الدموع وإخلاصى للحزن.
صاحبه المخرج إبراهيم السيد جابه يعمل أغانى فيلم فتنة، وسمع عنه كامل الشناوى، وقرا شعره، فـ راح جابه، وعينه مصحح فى الأهرام، على أساس بس يلاقى لقمة وسكن، فـ يشتغل شوية، وينفض ويرجع تانى للضياع.
فـ الآخر رجع بلدهم وعاش فـ بيت أهله شوية، وياكله الاكتئاب، ويكتب:
الحمد لله على ما قضى
والشكر له على ما أمر
فما أظن الأرض تحوى فتى
وجوده كان إحدى الكبر
مثل فتى يدعونه شاعرا
وما بغير الموت يوما شعر
يبكى بلا دمع وفى قلبه
ما يغرق الدنيا إذا ما انفجر
لا يعرف الصبر لكنه
لما رأى طول الظلام اصطبر
ويفضل على الحالة دى، بس مش كتير، لـ حد ما ييجى يوم الإتنين ١٧ سبتمبر ١٩٥١، فـ يقرر إنه ٢٧ سنة فـ الدنيا دى كفاية قوى، وينتحر.
بعد وفاته بـ فترة يجمع عبدالحى دياب أعماله الضخمة فى ديوان قريب من ٧٠٠ صفحة، ويطبعوه فى سلسلة «تراثنا» ربنا يرحمه ويرحم الجميع.