بحر أبوجريشة
عيلته نوبية، اتهجرت راحت خط القناة، بس هو اتربى فى الإسكندرية، مش متأكد اتولد هناك ولا فى الإسماعيلية ولا فـ النوبة، بس هو عجن كل البيئات دى: لأ، فيه بيئة رابعة: البحر نفسه.
بحر كان صول فى البحرية، وكان بيغيب فترات فى البحر، طبيعة عمله، ويرجع فى أيام الأجازات يحيى أفراح وحفلات فى باكوس وغيرها من مناطق إسكندرية. أصلًا إنت ممكن تتبسط بمجرد ما تقرا وصف الكاتب السودانى الجميل طلال عفيفى لـ حفلات بحر فى حوارى إسكندرية.
كان ممكن يفضل هناك، لولا حصلت حاجة قدرية كده، من ريحة أفلام حسن الإمام.
أول ما طلع جهاز الكاسيت، راح بحر عمل حاجة مجنونة، كان بـ يروح يأجر ستوديو، ويسجل أغنياته، اللى كتير منها ألحانه، أو ألحان عبدالرحيم شاهين صاحبه، ويدفع أجور العازفين والتأجير من ميزانية البيت، وفضل كده، يسجل من غير ما يكون عنده جهة إنتاج، لـ حد ما حصلت له أزمة بسبب الفلوس اللى صرفها، وبقى عايز يرجعها بأى طريقة.
عرض أبوجريشة الموضوع على راجل بـ يشتغل فى سوق الكاسيت، عنده شركة إنتاج، بس تقريبًا ما أنتجتش لسه أى حاجة، قال له: أنا صرفت ع الموضوع ده عشر قروش، خد الأغانى، وإدينى الفلوس، مش عايز مكسب، بس آخد اللى صرفته.
الراجل اللى راح له بحر هو نصيف قزمان، مالك جريدة الفجر حاليًا، والشركة كانت صوت الدلتا اللى أنتجت ١٥ ألبوم لـ عمرو دياب «من رقم ٢ لـ حد رقم ١٦ فى مسيرة الهضبة»، بس ساعتها لا كان نصيف نصيف، ولا صوت الدلتا صوت الدلتا.
نصيف خد الأغانى، يمكن تعاطفًا مع بحر، ويمكن لأنها حاجة جاهزة، ينفع تنزل السوق، ويتعمل لها شوية تسويق، تجيب تمنها، مع هامش ربح بسيط، ويبقى الناس كلها طلعت مبسوطة، الكلام كان أواخر السبعينات وأوائل التمانينات.
لكن لما نزلت الأغانى فى ألبومين «رحال» و«مقادير»، كسروا الكوكب، ما عنديش إحصائية رسمية بـ حجم المبيعات، وما أظنش حد عنده، بس اللى مش محتاج إحصائيات، هو إنك كنت تمشى فى الشارع فـ أى حتة فـ مصر، لازم تسمع جهاز كاسيت مشغل بحر، خصوصًا أغنية «مقادير».
طبعًا نصيف راح راضى البحر، ونجاح الألبومين، كان هو الأساس اللى بنى بيه نصيف أسطورة اسمها عمرو دياب «وده مالوش علاقة بمجهود عمرو وذكائه اللى مفيهمش شك»، وبالمناسبة الهضبة غنى فى بداياته أغنيات من عند بحر، أهمها أغنية «وماله».
المهم، بعد النجاح الفظيع ده، بدأ الطلب على بحر، ووصل بسلامة الله لأرض السينما، واشترك فى فيلم: إحنا بتوع الإسعاف «١٩٨٤، إخراج صلاح كريم» اللى كان فيلمه الأخير على حد علمى.
لكن بحر ما استحملش النجاح الكبير والمفاجئ، والانتقال من عالم الهواية والمزاج لعالم الاحتراف والفلوس، هربت منه شويتين، وبدأت أسهمه فى السوق تقل، وراح عمل ألبوم مع شركة صغيرة اسمها «فلفل فون» لصاحبها سيد نصر «اللى أنتج أول ألبومات أنغام»، وبدأ يغنى فى مسارح درجة تالتة، واختفت أخباره، لدرجة إنى ما عرفتش ألاقى أو أفتكر تاريخ وفاته، بس هو كان أوائل التسعينات.
بصراحة، بصراحة، مش قادر أختم الكلام، قبل ما آخد أجزاء من النص اللى كتبه طلال عفيفى عن ليالى بحر فى إسكندرية، ده مش مقال، ده مزيكا:
«يمشى من المينا لحد ما يدخل حوارى باكوس، وهو بيغنى، النسوان بتفتح الشبابيك وتبص له. يوصل الفرح اللى هيغنى فيه، يطلع على الطرابيزة بتاعت المسرح وهو بيغنى وبيرقص، ووراه مليون عازف إيقاع، جايين من كل البلد من بحرى لـ حد أبوقير.
يفك زراير القميص الأبيض بتاع البحرية شوية شوية، لحد ما يرميه فى الفضا ويفضل بالبنطلون الأبيض والفانلة التحتانية، ويروح مطلع من جيبه منديل أحمر، ومشوح بيه فى الهوا ورابطه حول رقبته، زى الجماعة بتوع أمريكا اللاتينية بالظبط»
إييييييييه، دونييييا.